هل دعم الإرهاب في سوريا لمنع الفشل في فلسطين؟
صحيفة الوطن العمانية ـ
خميس التوبي:
لا يزال المواطن السوري يتساءل عادًّا أيامه وساعاتها ودقائقها وثوانيها عن متى سيتوقف عنه الإرهاب العابر للقارات والمدعوم من قبل قوى استعمارية امبريالية غربية وقوى إقليمية ذيلية؟ ومتى سينضج المراهقون السياسيون من أبناء جلدتنا ويحتكمون إلى العقل والرشد؟ ومتى سيعطون الدم قيمته والإنسانية معناها وقيمتها؟
إلا أن أسئلته الحيرى لم يدم عليها الصمت طويلًا، بل جاءته الإجابة سريعًا من أكبر قوة استعمارية امبريالية في العصر الحديث لتنفخ في روعه وعقله بأن ليل سهرك ووجعك وجوعك وسقمك (يا سوري) لا يزال طويلًا جدًّا. فالقوة الامبريالية الكبرى منهمكة حاليًّا ـ وحسب تأكيدات مسؤولين فيها ـ على وضع لمساتها الأخيرة على خطتها لزيادة تدريب عصابات الإرهاب وإرسال شحنات من الأسلحة لها، من أجل تأجيج جذوة الإرهاب المشتعلة في كامل التراب السوري لتواصل حرق الحرث والنسل.
إن هذا الإعلان ليس بالجديد، بل سبقته إعلانات كثيرة عن رصد مئات الملايين من الدولارات لمختلف العصابات الإرهابية المشكَّلَة غربيًّا وإقليميًّا بأسماء “جبهة النصرة” و”الجبهة الإسلامية” و”الجيش الحر” و”داعش” وغيرها تحت مزاعم “مساعدة الشعب السوري” و”الدفاع” عن “الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان”. غير أن هذا الإعلان يأتي في ظل تطورات دولية وعربية وإقليمية تسعى من خلاله الولايات المتحدة قائدة معسكر المؤامرة على سوريا إلى تثبيت ما بنته من سياسات وأدوار ودعمه، متخذةً من دول وأنظمة مطيَّةً تستنيخها لتحقيق مجموعة من الأهداف، منها:
أولًا: إن إعلان الولايات المتحدة دعمها للإرهاب في سوريا لا ينفصل عن مسار القضية الفلسطينية، بل يجب أن لا يعزل عن ملف الصراع العربي ـ الصهيوني، وذلك لارتباط سوريا به بصورة مباشرة باعتبارها دولة مواجهة جزء من أراضيها محتل من قبل كيان الاحتلال الصهيوني، ولكونها كذلك الدولة العربية الوحيدة الداعمة للمقاومة الفلسطينية والمحتضنة لها، وبالتالي دعم الإرهاب وإشعال نيرانه ليشمل الأرض السورية بأكملها ضرورة صهيو ـ أميركية تستدعيها الأهداف الاستراتيجية من تدمير سوريا الذي سيؤدي إلى عزل إيران والمقاومة اللبنانية وسهولة محاصرتهما ومواجهتهما، وكذلك القضاء التام على المقاومة الفلسطينية التي تنعم بالدعم السوري غير المحدود، وهو ما كشفت عنه الولايات المتحدة بُعيْدَ احتلالها العراق وتهديد دمشق إذا لم تتخلَّ عن المقاومة الفلسطينية. وللمتابع لسير الأحداث والجرائم الإرهابية التي ترتكبها العصابات الإرهابية التابعة لمعسكر المؤامرة وذات العلاقة العضوية بكيان الاحتلال الصهيوني أن يقف على حقيقة ذلك بالاستهداف الممنهج أيضًا للفلسطينيين في المخيمات السورية كمخيم اليرموك وتهجيرهم منها.
