هكذا نصب حزب الله «كمين العتيبة» في الغوطة الشرقية.. ولهذه الاسباب زاد القلق الاسرائيلي
عبوات «سجيل» «التلفزيونية» وراء «حقل الموت» واسئلة حول تقنيات الرصد
اسرائيل تخشى التطور النوعي في استخدام المقاومة للاشعة « تحت الحمراء»
صحيفة الديار اللبنانية ـ
ابراهيم ناصرالدين:
عدم تبني حزب الله رسميا مسؤولية كمين العتيبة في الغوطة الشرقية له اسبابه المفهومة على المستويات السياسية والاعلامية والعسكرية، واذا كان للجيش السوري دور «لوجستي» في العملية، فان ما يعرفه الاصدقاء والاعداء على حد سواء ان «بصمات» الحزب واضحة على الكمين من «الفه» الى «يائه». واذا كان جمهور المقاومة قد استعاد عبر المشاهد المصورة للعملية ايام «الزمن الجميل» في قتال الاسرائيليين، واذا كانت البيئة الحاضنة للمقاومة قد شعرت بنوع من رد الاعتبار وارتفاع في المعنويات في مواجهة «التكفيريين» الذين يعيثون بالامن اللبناني «فسادا وقتلا»، فان هذه العملية في «عيون» المتربصين بحزب الله تجري قراءتها من منظار آخر يرتبط بالتطور النوعي الهائل في قدرات مقاتليه الذين نجحوا في نصب «كمين» محكم ادى الى أبادة كافة افراد المجموعة المسلحة التي وقعت في «مصيدة» لا يمكن ان «تنصبها» الا جهة محترفة ومتمرسة، وتملك ايضا الادوات المناسبة والمتطورة للتنفيذ.
اوساط متخصصة في الشؤون العسكرية والامنية، ترى ان ما حدث في هذا الكمين اعاد الى الاسرائيليين ذكريات مؤلمة ونكأ لهم جرح كمين «الانصارية» واذا كان الداعمون الاقليميون والدوليون للمسلحين ينظرون الى طبيعة الخسارة الواقعة من زاوية تأثيرها على خططهم في فتح الجبهة الجنوبية، فان اسرائيل لديها حسابات اخرى ترتبط بمستقبل المواجهة الحتمية مع حزب الله، ومن هنا يمكن فهم اصرارها المستمر على عدم ادخال الاسلحة الكاسرة للتوازن الى الحزب، ويمكن من هذه الزاوية تفسير الغارة «الرسالة» على البقاع، فلماذا تشعر اسرائيل بـ«الهلع»؟ وكيف اعد حزب الله «مصيدة الارانب»؟
في الشكل، تلفت تلك الاوساط الى ان حزب الله عاد مجددا الى «لعبته» المفضلة في ادارة الحرب النفسية، فتصوير العملية ليلا بتقنيات وجودة عالية، ادى الغرض منه لجهة كسر الروح المعنوية لدى المجموعات المسلحة، وفي المقابل قدم لجمهوره مادة مصورة عن الانجازات المحققة في الميدان ضد من يرسل اليهم الانتحاريين، وهو اكد بالصوت والصورة تفوقه الميداني على «خصومه» الذين ظهروا دون حيلة وهم يتوجهون الى حتفهم.
اما في الشق العملاني فيعتبر الامر من الناحية العسكرية كارثيا على هؤلاء، لان فقدان هذا العدد الكبير من المقاتلين دفعة واحدة ودون ان يتمكن اي منهم من اطلاق رصاصة واحدة على «العدو» المفترض، يعد في العلوم العسكرية هزيمة مدوية ليس فقط للمجموعة التي تعرضت للابادة وانما للفريق الاقليمي والدولي الداعم لهؤلاء بعد ان تركهم في «العراء» دون اي غطاء، فيما اثبت الفريق الآخر بانه متقدم «بخطوة» او اكثر مما سمح له بتحقيق عامل المفاجأة.
وتشير تلك الاوساط، الى ان ما اظهرته المشاهد المصورة للعملية، يؤكد بوضوح ان «تشريكات الموت» قد نصبت في المكان بما يتناسب مع طول «رتل» المشاة، وهذا يعني ان رصدا مسبقا قد حصل لهؤلاء وثمة حسابات دقيقة قد وضعت لحجم الكتلة النارية المطلوبة لابادة تلك المجموعة، ومن الواضح ان مجموعات «التخريب» كانت في سباق مع الوقت لانجاز المهمة قبل وصول المسلحين الى موقع المكمن حيث تم زرع نحو 10عبوات تم تفجيرها في المرة الاولى ثم فجرت ثلاث اخرى في المرحلة الثانية.
