هل تعلم السلطة الأميركية ماذا تريد؟
صحيفة البناء اللبنانية ـ
د. سلوى الخليل الأمين:
هل تعلم الولايات المتحدة الأميركية عندما ترسم سياساتها الخارجية ماذا تريد؟ خصوصاً عندما تفشل في بعض المواقع التي تخطّط للسيطرة عليها، وأنّه من الممكن أن تصاب بخسائر فادحة تحاسب عليها من قبل الشعب الأميركي وشعوب العالم قاطبة حين تحين فرصة الانتقام؟ وهل المطلوب كلّما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية أن تتخبّط عقول الحكام في دول العالم الثالث في انتظار النتائج، وما ستسفر عنه من تسويات عالمية في المناطق الساخنة؟ ولماذا كلّ هذا الخضوع للسيطرة الأميركية التي فشلت في العراق وأفغانستان وغيرها من الدول، والتي لم تنجح لتاريخه في سورية على الرغم من هذه الحرب الكونية التي شنّت عليها منذ عام ونيّف، حيث أُدخِلت في أتونٍ من النار والدمار، الذي يشتدّ حالياً في معركة مدينة حلب، التي يعتبرونها المعركة الفاصلة، وخطّ الجهاد الأخير من أجل النجاح في تنفيذ مخططاتهم الجهنمية الآيلة إلى إسقاط الدولة السورية، ونظام الحكم بكلّ إداراته المدنية والعسكرية، حيث يشكل سقوط مدينة حلب عاصمة سورية الاقتصادية والمدينة القريبة من الحدود التركية، حسماً للمعركة من جهة تنفيذ أهداف المؤامرة، وأهمّها الدخول في مفاوضات تحدّد الخيارات النهائية لآلية مسار الدولة والحكم، الهادفة في العمق إلى رسم خريطة تفتيت سورية وتقسيمها، ومن بعده لبنان ومن خلفهما المنطقة العربية برّمتها، توصلاً إلى محاصرة إيران وروسيا والصين ومنعها من الوصول إلى منافذ البحار، وأهمها حوض البحر المتوسط الشريان الرئيس الذي يربط أوروبا بالعالم العربي في المشرق والمغرب.
فإيران تعاقَب بعدم شراء نفطها وبسيف الحرب المسلط عليها من «إسرائيل» الخائفة من دخولها في مسار السلاح النووي، وسورية في مهبّ المؤامرة الهوجاء، والعراق يلملم قتلى الانفجارات المتواصلة والتشرذم، والسلطة الفلسطينية لا حول لها بسبب خلافات قياداتها، والسعودية تعاني أزمة الخلافات العائلية والوراثة كما قطر، ومسألة القطيف والتحرّكات النسوية، والبحرين لم تهدأ لتاريخه، واليمن على كفّ عفريت، والسودان غارق في أتون التقسيم وشروره المهلكة، وحكام تونس يعترفون بألا عدواة بينهم وبين «إسرائيل»، ما حدا بهم إلى الموافقة على فتح مكتب «إسرائيلي» في العاصمة، ومصر غارقة حتى أذنيها في مشاكلها الاقتصادية والإثنية والسياسية التي لن تقوى السلطة الحالية على حلّها ما لم تعلن الإذعان المطلق للإدارة الأميركية، حيث تشير كلّ الأمور إلى ذلك، من خلال بقاء معبر رفح مقفلاً، إلى عدم النظر في معاهدة كامب ديفيد، إلى الوقوف ضدّ سورية والمقاومة.
إلى أين سيؤدّي هذا الاستشراس الأميركي المغلف بمبادئ الصهيونية العالمية وبروتوكولاتهم؟ بل إلى أين هذا التغاضي عن مصالح الناس كل الناس أينما كانوا على مساحة الكرة الأرضية؟ وهل الديمقراطية تستدعي هذه الحروب المغلفة بتنازع البقاء المستند على استباحة القتل والتدمير، وتقسيم الدول وتفتيت الشعوب إلى إثنيات مذهبية دينية، بعيدة كلّ البعد عن مضامين الشرائع السماوية الحقيقية والأخلاقية أيضاً، ومنها شعارات العدالة والتنمية والمساواة والحرية والسيادة والديمقراطية التي تعدّ من أهمّ مطالب الشعوب في العالم قاطبة.
