هل تختلف سرقة الأفكار عن سرقة الأعضاء البشرية؟
موقع هنا صوتك (إذاعة هولندا العالمية) ـ
تسنيم فهيد*:
منذ ما يقل عن عام، كتبت قصة ما واحتفظت بها لمجموعتي القصصية الثانية، ثم طويتها وتركتها لحين نشر المجموعة. بعد ما يقرب من شهر، شاهدت مسلسلا تلفزيونيا.. فرأيت مشهدا من القصة مجسدا على الشاشة. كل من رأى المسلسل سيظن أني اقتبست الفكرة منه.
في الموقع الذي أكتب له، لدينا شهريا ما يُسمّى بالـ فكرة العامة/theme ليكتب البعض منا عنها. وبالرغم من إمكانية تناول اثنان منا للموضوع من نفس الزاوية، إلا أني لم أخشَ أن أجد نَصّين متطابقين. فالتطابق يعني الاقتباس أو السرقة. أما استخدام نفس الفكرة والكتابة عنها، فهذا أمرٌ طبيعي ووارد جدًا. فعدد الأفكار القادر العقل البشري على انتاجها محدود. وإن كنا نعيش في دائرة مغلقة، فمن الطبيعي أن تتشابه الأفكار أو تتوارد الخواطر.
فالعنصر الأساسي المكون لجسم الإنسان هو الكربون، فإذا ما احترقت الأفكار المسطورة في الكتب أو حٌرقت الأجساد التي تحملها وطار رمادها في الجو، أو هبط إلى الأرض، فلا بد وأنه سينتقل إلى كائنٍ ما.. ليصل في نهاية السلسلة إلى الإنسان – الفكرة الأساسية لتناسخ الأرواح وحلول الروح في جسد آخر في بعض المعتقدات الدينية والمجتمعات. لذا فإن الأفكار ستنتقل حتى ولو حُرقت، طالما ظل الكربون هو العنصر الأساسي على وجه الأرض.
مؤخرا تعرضت لسرقة حرفية. قص ونسخ حتى أن السارق لم يُراجِع نفسه وكان من الغباء أن نقله حرفيا دون بَلورته ومحو تفاصيل تخصني. الأمر الذي جعلني أثور ثورة عارمة، فالأمر ليس مجرد توراد خواطر أو اقتباس أو حتى نوعا من أنواع الـ recycling لما كتبت. كانت سرقة صريحة. أخذ أحدهم مقالا لي وأرسله لأحد المواقع ليتم نشره باسمه. الأمر الذي جعلني أفكر: مالذي عاد بالنفع على السارق؟ هل نكتبهم لهذه الدرجة فيتوحدون فينا ويأخذون كلامنا على أنهم – أخيرا- قالوه؟ أم أن الأمر أخلاقي وحسب. ولا عوار لديهم يمنعهم من السرقة – أية سرقة- طالما ينتفعون منها.
سرقة الأفكار ونحتها ليس أقل وطأة من سرقة المال أو سرقة شيء مادي، فهي من أبشع أنواع السرقات وأقذرها. ولا تقل بأي حال من الأحوال عن سرقة كُلية من مريض مُخدّر، فكلاهما ملكية شخصية لفردٍ بعينه.
وللأسف فإن قوانين الملكية الفكرية في بلادنا لا تزال غير منتشرة أو فعّالة. ولأن العالم أصبح قرية صغيرة متصلة عبر شبكات الانترنت، فإن تسجيل كل حرف نكتبه للاحتفاظ بحقوق المؤلف، أمر مستحيل. كما أنّ عقوبة انتهاك الملكية الفكرية، ليست مشجعة كي تدفع المؤلفين لتوثيق ما يكتبون. لذا أعتقد أنه من الواجب أن نبدأ بتدريس ثقافة الملكية الفكرية في المدارس ولأطفالنا. ونُدخل ذلك في أمثلة الكبائر التي نُخبرهم عنها: لا تقتل. لا تزني. لا تسرق. لا تكذب. ولا تسطُ على فكرة غيرك.
*مدوّنة وقاصة مصرية. باحث مساعد بمركز البحوث الزراعية بالجيزة.