هكذا صنع الأميركيون تنظيم داعش
في صيف عام 2004 كان أحد المتطرفين الشباب، واسمه الحركي أبو أحمد وغدا الآن أكبر مسؤولي تنظيم “داعش”، يسير ببطء وهو مقيد بالأغلال والسلاسل يقوده سجانوه في معسكر سجن بوكا جنوب العراق. لقد كان عصبيا وهو يسير مع جنديين أميركيين إلى ثلاثة مبان براقة عبر متاهة من الممرات والأسلاك الشائكة إلى ساحة مفتوحة، حيث تم تغيير ملابسه إلى ملابس السجن الصفر وتراجع الجنديان إلى الوراء لمراقبة شكله الجديد.
تحت أنظار الأميركان، بدأت عملية بناء “داعش”، هكذا يؤكد أبو أحمد، ويصف سجن بوكا في تلك الفترة بأنه “كان بيئة مثالية وصنعنا كلنا وبنى أيديولوجيتنا”.
لقاؤه مع البغدادي
ويقول أبو أحمد في تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، “كنت خائفا من سجن بوكا طوال الطريق بالطائرة، لكنني حينما وصلت كان السجن يبدو أفضل بكثير مما تصورت”، ويوضح “عرفت البعض من السجناء على الفور، بينما السجناء الآخرون لم يستغرقوا وقتا طويلا في تطميني، وسرعان ما أدركت أن السجن الذي تديره الولايات المتحدة كان فرصة ثمينة بالنسبة لي مع بقية السجناء الذين تم تجميعهم في مكان واحد من كافة أنحاء العراق”.
ويضيف “لقد كانت المرة الأولى التي ألتقي فيها مع إبراهيم عواد السامرائي المعروف بأبي بكر البغدادي في السجن”، ويشير الى أن “البعض من السجناء في المعسكر كانوا يأتون اليه وكان حتى ذلك الحين يدعى أبو بكر، لكننا لم نكن نعرف أنه سينتهي به المطاف لاحقا ليكون قائدا”.
البغدادي يحظى باحترام الجيش الأميركي
ويبين أبو أحمد “كنت اشعر انه (البغدادي) يخفي شيئا في داخله.. جزءا مظلما لا يريد للآخرين أن يعرفوه، وكان على العكس من الأمراء الآخرين المسجونين معه والذين يسهل التعامل معهم، فقد كان بعيدا عنا جميعا”، ويلفت الى أن “البغدادي كان هادئا وذا كاريزما معينة، لكن كان في السجن معه الكثير ممن هم أكثر أهمية منه ولم اكن أتصور أنه سيصل إلى هذا الحد”.
ويتابع أن “الأميركان في السجن كانوا ينظرون إليه على انه الرجل الذي كان يتدخل لفض النزاعات بين السجناء والحفاظ على الهدوء في المعسكر”، ويوضح أنه “في كل مرة كانت تحصل مشكلة في السجن يكون البغدادي في وسطها من اجل حلها، فقد كان يستخدم سياسة المسكنة للحصول على ما يريد، وقد كان يطمح لأن يكون رئيسا للسجناء”.
ويستطرد أبو أحمد أنه “في شهر كانون الأول من عام 2004 اعتبر البغدادي من قبل سجانيه انه لا يشكل أي خطر وأطلق سراحه، وكان يحظى باحترام من قبل الجيش الأميركي”، ويبين أنه “إذا أراد زيارة سجناء آخرين في سجن آخر كان يستطيع ذلك، فيما لم نكن نستطيع ذلك”.
بناء “داعش” في بوكا
ويؤكد أبو أحمد أنه “كانت هناك استراتيجية جديدة يتم وضعها، وكان هو يقودها وتتزايد تحت أنظار الأميركان، وهي عملية بناء داعش، ولولا وجود سجن للأميركان في العراق لم يكن داعش موجودا الان”، ويشدد بالقول “كان سجن بوكا مصنعا، فقد صنعنا كلنا وبنى أيديولوجيتنا”.
ويردف أبو أحمد بالقول أنه “في الوقت الذي كانت فيه أعمال داعش تنتشر في المنطقة، فإن تلك الأعمال كان يقودها رجال كانوا قد قضوا وقتا في مركز الاعتقال في بوكا وكامب كروبر وأبو غريب أثناء فترة الاحتلال الأميركي للعراق”، ويوضح “كان الأمراء يجتمعون في السجن بانتظام وكنا نعرف قدراتهم وما يمكن أن يفعلوه، وكان اهم الناس في بوكا أولئك الذين كانوا قريبين من أبي مصعب الزرقاوي، وكان لدينا الوقت في بوكا للاجتماع والتخطيط فقد كنا في بيئة مثالية حقا”.
وكانت القوات الأميركية شيدت سجن بوكا وسط الصحراء في أقصى جنوب العراق بعد عام 2003، وأمضى نحو مئة ألف معتقل فترات متفاوتة خلال ستة أعوام بحيث بلغت أعدادهم ذروتها في العام 2007.
انضمام البعثيين إلى “داعش”
ويضيف أبو أحمد أن “الزرقاوي كان ذكيا جدا، وهو افضل المخططين الاستراتيجيين لتنظيم داعش، اما خليفته ابو عمر البغدادي فكان قاسيا جدا لا يرحم والأكثر دموية فيهم”، ويشير الى أنه “بعد مقتل الزرقاوي أحب الناس القتل أكثر منه، وغدا أكثر الأمور أهمية في المنظمة، فقد كان فهم الباقين للشريعة رخيصا جدا وهم لا يفهمون أن التوحيد يجب أن لا يفرض من خلال الحرب”.
ويتابع أن “أعوام 2008-2011 كانت أعوام هدوء وليست هزيمة”، ويبين أن “البغدادي تسلق ليغدو مساعدا لأبي أيوب المصري، حيث فتح داعش مدخلا في هذه الفترة لفلول البعث من النظام القديم للانضمام إليه تحت فرضية عدو عدوي صديقي”.
في شهر تشرين الأول من عام 2009، جرى التفاهم بين الحكومة العراقية والقوات الأميركية على إغلاق سجن بوكا وتحويل أغلب نزلائه إلى معتقلات بغداد والتاجي، فيما تم الإبقاء على من أدين من هؤلاء النزلاء بتهم “الإرهاب” في سجن البصرة المركزي بميناء المعقل وسط المحافظة، لأن القضاء العراقي قرر التحفظ عليهم وتجاهل الأحكام الأميركية السابقة الصادرة بحقهم ومحاكمتهم وفق الدستور العراقي الجديد، بعدما رفعت ضدهم دعاوى تتهمهم بالقتل والاعتداء وارتكاب جرائم مختلفة خلال فترة سيطرة القاعدة والجماعات المسلحة على عدد من المدن العراقية.
ويقول معتقلون سابقون إن سجن بوكا كان مرتعا خصبا لتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة التي تدور في فلكها، ووصفوه بأنه كان “مدرسة تخرج أعدادا كبيرة من التكفيريين والمتطرفين بطريقة منظمة”.