هل تجوز المقارنة بين «حزب الله» و«داعش»؟ خشان: المقاومة أخلاقية.. الزعبي: الكل داعشيون
صحيفة السفير اللبنانية ـ
عمّار نعمة:
مع تصاعد خطر تنظيم «داعش» دوليا وإقليميا ولبنانيا، تصر جهات سياسية في لبنان، على إجراء مقارنات بين هذا التنظيم و«حزب الله»، فهل ثمة وجه للمقارنة أصلا بين الاثنين؟
يبدو واضحا الاختلاف في المميزات الفكرية والعقائدية وفي البعد الفقهي بين «حزب الله» و«داعش» الذي يكفر شركاءه في الحرب الذين يحتفظون معه بمشتركات فقهية ومذهبية وسياسية!
في الجزء الأول (أمس)، تم تقديم نماذج من وحي أداء «حزب الله» في السنوات الأخيرة لا تجوز معها مقارنة كهذه، وفي هذا الجزء الثاني والأخير، مقاربة للموضوع من وجهة نظر سلفية وأكاديمية وحزبية.
الزعبي: مشروعان على النقيض
ربما يكتسب نفي هذا التقارب والتقاطع بين «داعش» و«حزب الله»، مصداقية أكبر لدى صدوره من إحدى أهم الشخصيات السلفية في لبنان، الشيخ صفوان الزعبي الذي يقول، «ليس في معرض الدفاع عن «حزب الله»، ان التنظيمين على طرفي نقيض بالسياسة وبالعقائد وبالمناهج كما بالاسلوب». ويلفت النظر الى ان أولى أولويات «داعش» تتمثل في مقاتلة «الروافض»، «الذين يجدونهم أخطر على الإسلام من اليهود»، في الوقت الذي يقدم الحزب نفسه شيعياً وجزءاً مهماً من مشروع النهوض بالشيعة في العالم والذي تتزعمه ايران، وقد حقق إنجازات على هذا الصعيد. هما مشروعان على النقيض، واذا كان القصد من المقارنة التشبيه من حيث لجوء التنظيمين الى الإلغاء السياسي، فبرغم كون الحزب يمارس هذا الامر، إلا ان الجميع في لبنان إلغائيون وبهذا المعنى «الكل داعشيون»، ولكن يختلفون في الأسلوب، البعض عبر الذبح والتوحش، والبعض عبر الإلغاء المعنوي، وعلى هذا الصعيد، فإن الفرق يبدو شاسعاً بين «حزب الله» و«داعش». ويلفت الزعبي النظر الى ان وجود «داعش» في لبنان بات «أكثر من جدي، ونحن نشعر به في المساجد وبين الشباب».
وتذهب أوساط سلفية الى اعتبار ما يقوم به «تيار المستقبل» على الساحة السنية عامة، والشمالية خاصة، أنه «داعشي بأسلوب حضاري» وهو يستعمل أساليب أمنية لإخضاع وتركيع المختلفين معه، مستحضراً الاساليب المخابراتية التي تعلمها من النظام السوري البعثي عندما كان لا يزال في لبنان، كما من غيره من التنظيمات التي حكمت الساحة. وتشير الى ان «المستقبل» قد تلقى ضربة موجعة من «حزب الله» في السابق، وهو لذلك يستقوي على شريكه في الطائفة.
ويتقاطع هذا التحليل مع ما ذهب اليه قيادي في «حزب الله»، عبر الاشارة الى ان «المستقبل» يستخدم «داعش» وغيرها من التكفيريين ومن تيارات سلفية، بوجه خصومه في السياسة، وتضيف الاوساط السلفية «انهم يكبّرون حجم الإسلاميين منذ أحداث أيار العام 2008، للمفاوضة عليهم، والحقيقة أن من استخدم «داعش» هو أقرب الى التعامل معها».
وتلفت الأوساط السلفية النظر إلى أن «المستقبل»، ووراءه السعودية، قد استفاد من هذا الاستخدام لـ«داعش» إلى أبعد الحدود، سواء في العراق حيث تم إبعاد رئيس الوزراء نوري المالكي، أو في لبنان مع عودة زعيم «المستقبل» سعد الحريري الى لبنان ليصوّر وكأنه الداعم الأساس للجيش اللبناني بمواجهة «داعش».
ويشير هؤلاء الى ان هذه السياسة لن تكون لها جدوى على المدى الطويل لأن السحر سينقلب على الساحر وستكون السعودية ضحية لـ«داعش» كما حليفها في لبنان، وهذه النقطة لطالما حذر منها النائب وليد جنبلاط منذ العام 2005 حتى الآن.
