هكذا تروّج المخابرات الأميركية والإسرائيلية لتجارة المخدرات في العالم
تحفل “كواليس” أكبر أجهزة المخابرات في العالم، بعمليات خطرة تستخدم فيها المخدرات كوسيلة للوصول الى أهدافها فضلاً عن مصادر تمويل غير منظورة، رغم حظر غالبية دول العالم الاتجار بها وتصنيعها أو ترويجها. ففيما تعتمد وكالة الاستخبارات المركزية “CIA” اتهامات الاتجار بالمخدرات ضدّ خصومها الدوليين، يبرز دورها الفاعل الى جانب جهاز “الموساد” الإسرائيلي، في مجال دعم مروّجي المخدرات في العالم، واستخدامهم كأدوات في أعمالهم الأمنية.
* كيف روّجت CIA لتجارة المخدرات في أميركا الوسطى
الدور الأميركي على صعيد دعم ترويج المخدرات عالمياً ليس خافياً. فقد كشف الكاتبان “بيتر ديل سكوت” و”جوناثان مارشال” في كتابهما “سياسة الكوكايين.. المخدرات والجيوش ووكالة المخابرات المركزية في أميركا الوسطى”، الصادر عن دار نشر (كاليفورنيا)، أن التزام الحكومة الأميركية العلني في محاربة المخدرات غير صحيح وغير صادق. وبحسب الكتاب الصادر عام 1991، توصلت تحقيقات أجراها الكونغرس الأميركي إلى علاقة وكالة المخابرات الأميركية “CIA”، بتهريب المخدرات، وأكّدت تلقي “CIA” تعليماتها من الحكومة الأميركية للقيام بدور ناشط في تهريب المخدرات.
ويشير الكتاب الذي استند إلى “وثائق رسمية”، إلى العمليات السرية للمخابرات الأميركية في أميركا الوسطى، من خلال نسج علاقات مع العناصر الإجرامية، والتي اعتماداً على علاقتها بالحكومة الأميركية ساهمت في أنشطة تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة الأميركية. وبحسب الكتاب، فإن السياسة الأميركية المعلنة ضد المخدرات، ليست سوى غطاء على حقيقة دورها الخفيّ في المشاركة بتهريبها.
“الحرب على المخدرات التي يعلنها البيت الأبيض خدعة وزيف”، هذا ما توصل إليه الكتاب، موضحاً أن تورُّط أميركا في الشؤون الداخلية للأقطار الأخرى، كان عاملاً مهماً في تهريب المخدرات، وأن أزمة المخدرات الأميركية، هي نتاج السياسة الخارجية الأميركية في أميركا الوسطى واللاتينية.
في إطار تورّطها بتهريب المخدرات، أبدت CIA اهتمامًا خاصًّا بعقاقير الهلوسة الممنوعة عالمياً LSD، حيث تعاملت معها على أنها مفتاح السيطرة على النفوس البشَرية، فدرست تأثيرات العقار في العسكريين، الأطبّاء، وكلاء الحكومة، الطلاب الجامعيين، بائعات الهوى، ومتلقّي العلاج النفسيّ. وعام 1975، قال المفتش العام للوكالة دايفيد دنبار “يجب توخي الحذر ليس فقط لعدم كشف هذه العمليات لقوات العدو، بل لإخفاء هذه الأنشطة عن المواطنين الأميركيين بشكلٍ عام أيضاً”. وأضاف “يمكن أن تتسبَّب معرفة أن الوكالة تشترك في أنشطة محظورة وغير أخلاقية في تداعيات خطيرة داخل الدوائر السياسية والدبلوماسية، وستضر بإنجاز مهمتها”.
وقد أثار انتشار العقار خلال الستينات هلَعًا كبيرًا في الولايات المتحدة، وفي العام 1977 أشرف السيناتور إدوارد كينيدي (الذي كان يرأس لجنة الصحة في مجلس الشيوخ)، على جلسات الاستماع بالكونغرس لموظفين سابقين بالوكالة، وعندما طلب فحص السجلات، تبيَّن أن مدير مشروع البرنامج طلب إلى موظفيه تدمير كل الملفات والسجلات الورقية، لطمس أحد أكثر المشروعات غير القانونية بالولايات المتحدة.
