هل تنجح إدارة بايدن في كبح جماح حكومة نتنياهو؟
موقع قناة الميادين-
حسن نافعة:
العناصر المتطرفة في حكومة نتنياهو لم تكتفِ باشتراط تولي مواقع مهمّة ومؤثرة داخل هذه الحكومة، إنما أيضاً توسيع صلاحياتها واختصاصاتها لتشمل الأمور المتعلقة بمعظم الملفات المتعلقة بالفلسطينيين، وصلاحيات أخرى تتيح لها ثقلاً خاصاً في عملية صنع القرار.
أسباب كثيرة تدعو الولايات المتحدة إلى الشعور بالقلق من التصرفات المحتملة للحكومة الإسرائيلية الحالية، أولها يتعلق بشخص بنيامين نتنياهو الذي يتولى قيادة هذه الحكومة، وثانيها يتعلق بتركيبة الحكومة نفسها، التي أصبحت تضم في صفوفها عناصر شديدة التطرف على الصعيد السياسي، وشديدة التعصب على الصعيد الديني.
أما ثالث هذه الأسباب، فهو يتعلّق بالتحوّلات التي يشهدها النظام الدولي في المرحلة الحالية، والتي قد تؤدي إلى توسيع الفجوة بين رؤيتي الحكومتين الأميركية والإسرائيلية حول ترتيب الأولويات والأهداف التي ينبغي السعي لتحقيقها في هذه المرحلة من مراحل تطور النظام الدولي.
لم ينسَ بايدن رد فعل نتنياهو حين أقدمت إدارة أوباما على التوقيع على اتفاق 2015 الخاص بالبرنامج النووي الإيراني؛ فنتنياهو، الذي كان يقود الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، لم يكتفِ بالتعبير عن موقف حكومته الرافض لهذا الاتفاق وتوضيح أسباب رفضه، إنما ذهب في معارضته له إلى حد التوجه بنفسه إلى مبنى الكابيتول في واشنطن، إذ ألقى هناك خطاباً في اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشيوخ (الكونغرس الأميركي)، اتهم فيه إدارة أوباما بالتخلي عن “إسرائيل” والتفريط في أمنها، لا لشيء، إلا لأنها أقدمت على إبرام اتفاق مع إيران لا يلبي من وجهة نظره مصالح “إسرائيل”، ولا يستجيب للحد الأدنى من متطلبات أمنها.
ولأنَّ نتنياهو تعمّد تذكير الكونغرس بأنَّ أمن “إسرائيل” ينبغي أن يظل هماً أميركياً وجزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي، فقد بدا أن خطابه في الكونغرس ينطوي على محاولة مكشوفة لتأليب الأخير على إدارة أوباما.
ورغم أن بايدن، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس في هذه الإدارة، يعتبر نفسه “صهيونياً” ويتفاخر بذلك، فإنّه يدرك جيداً في الوقت نفسه حجم ما يكنّه نتنياهو من كراهية لإيران وللنظام الحاكم فيها، الأمر الذي قد يدفعه إلى العمل على إثارة متاعب جمة لإدارته في حال قررت العودة إلى الالتزام بالاتفاق المبرم مع إيران عام 2015 من دون تعديل، الأمر الذي سيتبعه بالضرورة رفع كامل للعقوبات المفروضة على إيران.
حكومة “إسرائيل” الحاليَّة لا تشبه أياً من الحكومات العديدة السابقة، فهي حكومة تتمتّع الآن بدعم 63 نائباً في الكنيست من أصل 120، وتبدو مرشّحة للبقاء والاستمرار في السلطة للسنوات الأربع المقبلة، بعكس الحكومات السابقة التي تناوبت على السلطة طوال السنوات الثلاث الأخيرة، والتي أدى عدم استقرارها إلى إجراء 5 انتخابات برلمانية مبكرة خلال هذه الفترة القصيرة، وهي تضمّ بين صفوفها عناصر شديدة التطرف سياسياً وشديدة التعصب دينياً، من أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
هذه العناصر لم تكتفِ باشتراط تولي مواقع مهمّة ومؤثرة داخل هذه الحكومة، إنما أيضاً توسيع صلاحياتها واختصاصاتها لتشمل الأمور المتعلقة بمعظم الملفات المتعلقة بالفلسطينيين، كقضايا الاستيطان والمياه والإسكان والقدس ودور العبادة وغيرها، إضافةً إلى صلاحيات أخرى عديدة تتيح لها ثقلاً خاصاً في عملية صنع القرار.