ويقول قيادي سلفي ان أحد أهداف «داعش» هو تحرير السعودية حيث تحتفظ ببعض التأييد من قبل بعض التيارات، كما ان الخطر على السعودية بات قائما مع تطويق التيارات التكفيرية لها من كل صوب، والسعودية بذلك، تعيد لعب الاوراق الخطيرة التي لعبتها عندما دعمت التيارات الجهادية في أفغانستان قبل أن تعود تلك التيارات الى تهديدها داخل أراضيها. أما في لبنان فحدّث ولا حرج، ذلك ان الجماعات السلفية تلك قد تجد أرضية خصبة في لبنان تضرب عبرها «المستقبل». من هنا، فإن هذا الطفل سيكبر يوماً بعد الآخر ليشكل وحشاً في أحشاء الراعي له.
خشان: الفدرالية مقبلة
يشارك الأستاذ في الجامعة الأميركية الدكتور هلال خشان، في هذه القراءة، مشددا على ان لا وجه للمقارنة بين «داعش» و«حزب الله». اذ بينما يحتفظ كل من التنظيمين بعقيدة دينية، فإن «داعش» انطلق من مشهد متوحش ودموي أفقده مشروعيته، بينما اكتسب «حزب الله» مشروعيته عبر عمله المقاوم وكان ظهوره من هذا الباب، وقد نضج سياسيا مع السنوات، بعدما علم ان لا حاضنة سياسية للتشدد في بيئته. وقد راعى الحزب الحساسيات الطائفية، حتى انه لم يقتص من العملاء بعد تحرير الجنوب العام 2000. وفي كل الاحوال فإن «حزب الله» لم يبلغ في بداياته هذا المبلغ من العنف، بل اتبع سياسة أخلاقية حتى أثناء قتال العملاء. كما ان الحزب دخل اللعبة السياسية، وأعرب عن استعداده للتفاوض والحوار بالأمور السياسية كافة، باستثناء المقاومة. في المقابل، فإن «داعش»، حسب خشان، محكوم بالفناء كونه يشكل «حركة متطرفة غير عقلانية لا يمكن ان تستمر حتى ضمن بيئتها السنية».
ويشير خشان الى ان مشروع «داعش» سيستمر في المنطقة حتى يصل الى أوجه ليؤسس لمشروع فدرالية في العراق وسوريا. ويشرح: ما يحصل في المنطقة، على قباحته، له ايجابياته، اذ ان السلطة المركزية والقمع فشلا، ولم نحدد حتى الآن مكان الدين في السياسة، وبينما وصل الغرب الى العقلانية بعد حروب كثيرة، فإننا كشعوب لم نخض حتى اليوم تلك الحروب وقد اتضح ان الشعوب العربية غير ناضجة للتغيير، وقد تكون الفدرالية، كنتاج تاريخي لعلاقات سكانية عبر التاريخ لها علاقة بنمط الانتاج، الحل اليوم، ولكن، طبعا، فإن الشعوب هي التي ستقرر ذلك من عدمه.
ولكن من يقف وراء «داعش»؟
يشير الزعبي الى ان التنظيم يعتمد على نفسه اليوم عبر الخوات والضرائب والجزية، والاهم انه بات يسيطر على مقدرات مالية كبيرة، بينما اعتمد في الفترة الماضية على تمويل سعودي رسمي وخاص. وبالنسبة الى تركيا، فإنها غضت الطرف عنه وشكلت عامل «تفويج» لتحصل على امتيازات سياسية في العراق اليوم، علما ان رئيس مجلس النواب العراقي يعد مقربا منها. كما ان هذا الامر قد حصل نتيجة غض طرف من قبل الولايات المتحدة وايران، في اشارة تحذير الى السعودية، استوعبتها الرياض في ما بعد، لتعلن معاداتها للتنظيم.
أما خشان، فيرى ان ثمة خطوطاً للاتصال بين «داعش» وقطر وتركيا التي تملك مصلحة بالفدرالية في العراق من دون ان تخشى التقسيم في أراضيها، ذلك ان القومية التركية لا تزال بالغة الاهمية بالنسبة الى الشعب التركي، كما ان السلطات التركية أقرت بحقوق كثيرة للأكراد لديها نتيجة التغير في النظام السياسي لديها. وهنا، يجدر التفريق بين الرغبة التركية في الفدرالية في العراق، وخطر تقسيم العراق، على دول المنطقة كافة.