* المخابرات الأميركية شريكة في تجارة المخدرات في أفغانستان
صحيفة “فزغلياد” الروسية سبق أن سلطت الضوء على دور وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) في التنافس المتنامي بين “طالبان” و”داعش” للسيطرة على مزارع المخدرات الأفغانية. وأشارت الصحيفة في مقال بتاريخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 الى تصريح رئيس دائرة الشرطة الأفغانية في إقليم هلمند، يقول فيه إن “تنظيم “داعش” وحركة “طالبان” الإرهابيين قد أعلنا “الجهاد” ضد بعضهما بعضا، وخلفية هذا النزاع قد تكون على مزارع المخدرات”، ولفت المقال إلى أن “ما يثير الاهتمام الشديد في هذه المعادلة، هو الدور الذي يمكن أن تلعبه فيه الولايات المتحدة”.
وتنقل الصحيفة عن رئيس قسم دراسات الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط التابع لمعهد التنمية المبتكرة أنطون مارداسوف، قوله إن “التناقض الذي يحكم العلاقة بين “طالبان” و”داعش” في أفغانستان قائم منذ فترة طويلة، وليست هذه هي المرة الأولى حين يعلنان “الجهاد” ضد بعضهما بعضا”، موضحاً أن “أسباب النزاع بين الحركة والتنظيم تعود بالدرجة الأولى إلى تعديات الأخير على كوادر الحركة ومحاولاته الاستيلاء على تلك المحافظات المنتجة للمخدرات، ونزع هذه “القطعة اللذيذة” من فم “طالبان”. ولهذا السبب بالذات، اتخذت العلاقة بينهما طابع المواجهة”.
وبحسب مارداسوف، فإن العلاقة بين “طالبان” و”داعش” تميزت في السابق بحالات من التعاون المشترك، فعلى سبيل المثال، ساند تنظيم “داعش” حركة “طالبان” عندما شنت الأخيرة هجومها على منطقة قندوز. ولكن، بعد وفاة زعيم “طالبان” الملا عمر، انضم كثيرون من مقاتلي طالبان غير المحليين إلى تنظيم “داعش”، الذي عرض على الذين ينضمون إلى صفوفه أموالا كبيرة، في حين أن حركة “طالبان” عامة تبقى حركة أفغانية تتألف من قومية البشتون، على الرغم من وجود المقاتلين الأجانب في صفوفها سابقا.
ويرى مارداسوف أن الولايات المتحدة تملك حصة محددة من تهريب المخدرات. ويعتقد عدد من المحللين الغربيين أن بعض العمليات، التي تنفذها وكالة الاستخبارات المركزية في الخارج، تموَّل من ريع تجارة المخدرات الأفغانية. وذلك يفسر الاهتمام الأميركي البالغ في الحفاظ على الوضع غير المستقر في أفغانستان.
* حاكم بنما: تاجر مخدرات عميل للموساد و CIA
بين CIA ومهربي المخدرات علاقة وطيدة وتاريخية لا يمكن التغاضي عنها. فمانويل نورييغا، والمعرف بالدكتاتور العسكري السابق الذي حكم بنما من 1983 وحتى 1989، عرف عنه تكوينه علاقات مع المُخابرات الأميركية حتى أصبح جاسوسًا لها.
وبينما كان نورييغا يعمل مع الـ CIA، كان في الوقت نفسه زعيم عصابات المخدّرات والتهريب في بنما. وبعد أيام على رحيله عن عمر ناهز 83 عاماً، كتب الباحث المختص في شؤون المخابرات رونين بيرغمان في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيوني، أن المخابرات الأميركية سبق وجندت نورييغا في مرحلة معينة في الماضي للعمل بصفوفها قبل اعتقاله، ولاحقا اعتمده الموساد عميلا كبيرا.