ولأنَّ إدارة بايدن تدرك جيداً احتمال قيام هذه العناصر بتصرفات من شأنها استفزاز الشعب الفلسطيني وتصعيد درجة التوتر في الأراضي المحتلة، فضلاً عن إصرارها على إدخال تعديلات جوهرية إلى بنية النظام المؤسسي والقانوني في “إسرائيل” لإضفاء المزيد من السمات العنصرية عليه، وهو ما قد يتناقض كلياً مع القيم الأميركية والأعراف الدولية، فمن الطبيعي أن تتحسب لمثل هذه التصرفات، وأن تسعى للعمل على كبح جماحها.
على صعيد آخر، تعي إدارة بايدن جيداً أنَّ هدف روسيا من الحرب الدائرة حالياً في الساحة الأوكرانية هو تغيير القواعد المعمول بها في النظام العالمي بتركيبته الحالية، والعمل على زحزحة الولايات المتحدة عن موقعها المهيمن، الأمر الذي يدفعها إلى الحرص على تركيز جهودها في المرحلة الحالية على حشد أقصى تأييد سياسي وعسكري ممكن لأوكرانيا، وبذل كل ما هو ضروري لمساعدتها على الصمود، وإلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا إن أمكن.
ومن الطبيعي في سياق كهذا أن تسعى إدارة بايدن لمنع اندلاع أزمات كبيرة في أي منطقة أخرى في العالم، وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط الغنية بمصادر الطاقة والقريبة من أوروبا. ولأنها تدرك في الوقت نفسه أن نتنياهو يرى في إيران تهديداً وجودياً لـ”إسرائيل”، وأن الجناح الأكثر تطرفاً في حكومته يرى في الفلسطينيين المقيمين داخل الأرض المحتلة تهديداً لا يقل خطورة، فإنّ إدارة بايدن تتوقع أن يسعى نتنياهو بكلّ الوسائل المتاحة لجرِّ الولايات المتحدة نحو المشاركة في مواجهة عسكرية مع إيران، وأن يضغط الجناح الأكثر تطرفاً في الحكومة الإسرائيلية لتصعيد المواجهة مع الفلسطينيين شعباً ومقاومة.
هذا الأمر ينطوي على مغامرة قد تؤدّي إلى خروج الأوضاع عن نطاق السيطرة، وخصوصاً أن هذا التصعيد قد يدفع حزب الله إلى الدخول على خط المواجهة مع “إسرائيل”. لذا، من الطبيعي أن يكون العمل على تهدئة الأوضاع على الجبهتين الإيرانية والفلسطينية هو الشغل الشاغل لإدارة بايدين.
كان لافتاً للنّظر مسارعة صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى نشر خبر يفيد بأنَّ “إسرائيل” هي التي قامت يوم الأحد الماضي، 29 كانون الثاني/يناير، بإرسال مسيّرات استهدفت ضرب منشآت في أصفهان تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، وهو الحادث الذي بدت “إسرائيل” حريصة على إبقائه في نطاق السرية، ما يعني أنَّ إدارة بايدن بدت أكثر حرصاً على نفي أي علاقة لها بهذا الحادث، وخصوصاً أنه ترافق مع زيارة معلنة لوزير الخارجية الإيراني إلى دولة قطر، تسلَّم خلالها رسائل من أطراف مشاركة في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، وعبر عن شكره للجهود التي تبذلها قطر لإعادة إحياء هذه المفاوضات المتوقفة منذ شهور.
