هل تتجه الأجواء في لبنان إلى المسار الصحيح؟
رغم اهتزاز التأليف أمس لكنه لم يقع، فالبيانات والتغريدات التي صدرت، لا تطمئن الى أن الأجواء في البلاد متجهة الى المسار الصحيح، وأن عملية التأليف ستكون في الايام والاسابيع المقبلة، خصوصاً وان جميع التفاهمات والتسويات التي أوصلت الرئيس ميشال عون الى سدّة الرئاسة تمّ نعيها من “تفاهم معراب” على لسان وزير الخارجية جبران باسيل، أو التفاهم مع تيار المستقبل من خلال البيان الرئاسي، السابقة، على حدّ ما وصفته صحيفة “النهار”، في حين اعتبرته مصادر مطلعة لـ”اللواء” سقف الموقف الرئاسي من موضوع أحقية حصة رئيس الجمهورية في نيابة رئاسة الحكومة والوزراء، ولفتت إلى ان بعبدا خرجت أمس عن صمتها بعد الاجتهادات والتحليلات وقالت ما يجب قوله في الطائف والاحجام في الحكومة.
الاّ أن مصادر كتلة “المستقبل” وضعت البيان الصادر عن قصر بعبدا أمس في إطار محاولات الرئاسة الأولى فتح كوة في جدار التأزم وتحريك المياه الراكدة في مياه التأليف، وقالت لـ”المستقبل”: “رئاسة الجمهورية معنيّة بولادة الحكومة أكثر من أي طرف سياسي في البلاد وهي بذلك شريك موضوعي ودستوري للرئيس المكلف في عملية تأمين الظروف الصحية لهذه الولادة”، لافتةً الانتباه إلى أن بيان بعبدا بخلاف ما يعتقد البعض “لا يقفل الباب على الحلول بل يمكن أن يفتح الباب لها وهو ما يجب استكماله في اللقاء المُرتقب هذا الأسبوع بين الرئيسين عون والحريري”، مع الإشارة في الوقت عينه إلى أنّ البيان الرئاسي يركز في شقه الدستوري على صلاحيات رئيس الجمهورية في ما يتعلق بتشكيل الحكومة وفق دستور الطائف، ومن جهة موازية جاء ليرد على “مواقف وتحليلات وتوقعات بالغت في تحميل رئاسة الجمهورية توجهات غير معنية بها” في إطار عملية التأليف.
ووفقاً لدوائر سياسية على اطلاع على موقف بعبدا فانها أشارت لصحيفة “اللواء” ان ما حدده بيان المكتب الإعلامي يقطع مع مرحلة مضت، ويفتح الباب امام مرحلة أتت، سواء في ما يتعلق بتأليف الحكومة أو العلاقات السياسية بين الأطراف.
توافرت معلومات لـ”النهار” عن ان اللقاء الاخير للرئيسين عون والحريري الجمعة الماضي لم يمر على ما يرام وان الحريري سمع كلاماً لا يطمئنه من حيث ان وقت التكليف ليس مفتوحاً أمامه. ونصحه رئيس الجمهورية بعدم اللجوء الى هذه اللعبة لأن سلاحها قد يرتد على صاحبها وان تعطيل التأليف لن يقبله العهد. ولم يكتف عون بذلك بل لمح للحريري في حال عدم الاسراع في التأليف، الى ان البديل جاهز عبر الوزيرين السابقين محمد الصفدي أو عدنان القصار، وما تبعه أمس من تغريدة للنائب جميل السيّد لا يوحي بأن الأمور ذاهبة الى خواتيم سعيدة، ما لم يطرأ أي عامل مفاجئ على خط التأليف.
و قالت مصادر مواكبة لها لـ”الجمهورية”: “ما حصل ليس نهاية العالم وارتفاع السقوف في التخاطب والبيانات ليس سوى وَضع للنقاط على الحروف قبل البدء فعلياً بالمخاض الأخير لولادة الحكومة، على وقع ما أكدته مصادر مطلعة على مشاورات التشكيل لـ”المستقبل” حول استمرار الرئيس الحريري في اتصالاته “من أجل تبريد الأجواء والتهدئة وتعبيد الطريق أمام خلق الظروف التوافقية المؤاتية لولادة الحكومة”.
وأكدت مصادر متابعة لصحيفة “الجمهورية” أن “التأليف اليوم مجمّد، وسيبقى المشهد الحكومي على ما هو عليه في انتظار تقديم الاطراف تنازلات معينة أو التقدّم بقراءة جديدة ليُصار الى التمكّن من تأليف الحكومة، معتبرة أن كلّ من يراهن على تدخلات خارجية او على تَبدّل مواقف سياسية او على إمكانية قلب الطاولة هو مخطىء، كذلك يخطىء كل من يلوّح بإعادة التكليف وكل من يراهن على تجاوز الانتخابات او على إحراج فريق لإخراجه، او من يراهن على انّ هناك إمكانية لتأليف الحكومة خلافاً لأحجام أطراف معينة. وبالتالي هذه قواعد اساسية اذا تم الالتزام بها نستطيع القول اننا سندخل في مدار التأليف. أمّا خلاف ذلك فمعناه انّ الحكومة مكانك راوح”.
وفي تقدير مصادر سياسية لـ”اللواء”، انه في غياب أية مؤشرات تنبئ باحتمال ولادة الحكومة قريباً، فإن أقصى ما يمكن توقعه هو تبريد الساحة السياسية التي ألهبتها السجالات في اليومين الماضيين، من أجل استئناف الحوار بين الرئيس المكلف سعد الحريري وباقي الأطراف، بحثاً عن “خلطة سحرية” يمكن ان توفق بين السقوف المتباينة للفرقاء السياسيين، التي تجاوزت مرتبة المطالبة بحصص وزارية غير مقبولة، إلى تجاذبات رئاسية حول صلاحيات التأليف بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، يمكن ان تضع مسار التأليف في مهب التأجيل لفترة طويلة.