بيرغمان يوضح أن رئيس وحدة “قيساريا” للعمليات الخاصة في الموساد مايك هراري، هو من جنّد “الطاغية” البنمي في نهاية ستينيات القرن الماضي. وينقل بيرغمان عن هراري قوله إن بنما كانت دولة بلا ضرائب وفيها 180 ممثلية لمصارف عالمية، وفيها استثمارات هائلة، وإنه تعرف لاحقا عبر مبادرة وكيل محلي للموساد على قائد في الجيش مسؤول أمن المطار، عمر طوريخوس، الذي تبين أنه معجب بـ”إسرائيل” وقادتها خاصة موشيه ديان. وفي اللقاء الأول نتجت علاقة صداقة عميقة”. وفي عام 1968 نفذ طوريخوس انقلابا عسكريا وأمسك بالسلطة في بنما ومن وقتها تعززت علاقاته الثنائية مع “إسرائيل” وفتحت الأولى أبوابها أمام الثانية. وبحسب هراري فإن الموساد لم يكافئه بالمال بل بطرق أخرى كتقديم خدمات صحية نوعيه له ولعائلته.
وكان نورييغا في حينها، رئيس جهاز المخابرات لدى طوريخوس وما لبث أن ورثه بعد رحيله في ظروف غامضة، وواصل التعاون الاستخباراتي مع الموساد بالمستوى نفسه الذي كان. ووفقاً للصحيفة، فإن نورييغا وطوريخوس عملا بتجارة السلاح والمخدرات وتورطا بجرائم قتل. العلاقات الوثيقة بين الطرفين استمرت حتى بعد تقديم هراري استقالته من “الموساد” عام 1980، إذ حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، مناحيم بيغن، إقناع هراري بالتراجع عن استقالته، لكنه رفض، فاشترط بيغن الاستقالة مقابل مواصلة عمله في تركيز العلاقات مع نورييغا، لأنه رأى أنها “ذات أهمية استراتيجية كبيرة لإسرائيل”.
هراري عاد إلى بنما، وأنشأ عدّة مشاريع شخصية، وحافظ على علاقته بنورييغا. لكن في منتصف الثمانينيات، بدأت علاقة الرئيس البنمي الجيدة بالولايات المتحدة تتدهور، حتى وصلت إلى إصدار الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش (الأب)، قراراً بغزو بنما والسيطرة على قناتها، وذلك بعدما توجهت الإدارة الأميركية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، إسحاق شامير، طالبةً منه إصدار أوامر لهراري تقضي بأن يتوسط الأخير بين بنما والولايات المتحدة.
وبحسب “يديعوت”، عرض هراري معادلة “وسطية” يترك فيها نورييغا السلطة وبلاده بهدوء، ويرحل بأمواله إلى دولة أخرى. لكن المبادرة الإسرائيلية لم تنجح، فاندلعت الحرب الأميركية ضد بنما عام 1989، وبدأت بالبحث عن نورييغا وهراري، معلنة أنهما مطلوبان على أساس أنهما متورطان في تجارة المخدرات والأسلحة، وكذلك جرائم القتل.
وتوضح “يديعوت” أن الولايات المتحدة اعتقلت نورييغا، لكن “هراري تمكن من الهرب عبر غواصة إسرائيلية حضرت لإنقاذه”، وفق اعتقاد الأميركيين.
* تاجر مخدرات تونسي عميل لدى “الموساد” في دير الزور
وكما وكالة الاستخبارات الأميركية، عرف عن جهاز المخابرات في كيان العدو “الموساد” تعاونه مع تجار المخدرات مقابل خدمات أمنية. فبتاريخ 10 كانون الأول / ديسمبر 2017، كشفت الأجهزة الأمنية التونسية عن هوية الارهابي أبو عبد الرحمان التونسي وطريقة تجنيده في “الموساد” حتى أصبح برتبة “أمير مؤمنين” لدى جماعة “داعش” الإرهابية في محافظة دير الزور.
وتبين أن الداعشي التونسي الأصل يدعى غسان بن علي عبد السلام كان مقيما في إيطاليا ومشتبها به بتجارة المخدرات، وتم ترحيله من إيطاليا، فسافر الى السويد حيث عائلة زوجته البلجيكية من أصل سوري وهناك جنده الموساد الصهيوني.