اما عملية الرصد تقول الاوساط فالواضح انها تمت عبر طائرات من دون طيار كانت صورا مباشرة الى غرفة العمليات فضلا عن كاميرات «حرارية» مثبتة في اكثر من موقع حدودي. أما مسألة توقع مسار هؤلاء فهي مسالة محكومة باحتمالين الاول هو احتمال الخرق الاستخباراتي لتلك المجموعات، الامر الذي سمح بمعرفة هدفها النهائي، والثاني ما يسمى في العلوم العسكرية «الممر الوصولي»، أي خلق ممر اجباري لهؤلاء لدفعهم الى سلوك «خط سير» محدد، وهو ما يسمح للجهة التي تنصب المكمن بتحديد مسار هؤلاء ما يمكنها من نصب الكمين في المكان المناسب بعد دفع المجموعة المستهدفة الى دخول «حقل الموت» «برجليها». لكن ما الذي يقلق اسرائيل أكثر؟
انه نوع العبوات المستخدمة، والادارة الاحترافية للكمين الليلي عبر استخدام الاشعة «تحت الحمراء»، هذان الامران في رأي تلك الاوساط لا تستطيع اسرائيل ان تتجاوزهما، فالترجيحات تشير الى ان العبوات المستخدمة في العملية هي من نوع «سجيل» وهي عبوات «تلفزيونية» مضادة للافراد طورها حزب الله وسميت بهذا الاسم لان عصفها وتشظيتها يتجهان باتجاه واحد ومركز الى مساحة معينة تماما كشاشة التلفزيون التي تبث الصورة الى جهة واحدة، ومن الواضح ان ما استخدم في العملية من عبوات تحتوي على مادة «سي فور» و«تي ان تي» وتحمل شظايا اغلبها كرات حديدية تصل الى 3000 شظية وتسمى «بقاتل الفصيل» لان مدى شظاياها يصل الى 700 متر من الامام وبعرض 500 متر وبارتفاع 1 متر عن الارض وتنتشر شظاياها على شكل مروحة، وذلك بفضل شكلها المستطيل «المحدب». وهذا الامر بالنسبة للاسرائيليين بمثابة «كابوس» لا يمكن التعايش معه في أي حرب مقبلة، ومن هنا يمكن فهم اسباب الذعر.
وفي الجانب الاخر من العملية أظهرت الصور المعروضة، ان الاعلام الحربي التابع لحزب الله نجح في تجاوز واحد من اهم التحديات، التي تواجه أجهزة الرؤية الليلية وهي عملية الجمع بين صورة التكثيف والصورة الحرارية في صورة واحدة. ومن المعروف تضيف الاوساط ان لدمج الصورتين أهمية كبيرة لانها يعطي تفصيلات مختلفة من المشهد. فالتكثيف يصور الأشعة المنعكسة على الهدف، في حين أن الصورة الحرارية تصور الأشعة المنبعثة من الهدف. ومما يزيد من تعقيد عملية الدمج ضرورة التأكد من أن كلا الصورتين يتركز في الوقت نفسه على المشهد ذاته بدقة عالية. وهذا يعني ان الحزب استطاع تنمية قدرات دمج التفصيلات الخاصة بكل صورة على حدة. وتمكن من الحصول على التفاصيل من كل صورة على حدة، ودمجت لاحقا في صورة واحدة، فجاء مستوى الأداء عالياً.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان القلق الاسرائيلي في هذا السياق مرتبط بما تلمسته القيادة العسكرية الاسرائيلية خلال المواجهات مع الحزب في حرب 2006 من نجاح مقاتلي الحزب في الحد من تقليل كفاءة الكاميرات الحرارية الموجودة في دبابة الميركافا وفي المواقع الاسرائيلية على الحدود، حيث أدى هذا «الاجراء» «المبهم من قبل مقاتلي الحزب الى تشتيت الرؤية الحرارية عن المقاتلين الذين يحملون صواريخ مضادة للدبابات، ولم يتم اكتشاف 75% من هؤلاء في جميع الاتجاهات. وتمكنوا من التخفي بشكل جيد على بعد يتراوح من 50و500 متر. واليوم يرسل الحزب اشارات واضحة لمن يعنيهم الامر انه ما يزال يطور نفسه تقنيا ويستعد لخوض مواجهات تقنية معقدة في المستقبل، وما تخشاه اسرائيل جديا هو امتلاك الحزب الجيل الأخير من تلك الاسلحة، حيث تستخدم فيها نظرية «اضرب وانس» حيث يتولى السلاح المستخدم التفتيش عن الاهداف معتمدا على بصمتها الحرارية. وعند استخدام هذه التقنية في أسلحة الضرب غير المباشر، مثل مدافع الهاون، فإن عملية الانقضاض من أعلى تكون ذات تأثير قاتل للهدف،حيث توجد أقل مناطق الهدف تدريعاً، وأكثرها تعرضاً للخطر الخارجي. فهل وصلت هذه الاسلحة الى حزب الله؟
طبعا لا يملك احد الاجابة، وستبقى «المفاجآت» واحدة من اسرار نجاح المقاومة في أي حرب مقبلة مع اسرائيل، وحتى يحين موعد «المنازلة» المقبلة، لن تعرف عيون الاسرائيليين النوم، وقد زادهم بيان الحزب الاخير حول الغارات «اضطرابا» «وتوترا»، فهم يعرفون ان الرد حتمي، لكنهم لا يدركون اين ومتى. في المقابل اراد حزب الله ان يؤكد من خلال عملية العتيبة انه يدير عملية عسكرية وامنية محترفة في سوريا، فوعد السيد نصرالله بالانتصار هناك ليس وهما، وكما باتت هناك معادلة «ما قبل القصير» وما بعدها، ستكون في العلوم العسكرية مدرسة جديدة لدراسة «مصيدة الارانب» في العتيبة التي ستكون نقطة تحول في العمليات العسكرية.