كما قال مطّلعون لـ”الجمهورية”: “انّ الحكومة العتيدة باتت أمام مسارين: إمّا لا تأليف وإمّا تأليف، ولكن على قاعدة تدوير الزوايا للوصول الى مساحة مشتركة، إذ لا يمكن أيّ طرف ان يبقى متمسّكاً بوجهة نظره من دون ان يتنازل او ان يدَوّر الزوايا وصولاً الى هذه المساحة المشتركة. وبالتالي المطلوب، وفق المصادر، مبادرة معينة او خطوة معينة. فالتأليف متوقّف، وتحريكه مجدداً يتطلّب مبادرة وإلّا سيبقى الوضع مجمّداً ولا مصلحة لأحد في بقاء هذا الجمود، بل المطلوب بعض الليونة السياسية وإلّا لن تؤلّف الحكومة، بل ستبقى الأمور على ما هي عليه”.
وترى مصادر قريبة من القصر الجمهوري ان المشكلة بين الرئيسين عون والحريري، تعود الى إصرار الأخير على تبني مطالب القوات اللبنانية “التي تمدّ يدها إلى صلاحيات رئيس الجمهورية وموقعه”، وبالتالي فان إصرار القوات على الحصول على منصب نائب رئيس الحكومة، يمسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية، وبالأعراف التي أُرسيت بعد اتفاق الطائف، مضيفة: “أما إذا كان رئيس الحكومة متمسّكاً بمنح القوات أو أي كتلة أخرى حصة أكبر من حجمها، فلا مانع لدينا، شرط أن يكون ذلك من حصته، لا من حصة رئيس الجمهورية أو باقي الكتل”.
وأكدت مصادر سياسية رفيعة المستوى أن عون والتيار الوطني الحر لن يقبلا بمنح القوات ما يمكّنها من إفشال العهد، لافتة إلى أن قناعة المعنيين بالتشاور مع الحريري بتأليف الحكومة باتت شبه محسومة لجهة أن التعقيدات خارجية لا داخلية.
كما أبدت مصادر متابعة لملف تأليف الحكومة قريبة من “بيت الوسط” استياءها من مواقف رئيس “التيار الوطني الحر” ووصفتها بأنها “متعنتة” في موضوع التأليف الحكومي مشيرة الى ان الحكومات لا تشكل بهذه الطريقة، واعتبرت المصادر ان ما يقوم به الرئيس المكلف من اجل تشكيل حكومة متجانسة بشكل متروي امر ايجابي، خصوصا انه يمارس دوره الطبيعي.
وقالت المصادر انه ورغم التعقيدات التي يواجهها الرئيس الحريري في موضوع التشكيل فأنه يتصرف باعتبار ان المبادرة بيده، ولفتت الى ان الرئيس المكلف لن يقدم على أي خطوة لا تنسجم مع قناعته من حيث التوازن في تمثيل الكتل السياسية حتى ولو استغرقت المفاوضات وقتاً اضافياً.
و قال مصدر وزاري أمس لـ”النهار” إن رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل وقع في التناقض عندما شدد بعد اجتماع ” تكتل لبنان القوي” على “ان واجباتنا باعتبارنا كتلة رئيس الجمهورية، ان ندافع عن صلاحياته، ولن نسمح بالمس بها ولا بأن يفتح سجال في هذا الأمر”، اذ ان وجود كتلة للرئيس ممثلة في الحكومة لا تستوجب وزراء اضافيين له.
وعلى رغم التصعيد العوني، لوحظ انّ “القوات” آثرت الصمت بعد الهدنة التي أعلنها رئيسها الدكتور سمير جعجع من “بيت الوسط” مساء أمس الاول. وأدرجت مصادرها لـ”الجمهورية” مبادرتها هذه نتيجة حوار جعجع مع الرئيس المكلّف، ورغبته في مساعدته على توفير المناخات المؤاتية لتأليف الحكومة، “إذ انّ التشنّج يؤدي الى مزيد من عرقلة التأليف، بينما إدارته للمفاوضات في ظل ظروف سياسية مؤاتية تساهم في دفع مسار التأليف قدماً”.
وأشارت مصادر متابعة لـ”الجمهورية ” أن كل القوى السياسية أدركت خلال الساعات الماضية انه لم تعد هناك تفاهمات ولا اتفاقات تحكم عملية التأليف وخصوصاً “تفاهم معراب”، الذي ولّى الى غير رجعة”.
وتوقعت المصادر “ألّا يذهب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بعيداً في ردّة فعله على إعلان سقوط “تفاهم معراب”، فليس لديه خيارات أخرى، كذلك ليست لديه نقاط قوة يواجه بها العهد. وبالتالي، فإنه في النهاية سيقبل العرض المقَدّم له ليبقى موجوداً في ساحة الحكم”. وقالت: “بعدما أدلى كل طرف بدلوه، سيدخل الجميع في استراحة المحارب ولعلّ سفر رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الخارج يعطي فرصة لالتقاط الانفاس، ويراجع كل طرف حساباته في هدوء ويعاود ترتيب أوراقه. أمّا ولادة الحكومة فلن يطاولها سوى تأخير لبضعة ايام، من اسبوع الى 10 ايام يتمّ خلالها التفاوض مع كل طرف بحسب حجمه الطبيعي”.