هل افترقت السبل بين السيسي وابن سلمان؟
لاقت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بخصوص الوضع اللبناني اهتماما كبيرا من جمهور المقاومة وأعدائها على حدٍّ سواء.
والتصريحات عليها ملاحظات كبيرة شكلا وموضوعا، ولكن الثابت فيها هو أنها تعبر عن تمايز في الموقف السعودي، وهو من التمايزات القليلة في الفترة الأخيرة والتي شهدت تناغمًا وتوافقًا سياسيًّا حدا بالكثيرين لوصفه بالتبعية وحدا بآخرين لوصفه بانه مجرد مسايرة ومجاراة في ملفات لا تحمل حساسيات عميقة تتعلق بالامن القومي المصري.
تمايز مصري عن الموقف السعودي
والتصريحات المقصودة هي التي نقلتها وكالة رويترز حول مقابلة الرئيس المصري مع شبكة (سي.إن.بي.سي)، حيث قال السيسي في رد على سؤال بشأن ما إذا كانت مصر ستدرس اتخاذ إجراءات خاصة بها ضد حزب الله إن الموضوع لا يتعلق باتخاذ إجراءات من عدمه مضيفا أن “الاستقرار في المنطقة هش في ضوء ما يحدث من اضطرابات في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال والدول الأخرى وبالتالي فنحن في حاجة إلى المزيد الاستقرار، وليس عدم الاستقرار”.
وتابع قائلا “المنطقة لا يمكن أن تتحمل المزيد من الاضطرابات”.
ومن حيث الشكل، فإن التصريحات أتت في شكل عام ولا تعبر عن تحدٍ صريح للسعودية أو حتى تسميتها، ولكن ومن حيث المضمون فإنها عبرت عن موقف غير متناغم ولا مرض للسعوديين.
لكن الملاحظ ان صياغة رويترز جاءت بشكل اقرب للتحريض وبشكل يدعو للوقيعة ولكن باتجاه ان مصر لا تتماشى مع الخط الامريكي السعودي العام وكأن ذلك الموقف سيء، على الرغم من انه موقف ينظر اليه الاحرار والمقاومون نظرة اخرى مناقضة لرويترز ومن ورائها!
وهذا التمايز في الواقع يؤكده تصريحات سابقة واخرى لاحقة.
فقبلها وبعد لقاء الرئيس برئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية ان السيسي أعرب عن “اهتمام مصر بالحفاظ على أمن واستقرار لبنان، ووقوفها إلى جانبه ودعمه في مواجهة التحديات الراهنة”.
كما أكد “أهمية تجنب كل أشكال التوتر والتطرف المذهبي والديني، ورفض مساعي التدخل في الشؤون الداخلية للبنان”، مشدداً على “أن اللبنانيين فقط هم المعنيون بالتوصل إلى الصيغة السياسية التي يرتضونها وتحقق مصالح الشعب اللبناني الشقيق، التي يجب أن تحتل الأولوية القصوى”.
لقاء الرئيس بري بالرئيس السيسي
ونوه بـ “أهمية تحقيق التكاتف بين مختلف فصائل الشعب اللبناني”، معرباً عن “ثقته في وعيه وقدرته على صون لبنان”.
ولو افترضنا ان من مقاصد السيسي بالتدخل الخارجي الاشارة الى ايران فانه وبالتأكيد تشتمل المقاصد ايضا السعودية، ولا سيما وان الازمة الاخيرة سعودية بحتة، حيث رئيس وزراء لبنان اعلن استقالته على ارضها ومن قناة تليفزيونية خاصة بها واقامته بها غير محددة المعالم وهل هي احتجاز ام لجوء سياسي ومفتوحة على جميع الاحتمالات.
اما التصريحات اللاحقة فهي مؤكدة لهذا الاستنتاج، حيث قال الرئيس المصري، إنه يعارض الحرب، وذلك ردا على سؤال عن توجيه ضربات عسكرية لإيران أو حزب الله، بحسب ما ذكرته وكالة “رويترز” للأنباء.