ترى هل تخفى هذه الأمور على العقول العربية العالمة المتبحرة في مجريات الأحداث العالمية؟ وهل هو واجب الوجوب الخضوع للطاغوت الكوني المستبد الظالم والديكتاتوري؟ وهل وصل الإذعان وهدر الكرامات إلى أدنى مستوياته، خصوصاً عندما نجد أن رئاسة جامعة الدول العربية قد أصبحت رهينة القوّة العظمى، حيث أصبحت قراراتها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنهجية خطط الفوضى الخلاقة، التي ما زالت تعمل لها السلطة الأميركية، بدليل ما صرّحت به هيلاري كلينتون أخيراً لجهة دعم العصابات في سورية بالمال، بهدف استمرار المعارك حتى إخضاع النظام السوري لمطالبهم المستبدة والظالمة. ترى أَلَم ينتبه أولئك الرؤساء إلى قراءة التاريخ البشع للسياسة الأميركية المترابطة بقوّة مع سياسة الصهيونية العالمية، التي يعدّ من أهم أهدافها القضاء على أمة العرب من محيطها إلى الخليج؟ المؤسف أن بهرج الحكم والصولجان لا تعمي العيون فقط عن التبحر في مضامين الأشياء المهمة، التي قد تصل إلى اتخاذ القرارات بقطع الرؤوس والسحل وتدمير الدول، بل ما يزيد الطين بلة أنّ المساعدات الإنسانية تهيأ فوراً في الوقت المرسوم، وكذلك فرمانات لجان حقوق الإنسان التي تطلق لإمداد العالم بالتصاريح المكتوبة سلفاً والمسطّرة حسب نوايا الحاكم الكوني العظيم.
ثم هل الديمقراطية التي تطالب الولايات المتحدة الأميركية بتعميمها في بعض بلدان العالم العربي تطبق في بلاد العم سام؟ إذا كان الأمر صحيحاً فما معنى ما كتبته «صحيفة لوس أنجلس» في إحدى افتتاحياتها مطالبة الحكومة الأميركية بمحاكمة المعتقلين السياسيين الذين اعتقلوا منذ أحداث الحادي عشر من أيلول التي أدّت إلى تفجير البرجين في مدينة نيويورك، الذين ما زالوا لتاريخه من دون محاكمة وبعضهم وجد ميتاً في زنزانته! هل هذه هي العدالة والديمقراطية؟
ثم إن الولايات المتحدة الأميركية تدعم «إسرائيل» بالسلاح الثقيل والنووي لمحاربة العرب وللعمل باستمرار على إسقاط القضية الفلسطينية من الأذهان، وفي الوقت نفسه تسعى دائماً إلى الالتفاف حول أيّ عملية تواصل أو تضامن قد تحدث في المنطقة العربية ،لأن التقارب العربي والتواصل المستمر والتضامن المفترض عبر اتحاد قويّ يوزّع الثروات والكفاءات البشرية ممنوع بأوامر كونية عليا،خوفاً من محاصرة «إسرائيل» بقوّة عربية ضاربة مؤيدة من إيران. الأمثلة كثيرة مسجّلة في ذاكرتنا الحيّة وفي سِجلّات التاريخ المعاصر، لمن يقرأ ويتّعظ ويستفيد، لكن لا حياة لمن تنادي، لأنّ العصبية القبلية والعشائرية العربية ما زالت هي الطاغية في سلوكيات الحكام العرب، أضف إليها الخوف من فقدان السلطة التي هي المصدر الآمن للمال الوفير، الذي لا ينفع حين يتم اتخاذ القرار بالتنحي أو القتل كما حصل مع صدام حسين والقذافي، أو بالسجن كما حصل مع حسني مبارك وأولاده، أو بالتشرد كما حصل مع الطاغية شاه إيران رضا بهلوي، وغيرهم من القادة الذي ظنوا أنهم في مأمن وإذ هم على قارب من ريش يتم النفخ عليه وبعثرته في اللحظة المناسبة.هذا التاريخ الملوّث بالخيانات والاستزلام والخضوع لا بدّ أن ينتهي بانتصار سورية على المؤامرة، وبالوقوف معها من جانب كلّ المخلصين في معركتها الحاسمة في مدينة حلب، حتى تتعلم الولايات المتحدة الأميركية في النهاية احترام سيادة الدول وإرادة الشعوب في اختيار قادتها الخلّص الأنقياء بكلّ حرّية.