هل تؤدي السعودية دوراً في التقارب بين الصين ودول جزر المحيط الهادئ؟
موقع قناة الميادين-
تمارا برو:
يتمثّل التحدي الأبرز لدول جزر المحيط الهادئ بجني المكاسب الاقتصادية والتنموية من الاتفاقيات الموقعة مع كل من واشنطن وبكين من دون الوقوف إلى جانب أي منهما.
بعد ثلاثة عشر عاماً من انعقاد أول اجتماع لوزراء الخارجية العرب مع نظرائهم من دول جزر الباسفيك، بادرت السعودية إلى استضافة الاجتماع الثاني في 11 و12 حزيران/يونيو المقبل. وكان الاجتماع الأول عُقد في أبو ظبي عام 2010 تحت عنوان “آفاق التعاون بين العالم العربي وجزر الباسفيك”، واتفق فيه المجتمعون على تعزيز التعاون بين الجانب العربي وجزر الباسفيك في كل المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية والبيئية.
اتَّبعت السعودية، خلال الفترة الأخيرة، سياسة خارجية جديدة، بحيث باتت تسعى لفرض نفسها أكثر فأكثر على المسرح العالمي، وتؤدي دوراً مهماً في الشؤون الاقليمية والدولية. ولعل أهم ما قامت به خلال الفترة الأخيرة هو استئناف علاقاتها بإيران، عبر وساطة صينية.
تتمتع بكين والرياض بعلاقات متينة، تعززت خلال الأعوام الأخيرة، إذ تُعَدّ السعودية أكبر موردي النفط إلى الصين خلال عام 2022، والصين أكبر شريك تجاري للسعودية. وتطورت العلاقات بين البلدين بعد توتر العلاقات بين الرياض وواشنطن، وبعد الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية أواخر العام الماضي، بحيث جرى التوقيع على عدد من الاتفاقيات في مختلف المجالات.
من المحتمل أن تسعى السعودية عند استضافتها اجتماع وزراء الخارجية العرب مع نظرائهم من دول جزر الباسفيك، ونتيجة علاقاتها القوية ببكين، والدور الذي أدّته الأخيرة في اتمام المصالحة السعودية الإيرانية، لمحاولة إقناع جزر الباسفيك بالتقرب إلى الصين، وتوقيع خطة العمل للتنمية المشتركة التي عرضها وزير الخارجية الصيني السابق وانغ يي عندما زار المنطقة العام الماضي، لكنها لم تلقَ تجاوباً من دول جزر المحيط.
دول جزر الباسفيك بين الصين والولايات المتحدة الأميركية
يتزايد الصراع على النفوذ بين الصين والولايات المتحدة الأميركية حول العالم، فمن أميركا اللاتينية إلى أفريقيا وآسيا الوسطى وبحر الصين الجنوبي، وأخيراً وليس آخراً جزر المحيط الهادئ، المنطقة التي كانت منسية أعواماً طويلة، إلى أن بدأت الصين توسع حضورها فيها، الأمر الذي أثار قلق الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا، اللتين عملتا على توطيد علاقاتهما بدول المنطقة، من أجل قطع الطريق أمام التمدد الصيني.
تقيم الصين علاقات دبلوماسية بعَشر من دول جزر المحيط الهادئ، بينما لا تزال أربع دول في المنطقة تعترف بتايوان، وهي جزر المارشال، ناورو، بالاو، توفالو. وتمكنت بكين في عام 2019 من إقناع جزر سليمان وكيريباتي من تحويل اعترافهما بتايوان إلى الصين.
عملت الصين، خلال الأعوام الأخيرة، على تعزيز حضورها في منطقة الباسفيك من خلال مضاعفة جهودها الاقتصادية والسياسية والأمنية. ولدول المنطقة أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الصين، التي تسعى لزيادة حضورها فيها من أجل ضمان عدم ممارسة الولايات المتحدة الأميركية نفوذها من دون منازع. ومن الناحية الاقتصادية، تسعى بكين للوصول إلى مصائد الأسماك والموارد البحرية الأخرى في المنطقة، بالإضافة إلى ضمان طرق التجارة والشحن. وأيضاً، توفر المنطقة نفوذاً دبلوماسياً للصين، إذ تساعد العلاقات القوية بدول جزر المحيط الهادئ بكين على زيادة عزلة تايوان، والحصول على أصوات التأييد لها في الأمم المتحدة، وتعزيز مبادرة الحزام والطريق.
وبهدف توسيع حضورها أكثر في منطقة الباسفيك، زار وزير الخارجية الصيني السابق وانغ يي المنطقة أواخر أيار/مايو 2022، وعقد في فيجي اجتماعاً افتراضياً مع وزراء خارجية دول المحيط الهادئ. وحاول وانغ خلال زيارته إقناع نظرائه بالتوقيع على اتفاق متعدد الأطراف، يتضمّن قضايا سياسية واقتصادية وأمنية، لكنه لم يتمكن من التوصل إلى توافق في الآراء. إلّا أن رحلته إلى المنطقة نجحت في تعزيز العلاقات الثنائية بين الصين ودول جزر المحيط، بحيث تم التوقيع على أكثر من 50 اتفاقية. وكان وانغ يشدد دائماً، خلال زيارته، على التزام الصين منطقةَ جزر المحيط الهادئ. وفي خطابه
في اجتماع وزراء خارجية الصين ودول جزر المحيط الهادئ، أكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أن الصين ستكون دائماً صديقاً جيداً وشريكاً لدول جزر المحيط الهادئ، على الرغم من التغيرات في المشهد الدولي.
