هل انتهى التصعيد بين إسرائيل وحزب الله؟
يمكن التقدير، بحذر، أن جولة التصعيد الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله قد انتهت. مرد التقدير مصلحة تل أبيب في ردّ الاعتبار الى قدراتها الردعية، التي تضررت جراء منعها من محاولة تغيير قواعد الاشتباك في الساحة اللبنانية. في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال إشارة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الى أن عملية مزارع شبعا هي «جزء من رد»، وهو ما يمكن تفسيره كتحذير، وفي الوقت نفسه، كتهديد.
قيل وكتب الكثير، إسرائيلياً، عن «ضائقة» حزب الله جراء تدخله العسكري في سوريا، و«تداعيات» الحرب الداخلية ضده في لبنان، من تصريحات ومواقف معادية. «ضائقة» وصفت كأنها تكاد تنهي الحزب وتمنع عنه المبادرة. ظن المتابع للشأن الإسرائيلي أن هذا التوصيف يأتي ضمن الحرب النفسية والإعلامية المسوقة ضد الحزب، سواء في اتجاه الإسرائيليين لإفهامهم بأن عدوهم في «ضائقة»، أو في اتجاه الرأي العام اللبناني وبيئة حزب الله، لدفعها الى الاعتقاد بأن قيادة الحزب أخطأت تقديراتها وأفعالها، وتتجه نحو الانكسار.
إلا أن متابعة الإسرائيلي طويلاً، تضاف إليها المحاولة الأخيرة لتغيير قواعد الاشتباك في لبنان، من خلال الغارة الجوية بالقرب من جنتا البقاعية في شباط الماضي، أظهرتا أن الإسرائيلي يعتقد بالفعل بما يقوله. حزب الله في ضائقة كبيرة جداً، بل ويمكن استغلالها ضده. كيف تكوّن هذا الاعتقاد؟ مسألة تستلزم تأملاً، وربما تعود إلى خطأ في قوالب التقدير الاستخباري، في ما يتعلق بحزب الله تحديداً.
وللدلالة على ذلك، تكفي معاينة رد الفعل الإسرائيلي بعد بيان حزب الله حول غارة جنتا البقاعية، إذ كان الاعتقاد السائد بأن الحزب لن يتطرق إلى الغارة، وسينفيها كأنها لم تكن. درجة ارتداع ومأزومية الحزب كانت راسخة في الاعتقاد الإسرائيلي، بمستوى تسبّب بصدمة بعد صدور بيانه الشهير، وتصويب ما كان يحكى عن أن الغارة وقعت في الأراضي السورية. لم تكن تل ابيب مستوعبة مسبقاً، الخط الأحمر لحزب الله، والفاقع، حيال تغيير قواعد الاشتباك، واستباحة الأراضي اللبنانية، مهما كانت ظروفه، مع وجود «ضائقة» او عدم وجودها.
في ذلك، وغيره، بدت استخبارات اسرائيل وإعلامها شبيهين ببعض مواقف وتحليلات قوى 14 اذار، ومواقع التواصل الاجتماعي للمعارضة السورية. المفاجأة، ان تل ابيب صدّقت، كما يبدو، ما كانت تأمل ان يكون. كان الإعلام العبري طوال السنوات الماضية، ولا يزال، مليئاً وحافلاً بعناوين وتقارير لافتة: بيئة حزب الله وقواعده تتململ؛ قواعد ومسؤولون في حزب الله يعترضون على التدخل العسكري في سوريا؛ المئات من جثث مقاتلي الحزب تتكدس في المستشفيات؛ حزب الله في ضائقة ويدفن قتلاه في ساعات متأخرة من الليل؛ قيادة حزب الله محرجة ومربكة من الانتقادات الموجهة إليها في لبنان؛ الحملة ضد حزب الله تستعر، ورئيس الجمهورية اللبنانية يعلن معارضته للتدخل العسكري للحزب في سوريا، وهو الموقف الذي تعاملت معه اسرائيل باهتمام، كأنه إعلان لنهاية حزب الله وتهديداته لها… وتطول لائحة الشواهد والأمثلة.
«حكمة ما بعد الفعل»، وبعد صد حزب الله محاولة إسرائيل تغيير قواعد الاشتباك في لبنان، حركت كتابات إسرائيلية و«تسريبات لمسؤولين»، حول تقديرات مغايرة بدأت تسود محافل التقدير في تل أبيب: فـ «ضائقة» حزب الله، كما بدأ يظهر، لم تكن «ضائقة»، والضغط المفعّل ضده في الداخل اللبناني، من قبل معارضيه، ليس ضغطاً يمنعه من المبادرة والرد على أعدائه… بل تحولت «ضائقة» التدخل في سوريا إلى نوع من الفائدة العسكرية لحزب الله، وخشية من خبرات قتالية يجبيها عناصره جراء القتال السوري.
يمكن القول، وبمستوى مرتفع من الاطمئنان، إن الإسرائيلي اعتقد بأن واقع حزب الله مأزوم ومشغول على نحو متزايد في سوريا، وأن في مقدور تل ابيب استغلال انشغاله وفرض قواعد اشتباك جديدة في لبنان، تتيح لها شن اعتداءات بلا أثمان. هذا الاعتقاد كان مترسّخاً في التقديرات الإسرائيلية، لدرجة توقع إغفال حزب الله أي اعتداء تشنه اسرائيل على الأراضي اللبنانية. وما حدث حتى الآن، هو صد محاولة تجاوز الخط الأحمر، الذي لا يمكن حزب الله أن يسمح بتجاوزه.
الحصيلة انه لم يتغيّر شيء في ميزان القوى بين الجانبين من جراء التصعيد الأخير، بل قد تكون معادلات الردع المتبادل، ترسّخت أكثر من الماضي. كان لدى الإسرائيلي فهم خاطئ لواقع حزب الله ولـ «الضائقة»، وهذا الخطأ جر بدوره فعلاً إسرائيلياً خاطئاً، تسبب برد فعل منع تل أبيب من مواصلة المحاولة. إلا أن الوضع شديد الحساسية، وإذا كان الطرفان غير معنيين في هذه المرحلة بحرب بينهما، إلا أن الحسابات الخاطئة، ومنع تجاوز الخطوط الحمراء المتبادلة، يدفعانهما إلى ملامسة عتبة التفجير الشامل. فهل تعيد تل أبيب الوقوع في خطأ جديد للحسابات؟
يحيى دبوق – صحيفة الأخبار اللبنانية