هل تتأخر ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة؟
صحيفة الجمهورية اللبنانية:
بدأ منسوب التوقّعات بتأخّرِ ولادةِ الحكومة اللبنانية إلى أمدٍ طويل يرتفع ويُحدث قلقاً في أوساط العهد ومخاوفَ مِن إنعكاس هذا التأخير سلباً عليه في حاضره والمستقبل، خصوصاً إذا صحّت هذه المخاوف وتأخّر التأليف الحكومي بضعة أشهر أو أكثر، كما حصَل مع حكومة الرئيس تمام سلام.
ولكنْ تلافياً لذلك بَرز اتّجاه لدى المعنيين بالتأليف لإلزام أنفسِهم بمدّة زمنية محدّدة وغير طويلة، حتى إذا انقضَت ولم تولد الحكومة يُصار إلى استشارات نيابية لإعادة تكليف جديدة من شأنها تعجيل التأليف، وفي غضون ذلك، بدأ المجلس الدستوري استعداداته العملية لتلقّي مجموعة من الطعون في الانتخابات النيابية مع اقتراب انتهاءِ مهلة الشهر المحدَّدة لهذا الغرض، وكان اللافت في هذا الصَدد استقبالُ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس لرئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان.
في انتظار عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من السعودية، والمواقف التي سيعلِنها في خطابه المرتقَب خلال إفطار «بيال» بعد غد الأحد، تعيش البلاد سباقاً محموماً بين مساعي التأليف وبين تداعيات الأحداث الخارجية، وسط أجواء بدأت توحي بأنّ الولادة الحكومية ستكون صعبة، في ضوء رفعِ جميع الأفرقاء السياسيين سقوفَ مطالبهم من جهة، واستمرار الجدل حول حصول رئيسَي الجمهورية والحكومة على حصة وزارية، والشهيّة المفتوحة على الاستيزار من جهة ثانية.
ميقاتي
وفي هذه الأثناء ذكّر رئيس كتلة «الوسط المستقل» نجيب ميقاتي الجميعَ «بضرورة التقيّد بحرفية الدستور وروحيتِه»، داعياً عبر «الجمهورية» إلى عدم خلقِ أعراف جديدة، لأنّ ذلك سيدخِل البلد في دوّامة لا تُحمد عقباها».
وقالت مصادر كتلة «الوسط المستقل» لـ«الجمهورية»: «على الجميع تسهيلُ عملِ الرئيس المكلف وعدمُ خلقِ أعراف جديدة تشكّل تجاوزاً للدستور، فتأليفُ الحكومة منوط أساساً بالرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية. أمّا إدخال أعراف جديدة خارج نصّ الدستور فسيؤدّي إلى مطالبات مضادة، خصوصاً بعد موقف الرئيس نبيه بري، ما يدلّ إلى أن لا إجماع على هذه المطالبة». وأكدت «أنّ تجاوُز الدستور مرفوض وكذلك محاولة التذاكي».
وقالت: «في النهاية الجميع مُجمِع على دور رئيس الجمهورية، وكلُّ الوزراء سيكونون من حصته، ومحاولة إدخال المركز الذي يمثّله في بازار الحصص غيرُ مستحَبّ ولا يستطيع نوّاب «التيار الوطني الحر» تجاوُز موقف الرئيس عون الذي أعلنَه أكثر من مرّة عندما كان نائباً ورفضَ إعطاء رئيس الجمهورية حصّةً وزارية، فما الذي تبدَّلَ اليوم لكي يتحوّلَ الرفض قبولاً؟».
مراد
مِن جهته، رأى النائب عبد الرحيم مراد «أنّ المطالبة بحصص للرئاستين الأولى والثالثة ستؤثّر حتماً على مسار التأليف». وقال لـ«الجمهورية: «في المبدأ، لا يجب أن تكون هناك حصص وزارية للرؤساء، ولم يَلحظ الدستور ولا «اتفاق الطائف» هذا الأمر، صحيح أنه حصَل في السابق مع أكثر من رئيس لكنّ الجميع يدرك كيف كان التعاطي السوري حينَها في تأليف الحكومات، إلّا أنّ ذلك يجب أن لا يشكّل قاعدة، وأعتقد أنّ الإصرار على ذلك وعدم التوافق حوله سيؤخّرالتأليف».
وعن طبيعة الحكومة العتيدة، قال مراد: «حسب التمثيل، إذا أرادوا التمثيل وفق نتائج الانتخابات فمِن حقّنا كمجموعة سنّية أن نتمثّل بوزيرين فلدينا ثلثُ الأصوات السنّية ولا أعرف إلى أيّ مدى سيلتزمون بذلك. أمّا إذا لم يفعلوا فلكلّ حادثٍ حديث».