وما يعكس اهتمام الصين بالمنطقة هو أن بكين قامت أيضاً، خلال شهر فبراير/شباط الماضي، بتعيين مبعوث خاص لشؤون دول جزر المحيط الهادئ، هو “تشيان بو”، الذي كان يشغل منصب سفير الصين في فيجي، كما افتتح خلال الأشهر الأخيرة مركز الصين ودول جزر المحيط الهادئ للتعاون والحد من مخاطر الكوارث، ومركز التعاون الزراعي بين الصين ودول جزر المحيط، ومركز عرض التكنولوجيا Juncao للصين ودول جزر المحيط الهادئ في فيجي، من أجل تعزيز التنمية الإقليمية للتكنولوجيا.
أثارت منطقة الباسفيك اهتمام الولايات المتحدة الأميركية عندما وقّعت جزر سليمان اتفاقاً أمنياً مع الصين في العام الماضي، الأمر الذي أثار قلق واشنطن من إمكان بناء بكين أول قاعدة عسكرية لها في المنطقة. وترى واشنطن أنه إذا تمكنت بكين من بناء قواعد عسكرية لها هناك، فإنها ستستهدف السفن والطائرات الأميركية العسكرية والتجارية التي تمر في المنطقة، مع أن ماناسيه سوغافاره، رئيس وزراء جزر سليمان، أكد أن الصين لن تنشئ قاعدة عسكرية في أراضي بلاده.
ومن أجل الحدّ من تنامي النفوذ الصيني في المنطقة، استضافت الولايات المتحدة الأميركية قمة لقادة المحيط الهادئ، في أيلول/ سبتمبر الماضي، بمشاركة جزر سليمان التي وقعت الاتفاق الأمني مع الصين. وجاءت المشاركة بضغط من الولايات المتحدة الأميركية. وصدرت عن القمة أول وثيقة استراتيجية للشراكة الأميركية مع دول جزر المحيط الهادئ، إذ تعهدت واشنطن تقديم ما يناهز 810 ملايين دولار في برامج موسعة لمساعدة جزر المحيط الهادئ في البنية التحتية والتعليم والمناخ. كما قام المسؤولون الأميركيون بجولات في المنطقة، بمن فيهم كورت كامبيل، منسق شؤون منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مجلس الأمن القومي الأميركي. ومن المتوقع أن يزور الرئيس الأميركي جو بايدن المنطقة في وقت لاحق من هذا الشهر، بحسب ما أعلن البيت الأبيض. بالإضافة إلى ذلك، افتتحت الولايات المتحدة الأميركية سفارة لها في تونغا، وكانت أعادت فتح سفارتها في جزر سليمان في شباط/ فبراير الماضي بعد 30 عاماً على إغلاقها، وتعتزم فتح سفارة لها في دولة فانواتو. كما وقعت مع جزر مارشال، خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي مذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة بين البلدين. ومن ناحية أخرى، يخطط الجيش الأميركي من أجل نَصب أنظمة رادارات في جزر بالاو بحلول عام 2026، الأمر الذي يعزز قدرات واشنطن على مراقبة غربي المحيط الهادئ.
يتمثّل التحدي الأبرز لدول جزر المحيط الهادئ بجني المكاسب الاقتصادية والتنموية من الاتفاقيات الموقعة مع كل من واشنطن وبكين من دون الوقوف إلى جانب أي منهما. فدول المنطقة لا تهتم بالصراع بين القوتين العُظمَيين، بل ما يقلقها هو التغير المناخي الذي يهدد وجودها. وفي هذا الإطار، غرّد رئيس فيجي فرانك باينيماراما في “تويتر” قائلاً إن “المحيط الهادئ يحتاج إلى شركاء حقيقيين لا إلى قوى عظمى تركز على السلطة”.
في المحصّلة، إذا سعت الرياض للتقارب بين الصين ودول جزر المحيط الهادئ، فإن ذلك من شأنه أن يعزز أكثر العلاقات بين بكين والرياض. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يشكل ضربة لواشنطن التي تسعى جاهدة لتعزيز حضورها في منطقة الباسفيك، ولتايوان، إذ إن الصين ستسعى جاهدة، بعد توسع نفوذها في المنطقة، لإقناع دول جزر المحيط، التي تعترف بتايوان، بقطع علاقاتها الدبلوماسية بها، والاعتراف بالصين، فتصبح تايبيه أكثر عزلة، وهو ما تريده بكين من أجل إعادة تايوان إلى البر الصيني الرئيس.