على أن الأهم من ذلك هو محاولة واشنطن استرضاء أطراف إقليمية في أوج مراهقتها السياسية وضمن معسكر المؤامرة بدعم الإرهاب الذي تصر تلك الأطراف وتلح على سيدها الأميركي أن يقوم بسيناريو مشابه للسيناريو الليبي أو أضعف الإيمان بفتح صنابير الأسلحة الأميركية النوعية والفتاكة. ويبدو من هذا الاسترضاء أن واشنطن تسعى إلى تعويض فشلها في إقناع الجانب الفلسطيني بالموافقة على تمديد المفاوضات العبثية الحالية والتراجع عن طلب الانضمام إلى المعاهدات الدولية، على قاعدة “أعينكم أيها الأعراب والأغراب في سوريا، أعينوني في فلسطين” وذلك بالضغط على الفلسطينيين للقبول بالشروط والإملاءات الصهيونية المضمون الأميركية الشكل، خاصة وأن الظروف كافة مواتية للمشروع الصهيو ـ أميركي على الأقل في سوريا، فالجماعات الإرهابية التي تعيث فسادًا، ليس في سوريا، وإنما في معظم الدول العربية والتي تتستر بستار الإسلام، تقتل وتدمر بالوكالة عن سيدها وحليفها العضوي كيان الاحتلال الصهيوني، وبالتالي لا خشية من أي ارتدادات على أمن كيان الاحتلال، بل بالعكس أثبتت تلك العصابات الإرهابية إخلاصها ليس بالسهر على أمن كيان الاحتلال الصهيوني وراحة قطعان مستوطنيه، وإنما بتدمير مراكز القوة لدى سوريا وجمع المعلومات الحساسة عن أماكن تخزين الأسلحة والمقرات الأمنية والمعسكرات وتزويد سيدها الصهيوني بتلك المعلومات، وإضعاف الدول المركزية والمحورية في صراعها مع العدو الصهيوني.
وما تجدر ملاحظته والإشارة إليه هنا، هو أن الترتيبات الصهيو ـ أميركية بالتعاون مع القوى الذيلية والعميلة، سواء تلك التي تتشاطر مع سوريا الحدود أم لا، حول القضية الفلسطينية والأزمة السورية تسير بالتوازي، ففي الأولى يمارس الضغط على الفلسطينيين لتمديد المفاوضات العبثية لاستغلالها صهيونيًّا بنهب ما تبقى من الأرض الفلسطينية وتصفية القضية، حيث التحرك الصهيوني على أشده الآن ضد القدس والمسجد الأقصى. وفي الثانية يتم إطالة أمدها بدعم الإرهاب وتجنيد المزيد من الإرهابيين والمرتزقة والتكفيريين لتدمير الدولة السورية؛ أي أن العالم العربي في الحقيقة أمام مؤامرتين الأولى ضد فلسطين والثانية ضد سوريا.
ثانيًا: إن الإعلان الأميركي بدعم الإرهاب هو إحدى وسائل الضغط على روسيا جراء تحركها لحماية أمنها القومي ودعم الناطقين بالروسية في أوكرانيا ودعم سكان القرم في خيارهم بالعودة إلى أحضان روسيا الاتحادية الوطن الأم، وكذلك جراء دعم موسكو لسوريا في مواجهة مؤامرة الإرهاب التي تستهدفها.
وما يستلفت الانتباه هنا أيضًا، هو أن الحديث عن الحل السياسي للأزمة السورية لم يكن سوى تغطية على الدور الغربي ـ الإقليمي في دعم الإرهاب ضد سوريا؛ لأن الحل السياسي يبدأ من وقف الإرهاب والامتناع عن دعمه.
إذن، المؤامرتان ضد فلسطين وسوريا تكشفان حقيقة الأدوار للقوى الامبريالية الاستعمارية الغربية، وبالأخص حقيقة أدوار القوى الإقليمية المحسوبة على الإسلام وعلى لغة الضاد، وتفضحان أحاديث الهراء التي قيلت في الأخلاق والسلوك والتي تجاوزت حدود الأدب واللياقة الدبلوماسية والسياسية لتكشف عن عُري القيم والمبادئ والانحلال الأخلاقي ودرجة الانحطاط التي بلغها أصحابها، وتفضح تلك العنتريات الكاذبة والمتلونة والمنافقة بتسيير السفن الحربية لكسر الحصار عن قطاع غزة، وعن دعم الشعب الفلسطيني، وعن المسرحيات الهزلية والتمثيليات الدرامية في المنتديات والمؤتمرات العالمية.