الخازن
وقال عضو «التكتل الوطني» النائب فريد هيكل الخازن لـ«الجمهورية»: «الدستور لم ينصّ على أيّ أحكام تتحدّث عن حصّة وزارية لرئيس الجمهورية أو لرئيس الحكومة، وتشكيل الحكومات يخضع لظروفها الوطنية، وهذا ما سبق للرئيس عون أن شدّد عليه وكرّره في أكثر من مناسبة».
وأضاف: «عادةً ما تراعي الحكومات المؤلّفة عقب الانتخابات، نتائجَ هذه الانتخابات لكي يكون التمثيل معبّراً عن التوازن النيابي، ولا مانعَ من تسمية وزراء مباشرين من جانب رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة حين لا يتمتّعان بأيّ تمثيل نيابي، وهي حالة قد تحصل. لكن أن يكون لهما تمثيل نيابي وازنٌ كما هو راهناً، فلا ضرورةَ حينها لتمثيلٍ إضافيّ في الحكومة من شأنه ضربُ معادلةِ التوازن النيابي الذي يؤخَذ به لتشكيل الحكومة، ما قد يؤدّي إلى عرقلة التأليف».
«الكتائب»
واستغرَب مصدر كتائبي مسؤول «أن تركّز النقاشات والسجالات في ظلّ كلّ ما يعانيه لبنان من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، على المحاصصات والأحجام وتوزيعِ المناصب والحقائب، بدلاً من التركيز على برنامج الحكومة وتصوّرِها للحلول».
وقال لـ«الجمهورية»: «المطلوب من الرئيس المكلف أن يعلن عن تصوّرِه للأولويات التي ستواجهها الحكومة ورؤيتِه لِما هو مطلوب منها، بحيث يمكن لكلّ فريق سياسي أن يحدّد مدى انسجامِه مع هذه الرؤية والأولويات، وبالتالي ما إذا كان سيشارك في الحكومة أم لا. هذا هو المعيار الصحيح المعتمد في دول العالم لتأليف الحكومات، وهذا هو الأساس بالنسبة إلى حزب الكتائب لتحديد خياراته للمرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ لبنان اليوم على شفير الهاوية الاقتصادية».
توتّر بين «القوات» وباسيل
وفي موازاة التعقيدات التي تواجه التأليف استمرّ التوتر بين حزب «القوات اللبنانية» ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل. وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»: «فوجئنا باستمرار الحملة الباسيلية علينا من خلال سفير لبنان في واشنطن الذي يَستخدم موقعَه للهجوم علينا.
واضحٌ أنّ الوزير باسيل الذي بدأ هجومه عشية الانتخابات مستمرٌّ في هجومه، وكلُّ هدفِه مصادرة نتائج الانتخابات ومحاولة إلغاء كلّ خصومِه، والانقلاب على «تفاهمِ معراب» وعلى كلّ التسويات، وعلى مبدأ الشراكة، ومحاولة الهيمنة السياسية والاستئثار بكلّ المواقع. لا شكّ في أنّ الرئيس عون رفضَ هذه الممارسات ولا يوجد أيّ مكوّن يمكن أن يوافق على هذا النهج الباسيلي الذي يَخترع المواجهات، سواء من خلال المواجهة مع الرئيس بري على خلفية بلطجية، أو مع النائب وليد جنبلاط درزيّاً من خلال تشكيل كتلة من عَدَم، أو من خلال المواجهة مع الطائفة السنّية عبر الذهاب نحو أعراف جديدة، أو المواجهة داخل بيئة مسيحية من أجل الاستئثار بالواقع السياسي. سترتدّ هذه الهجمة على أصحابها، و»القوات» ستبقى متمسّكة بالمصالحة وبأجواء التهدئة السياسية، لكنّ باسيل لا يترك أيّ مساحة للحوار والتوافق والصلح، وهذا مؤسف، لكنّنا لن نقبل كلَّ ما يصدر عن الخط الباسيلي من تضليل وكذِب وافتراء».
وكانت مقدّمة نشرةِ أخبار قناة «او تي في» قد شنّت حملة على «القوات» من دون أن تسمّيَها، وتحدّثت عن «أحجام بعضِ القوى التي صحَّح القانونُ النسبي تمثيلَها، فتوهَّمت أنّ ما حقّقته انتخابياً يوازي فتحَ الأندلسِ من جديد». وقالت إنّ حصّة رئيس الجمهورية «ابتدعوها سابقاً خدمةً لمصالحِهم، وباتت اليوم عبئاً عليهم، بعدما بات الرئيس رئيساً، وليس مجرّدَ صورة يَجدُر أن نصْطَنع لها كتلةً وهمية حفظاً لماء الوجه».
وتحدّثت عن «ضربة حظٍ من قلب الولايات المتحدة، وهذه المرّة تحريضاً على الجيش وتسليحِه. فالرئاسة والجيش القويّان اللذان لم يُناسبا الميليشيات العسكرية في الحرب، لا يناسبان الميليشيات المدنية التي تفتُك بالدولة في السِلم».