هل حرب أوكرانيا هي الخطوة الأخيرة في تغيير النظام العالمي؟
وكالة مهر للأنباء-
سعيد ساسانيان:
قال سماحة قائد الثورة الإسلامية (مد ظله العالي) خلال لقاء مع الطلاب في شهر رمضان المبارك اعتقد الحرب في اوكرانيا بحاجة الى المزيد من التعمق فيها. هذه الحرب ليست مجرد هجوم عسكري على دولة. إن جذور هذه الحركة التي نشهدها اليوم في أوروبا عميقة الجذور ونتصور مستقبل معقد وصعب خلال الايام المقبلة.
حسنًا إذا افترضنا أن تخميننا صحيح وأن العالم على وشك نظام جديد فمن واجب جميع البلدان بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الايرانية أن تكون حاضرة في هذا النظام الجديد لكي تضمن أمن ومصالح البلاد والشعب الايراني ولا تبقى على الهامش. ما يلي هو انعكاس لهذا الجزء من البيان قائد الثورة الاسلامية الايرانية:
الانضباط هو أهم قضية في علم العلاقات الدولية. في الأساس تم تشكيل هذا العلم بمعناه الأكاديمي لدراسة الانضباط على نطاق إقليمي وعالمي ودراسة السلوك الأجنبي للدول. إن تفسير الانضباط وبالتالي الفوضى ووصف استراتيجيات للانتقال من الفوضى أو الانضباط غير المرغوب فيه والمدمر إلى النظام المرغوب هو وظيفة خاصة لعلم العلاقات الدولية. تسعى جميع المناهج النظرية من الموضوعية إلى الذاتية ومن الواقعية إلى النظريات النقدية إلى شرح هذا الترتيب بمنهجياتها المختلفة.
لقد تغير انضباط وهيكل النظام الدولي عدة مرات وشهد حالات مختلفة خلال عقود. أدت هذه التغييرات إلى قيام بعض علماء العلاقات الدولية بتقديم صورة واضحة ومشتركة لهذه التغييرات على المستوى الكلي للنظام الدولي من خلال دراسة عملية لهذه التغييرات. من بين هؤلاء العلماء نستطيع ان نشير الى مودلسكي واوركانسكي وتامبسون. طرح مودلسكي أربع مراحل أساسية في شرح عملية الحياة للنظام الدولي والتي تصف صعود وسقوط الفاعل المهيمن في هذه النظرية. في نظرية انتقال القوة يرى اوركانسكي النظام العالمي على أنه نظام هرمي يكتسب فيه الفاعلون مكانتهم في النظام العالمي بناءً على الاختلافات في توزيع القوة. في هذه النظرية يتم تشكيل قوة محتملة؛ هذه القوة الكامنة في طريقها للتحقيق والنمو تختبر صراعات خطيرة مع السلطة العليا وتصل إلى مرحلة النضج وإذا سادت تبدأ مرحلة زوال القوة المتفوقة. هذا الزوال لا يعني بالضرورة انهيار القوة المتفوقة بل يعني تأكيدًا على تقليل مستوى قوتها. يتبع سلوك الفاعلين في كل مرحلة من هذه المراحل نفس المبادئ والقواعد العامة.
يشبه الوضع الحالي للنظام الدولي إلى حد كبير لمرحلة نضج بعض القوى العظمى ودخولها في صراع مع القوة المهيمنة لدرجة أنها تحدت بشكل أساسي القوة المهيمنة للولايات المتحدة. دأب المفكرون الأمريكيون على تحذير السياسيين الأمريكيين لسنوات لبدء مثل هذه المنافسة. في هذا السياق تعتبر الصين المنافس الرئيسي والأخطر للولايات المتحدة. كان هذا هو أساس استراتيجية الولايات المتحدة للتوجه نحو آسيا في أواخر عام 2011 والتحدث عن أولوية السياسة الخارجية المتزايدة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. على الرغم من أن هذا التحول لم يتحقق في إدارة أوباما إلا أن إدارة ترامب اتخذت موقفًا أكثر جدية ضد الصين، في إدارة بايدن ازداد نصيب الصين من السياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكل كبير لدرجة أن نقل المسؤولية في منطقة غرب آسيا وانسحابها التدريجي أصبح أكثر بروزًا من أي وقت مضى في أدبيات المسؤولين. بالإضافة إلى ذلك سعت الولايات المتحدة في المجال العسكري إلى العمل مع أستراليا وبريطانيا لتعزيز السيطرة الجيوسياسية للصين. ومع ذلك هناك خلاف بين المفكرين الأمريكيين حول مصير الصراع الصيني الأمريكي. المفكر الواقعي الشهير ميرشايمر يعتقد أن تدفق التنمية الاقتصادية للصين إلى الجيش أمر مؤكد وبالتالي فإن الحرب سيكون المصير الحتمي للولايات المتحدة والصين. من ناحية أخرى يتحدث أشخاص مثل كيسنجر عن إمكانية السيطرة على الصين وعدم حتمية الحرب. وهذا يعني أن الولايات المتحدة تدرك بشدة خطر التغيير الهيكلي وعلاماته وتحاول منعه أو تأخيره.