إن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن الولايات المتحدة ما زالت ترغب في التوصّل إلى اتفاق يضمن عودة جميع الأطراف للالتزام بالاتفاق النووي المبرم عام 2015. كما كان لافتاً للنظر في الوقت نفسه حجم الزيارات المتبادلة في الآونة الأخيرة بين مسؤولين إسرائيليين وأميركيين على أعلى مستوى، كان آخرها زيارات قام بها كلٌّ من جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي، ووليم بيرنز رئيس جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية، وأخيراً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ما يعكس حجم القلق الذي يساور إدارة بايدن من احتمال انفجار الأوضاع في المنطقة.
لم تتّضح بعد نتائج التحركات الدبلوماسية المكثّفة التي قامت بها إدارة بايدن في الآونة الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، والتي استحوذت فيها “إسرائيل” على نصيب الأسد. ومع ذلك، ليس من المبالغة القول إنَّ الدبلوماسية الأميركية تواجه مأزقاً حقيقياً في هذه المنطقة، سببه الرئيسي إحساس دائم من جانب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخصوصاً عندما تكون في درجة تطرّف الحكومة الحالية، بأنّ “إسرائيل” تستطيع دائماً فرض منطقها ورؤيتها ومصالحها على الطرف الأميركي، ودائماً ما تنجح في إقناعه بأنَّ كل ما يحقق مصلحة لـ”إسرائيل” يحقق مصلحة للولايات المتحدة في الوقت نفسه.
أما في ما يتعلَّق بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني، فيُلاحظ أنّ إدارة بايدن ذهبت في محاولاتها الرامية إلى طمأنة “إسرائيل” وإقناعها بأن الولايات المتحدة لن تسمح مطلقاً لإيران بامتلاك سلاح نووي، حتى لو اضطرّت إلى استخدام القوة المسلحة، إلى حدّ تنظيم أكبر مناورات عسكرية مشتركة بين الطرفين.
ومع ذلك، يصعب التكهّن برد فعل نتنياهو في حال قررت إدارة بايدن العودة إلى اتفاق 2015 كما هو من دون تعديل. وعلى الأرجح أن يواصل نتنياهو محاولاته للتحرّش بإيران إلى أن ينجح في جر الولايات المتحدة إلى المشاركة مع “إسرائيل” في عملية عسكرية مشتركة تستهدف إسقاط النظام الإيراني نفسه.
أما في ما يتعلّق بتهدئة الأوضاع في الساحة الفلسطينية، فليس لدى الولايات المتحدة أوراق يمكن أن تستخدمها في هذا المجال سوى دفع النظام المصري إلى الضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة، ودفع حلفاء عرب آخرين إلى الضغط على السلطة الفلسطينية لحملها على التراجع عن قرارها بوقف تنسيق الأمني مع “إسرائيل”، مع محاولة إرضاء الجانب الفلسطيني بتقديم بعض الدعم المالي أو الإدلاء بتصريحات دبلوماسية فارغة من أي مضمون، من قبيل: “تتمسك الولايات المتحدة بحل الدولتين”، أو “على إسرائيل أن تدرك أن حل الدولتين هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أمنها على المدى الطويل”.
في الواقع، ما لم تتمكَّن إدارة بايدن من حمل “إسرائيل” على وقف الاستيطان وقفاً تاماً، وتفعيل الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة، وخصوصاً المسجد الأقصى، ووقف اعتداءات المستوطنين واستفزازاتهم، فلن يكون للتهدئة أي معنى آخر سوى حصار المقاومة الفلسطينية والعمل على استئصالها.
ولأنَّ حكومة نتنياهو تفسّر التهدئة بأنَّها مطلب موجّه إلى الفلسطينيين وحدهم، ولا يخصها بأيِّ شكل من الأشكال، من منطلق أنّ “إسرائيل” “دولة صاحبة سيادة على كامل أرضها التوراتية”، ولها أن تفعل عليها وبها ما يحلو لها، فعلى الأرجح أن تظلّ الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط مفتوحة على كلِّ الاحتمالات، بما في ذلك حدوث الانفجار الكبير.