هل تنازلت الأمم المتحدة عن صلاحيتها للإمبريالية الأميركية؟
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
لا أحد يقلل من قيمة وأهمية التصريحات التي أدلى بها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والتي انتقد فيها واستنكر في بعض الأحيان ما قام به جيش الاحتلال من تدمير وتجويع ومذابح طالت الأطفال والنساء في قطاع غزة بشكل متعمد بهدف إبادة شعب، لكن هذا كله لم يوقف استمرار المذابح حتى هذا الشهر العاشر، ومع هذه النتيجة ما جدوى الأمم المتحدة؟ علما بأن قادة إسرائيل نددوا علناً بالأمين العام غوتيريش ومنظماته والموظفين فيها واتهموهم بالإرهاب، فغداً سيسجل تاريخ هذا العالم أن الأمم المتحدة لم تهدد مجرمي الحرب ومن يدعمهم ويشجعهم حتى ولو بتقديم استقالات جماعية تبدأ من أمين عام الأمم المتحدة وتنتهي بآخر مسؤول عن منظمة «أونروا» التابعة للأمم المتحدة والتي قتلت إسرائيل المئات من موظفيها ودمرت منشآتها التعليمية والإغاثية لمليونين من اللاجئين في غزة، فلماذا لا يتشجع مسؤولون في منظمة الأمم المتحدة بتصعيد احتجاجاتهم بإعلان استقالات كهذه، بعد أن قدمت اثنتا عشرة شخصية دبلوماسية وعسكرية أميركية رفيعة المستوى استقالاتها من مناصبها، وشكلت في الرابع من تموز الجاري رابطة للتنديد بسياسة الدعم الأميركي لإسرائيل وقتلها الأطفال والنساء بالذخائر والأسلحة الأميركية، لقد خسر هؤلاء وظائفهم لكنهم كسبوا راحة ضمائرهم وبعثوا برسالة تاريخية شديدة التأثير على الدبلوماسية الأميركية وفضحوا دورها الإجرامي الواضح، ويتحمّلون مضاعفات هذا الموقف على مستقبلهم المهني والشخصي لأنهم مواطنون أميركيون، في حين أن موظفي الأمم المتحدة لن يكون بمقدور الإدارة الأميركية معاقبتهم لأنهم مبعوثون من دولهم إلى مهامهم في الأمم المتحدة ولن يستطيعوا العودة إلى مهامهم في الدول التابعين لها، فالتاريخ لا يبرر عدم اللجوء إلى إجراء كهذا يقوم به عدد من موظفي الأمم المتحدة على شكل إضراب احتجاجي على إسرائيل ومن يدعمها في الولايات المتحدة وأوروبا، وعند ذلك سيسجل التاريخ لأمين عام الأمم المتحدة وطواقمه أعظم موقف غير مسبوق يجمع عليه موظفون أمميون من جنسيات ودول متعددة للوقوف ضد جرائم الحرب التي تدعمها دولة فرضت على العالم أن يكون فيها مقر الأمم المتحدة بميثاقها وقوانين حماية حقوق الأنسان.
بعد الحرب العالمية الثانية واستخدام الولايات المتحدة لقنبلتين نوويتين لأول مرة في تاريخ البشرية ضد مدينتين يابانيتين، فرضت جميع الإدارات الأميركية على الأمم المتحدة منع التنديد بهذه الجريمة العلنية أمام كل دول العالم وشعوبها، بل لم تقدم حتى هذه اللحظة اعتذارها على إبادة مدينتين وقتل أكثر من 140 ألفاً في مدينة هيروشيما و90 ألفاً في مدينة ناكازاكي من بينهم عشرات الآلاف من الكوريين أيضاً، وهذا السجل الوحشي الأميركي في قتل الأطفال والنساء بسلاح نووي يجعل من السهل على الإدارة الأميركية تشجيع الكيان الإسرائيلي قتل مئات الآلاف من الفلسطينيين وإبادة بلداتهم ومدنهم في قطاع غزة، فكل التقديرات حتى الآن تدل على استشهاد أكثر من أربعين ألفاً من النساء والأطفال وإصابة أكثر من مئة وخمسين ألفاً بجراح، ولا يجد الفلسطينيون مستشفيات للعلاج فيها فيستشهدون بالعشرات يومياً بسبب فقدان العلاج والغذاء والماء، وهو موت أشد قسوة من القنبلة النووية لأنه عذاب بطيء لكل عائلة على مرأى من أطفالها، فهل ستظل الأمم المتحدة تخضع لصمتها مع استمرار هذه المذابح وزيادة عدد ضحاياها بما يوازي ربع مليون فلسطيني بين شهيد وجريح؟ وهو نفس عدد القتلى اليابانيين بالسلاح النووي عام 1945؟
لقد طالب ثلاثة مسؤولين إسرائيليين خلال الأسابيع الماضية وأحدهم وزير في حكومة بنيامين نتنياهو باستخدام القنبلة النووية الإسرائيلية لإبادة أكبر عدد من الفلسطينيين في قطاع غزة، لأن هذا الإجراء الوحشي بموجب ما يقول الوزير الإسرائيلي «سيمنع قتل آلاف الجنود الإسرائيليين وينهي الحرب على القطاع»، وهو السبب والمبرر نفسه الذي استخدمه الرئيس الأميركي هاري ترومان عام 1945 للمحافظة على جنوده من استمرار الحرب مع اليابان وتحقيق انتصاره على الجيش الياباني حين أمر بضرب مدينتين يابانيتين بالسلاح النووي وتحقق له ما أراد، والسؤال المطروح على العالم وعلى الأمم المتحدة: هل ستشجع الإدارة الأميركية تل أبيب على تنفيذ هذا التهديد بعد أن تبين أن المقاومة لا تزال تملك زمام المبادرة في نصب الكمائن ومجابهة جيش الاحتلال وتكبيده خسائر بشرية في حرب طويلة تستنزف فيها قدراته وتهدد مستقبل بقائه؟ وهل تعد الأمم المتحدة نفسها لمنع هذه الجريمة الوحشية قبل وقوعها؟