بقدر ما تتحرك الصين ببطء في المنافسة مع الولايات المتحدة دون إثارة أي حساسيات خاصة لكن على مستوى مختلف تتحرك روسيا بشكل واضح في صراعات جيوسياسية و المنافسة مع الولايات المتحدة. ما كان يحدث في أوكرانيا منذ أسابيع هو مثال واضح على المواجهة بين القوتين للحفاظ على تغيير حدود القوة؛ توسع الناتو إلى حدود روسيا مع انضمام أوكرانيا إلى الناتو أدى الى ان يعتبروا مسؤولو الكرملين أن هذا النهج يمثل تهديدًا وبالتالي أدى إلى اختيار روسيا للخيار العسكري. أوكرانيا هي الآن بوابة الغرب بكل تنوعه ضد روسيا. تحاول موسكو تنظيم أوروبا بطاقتها، ويحاول الغرب تمهيد الطريق للسيطرة على روسيا من خلال فرض عقوبات واسعة النطاق وبالطبع زيادة مقاومة أوكرانيا مهما كانت نتيجة الحرب. المهم ان لن نعود إلى الوضع السابق. إذا حققت روسيا أهدافها في هذه المعركة وفازت بالمعركة فسيكون هناك استعراض عالي المستوى للقوة في مواجهة المطالب التوسعية الأمريكية، وإذا فشلت من المستحيل ان ترجع مستوى وعمق العلاقات الأمريكية الروسية كما كانت في السابق. يبدو أن ما سيحدث عمليًا سيكون نوعًا من الانتصار النسبي للروس، بحيث لا يشعر أي من الطرفين بهزيمة كاملة. حتى في مثل هذه الظروف تستطيع روسيا من تحقيق بعض أهدافها مع المقاومة وفرض نظام جديد في بيئتها الاستراتيجية. هذا في حد ذاته يمكن تفسيره في اتجاه تغيير النظام العالمي وهندسة القوة.
حتى لو انتصرت روسيا في حرب أوكرانيا فلا ينبغي المبالغة في مساهمتها في تغيير النظام الدولي تمامًا كما أن اختزالها في حرب عالمية روتينية هو خطأ استراتيجي. إن تغيير النظام هو نتيجة لعملية تستغرق وقتًا طويلاً مع العديد من الحالات المزعجة بالطبع للحصول على قوة فائقة. وبالتالي حتى انتصار روسيا الحاسم في حرب أوكرانيا سيكون مجرد جزء مهم من لغز تغيير النظام وليس خطوة أخيرة، خاصة وأن لاعبًا قويًا مثل الصين لا يزال موجودا. المهم هو أن تكون عملية تغيير النظام في المقدمة وأن يتم استخدامها كأساس لتحديد أنماط السلوك في الساحة الخارجية. إذا تم النظر إلى تغيير النظام بهذه الطريقة في الواقع يمكن لدول مثل الجمهورية الإسلامية الایرانیة المساعدة في تغيير النظام على المستوى الإقليمي وحتى العالمي، وإذا لم تفعل ذلك وفقًا لكلام قائد الثورة الإسلامية لن تحقق ربحًا جيدًا في نظام عالمي لديه عدة علامات ومؤشرات.
يبدو أن ما تم اقتراحه في شكل “توازن ناعم” مقابل الهيمنة في أدبيات العلاقات الدولية يمكن أن يسرع عملية تغيير النظام ويعظم مكاسب الانتصار النسبي المحتمل لروسيا في حرب أوكرانيا. وفقًا لبعض مفكري العلاقات الدولية، فإن منطق التوازن الناعم ضد القوة العظمى في الحقيقة هو تنسيق العمل الجماعي بين عدد كبير من الحكومات من الدرجة الثانية التي يمكن أن تزيد أو تؤخر تكلفة استخدام القوة الصلبة. وبالتالي قد يكون بعض التعاون بالإضافة إلى الدبلوماسية التي تشارك فيها الولايات المتحدة وحلفائها، فضلاً عن الحماية النسبية للبلاد من بعض الضغوط الخارجية، على جدول الأعمال أكثر من ذي قبل. بالطبع، منطلق كل هذا هو التحديد الدقيق والمتعمق للاتجاهات الإقليمية والعالمية بحيث لا يكون هناك فقط مفاجأة استراتيجية في تحقيق المصالح والأمن القومي، ولكن يمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تقدم مساهمة كبيرة في المستقبل في مجال الأمن والسياسية.