وأكد عبد الفتاح السيسي أن أي مشكلة في المنطقة سواء تعلقت بإيران أو حزب الله، يجب التعامل معها بحذر، مضيفا “لا نريد إشكاليات أخرى، ولا زيادة التحديات والاضطرابات الموجودة في المنطقة”.
وأشار السيسي إلى أن مصر ترى أن ما حدث في المنطقة يكفي، خاصة فيما يتعلق بالاضطرابات التي شهدتها.
وبين الرئيس المصري في لقاء مع عدد من الإعلاميين المصريين والأجانب على هامش منتدى شباب العالم: “نحن مع أشقائنا في منطقة الخليج”، مشددا على أن أمن الخليج من أمن مصر، وأمن مصر من أمن الخليج.
وطالب بعدم زيادة التوتر في المنطقة، لكن ليس على حساب أمن واستقرار الخليج.
وبرغم الترضيات التي اختتم بها السيسي تصريحاته وبرغم كلمة (لكن) في سياق رفض التوترات (لكن ليس على حساب أمن واستقرار الخليج)، الا ان الرفض هو تمايز صريح عن الموقف السعودي الذي يؤجج التوتر بشكل علني رغم كل محاولات ضبط النفس وعدم الانجرار للتصعيد من طرف إيران والمقاومة.
الحاصل اننا امام موقف مشابه لموقف مصر في الملف السوري حيث التمايز عن الموقف السعودي الا وانه وللأسف ليس موقفا فاعلا ومؤثرا اذا ما قيس بحجم مصر المفترض ووزنها وتاريخها.
ولا شك ان الوصول لهذه المرحلة من فقدان الوزن والتأثير كان بسبب تراكمات كامب ديفيد والتنازل التدريجي عن القيادة للسعودية وابتكار مصطلح خادع يفصل بين امن الخليج وامن المنطقة حيث امن الخليج من وجهة النظر السعودية يتطابق مع نظرية الامن الاسرائيلي وهو ما يتناقض كليا مع الامن القومي العربي وفي قلبه الامن القومي المصري!
الوضع يحمل خبرين احدهما سيء والاخر جيد:
الخبر السيء هو ان مصر بوضعها الحالي من حيث السياسات الداخلية والتحالفات الرسمية الخارجية لا تستطيع ممارسة دورها وتأثيرها المأمول والحياد هو اقصى ما تستطيع تقديمه، مع ملاحظة ان حياد مصر في الملفات الرئيسية هو كارثي سواء على مسار الملفات او على مصر ذاتها.
والخبر الجيد هو هذا التمايز عن السعودية وعدم السير في الملفات الكبرى لنهاية الشوط وهو يشي بان هناك ثمة وعي وادراك مصري بحماقة السياسات السعودية ونهاياتها الكارثية، كما يشي بان هناك سقفا لا تستطيع مصر تجاوزه وهو ما يفتح دوما بابا للامل لعودتها.
ان على مصر كي تنقذ نفسها ان تفك ارتباطها بهذا النظام المحتل لشعب الحجاز وان تخرج فورا من التحالفات المسماة بالعواصف وهي هبات ريح مسمومة لا تجني سوى القتل وان تستقيم مصر وتعود لمعسكرها الحقيقي المناهض للاستعمار والملهم للمقاومين، دون ذلك لن تجني شيئا لانها لا تستطيع ان تشكل رقما في معسكر الخيانة لان لها سقفا لا يتعلق بالنظام وقيادته وانما يتعلق بجذور ضاربة في العمق لدى دولتها ومؤسساتها وشعبها مهما بدا على السطح من زبد يتناقض كليا مع الجذور.
بعد ان ادرك النظام في مصر خسارة المعسكر السعودي وأفقه المغلق ومصيره الأسٍود، ليس عليه الا ان ينسلخ علنا ويعلن عودته لمصر ولتاريخها ودورها…والقلوب دوما مفتوحة لدولة كبرى عريقة بقدر ما هي مغلقة لكيان وظيفي استعماري مواز للعدو الاسرائيلي.
(*) كاتب صحافي مصري