وعام 2012، عاد الارهابي الذي كان اسمه في تنظيم “داعش” أبو عبد الرحمان التونسي الى تونس وانتسب الى تنظيم “أنصار الشريعة”، ثم سافر الى سوريا وتولى العديد من المناصب في تنظيم “داعش” الارهابي، ومن بينها “أمير المؤمنين” في محافظة دير الزور، حيث اعتُبر من مؤسسي هذه الجماعة في سوريا.
يذكر أن أبا عبد الرحمان التونسي فرّ من “داعش” بعد سرقة مبلغ من المال ولاحقاً قبض عليه التنظيم وأعدمه.
* الموساد جند جواسيس من تجار المخدرات في غزة ومصر
من الدوافع التي يستغلها جهاز “الموساد” الصهيوني في تجنيد عملائه، الدافع المادي، والأشخاص الغاضبون والناقمون على أنظمة بلدانهم، والابتزاز والضغط والتهديد والمساومة، أو استغلال بعض تجار المخدرات والمهربين مقابل مساعدتهم في أنشطتهم، بحسب ما نشرت صحيفة “الحوار المتمدن” في عددها 576 بتاريخ 30 / 3 /2003 .
وتشير الصحيفة في تقريرها إلى أن “المافيا الإسرائيلية تعتبر أخطر غطاء للموساد وإحدى أذرعه في الخارج، إذ تشكل هذه المافيا السلطة الخامسة في “إسرائيل”، وهي التي فرضت سيطرتها على العديد من أوجه الحياة في الولايات المتحدة، كما هيمنت على شبكات تهريب المخدرات وتوزيعها وتسيطر على التصفيات المأجورة وعلى شبكات الدعارة، ولقد شكلت هذه المافيا همزة وصل بين الموساد وعصابات الإرهاب الدولي”، وفقاً للصحيفة.
وكأبرز دليل على ذلك، أعلن مسؤول التحقيق المركزي في شرطة مكافحة المخدرات بقطاع غزة عماد الغلبان بتاريخ 24 كانون ثاني/ يناير 2011، إن عملاء الموساد الإسرائيلي لهم دور كبير بترويج المواد المخدرة في القطاع ومحاولتهم إغراقه بعقار “الترمال”. وكشف أن تحقيقات أجرتها الدائرة مع عدد من المروجين الذين تم القبض عليهم أثبتت أن للموساد يد كبيرة في ترويج العقاقير والمواد المخدرة بين أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع. ويشير الغلبان في حديث له إلى أن هذه المواد يتم جلبها من خلال عملاء الموساد من دول شرق آسيا.
مدير المكافحة بمحافظة خان يونس وائل أبو عبيد يؤكد كذلك في تصريح له أن أحد عملاء “الموساد” كلف بالعمل لترويج المخدرات داخل قطاع غزة لاختراق المقاومة وكسر نموذج غزة الصامدة من خلال إسقاط شبابها في مستنقع المخدرات.
وفي مصر كذلك، جنّد الموساد عملاء له من تجار المخدرات. وكانت قضية الجاسوس “سمحان موسى مطير” من أغرب قضايا التجسس الإسرائيلية على مصر، حيث تم تجنيد تاجر مخدرات ليكون جاسوسا لكيان العدو، فاتفق ضباط الموساد مع مطير على تسليمه مخدرات مقابل تسليمهم معلومات عن مصر، خاصة أن “سمحان” كان يعمل فى فترة شبابه بإحدى شركات المقاولات التى لها أعمال فى مصر وفلسطين المحتلة، ومن هنا كان اتصاله بـ”الموساد” الإسرائيلي وعمل بتجارة المخدرات تحت ستار شركة مقاولات خاصة، وكانت له علاقات واتصالات عديدة ببعض ضباط “الموساد” المعروفين واتفق معهم على صفقة جلب المخدرات مقابل تقديم معلومات مهمة عن مصر إلى “الموساد”.
العميل لدى “الموساد” وتاجر المخدرات “سمحان مطير” تلقى تدريبات مكثفة فى كيفية الحصول على معلومات وكيفية استقبال الرسائل وإرسالها، لكنه كان يحفظ المعلومات المطلوب الحصول عليها وينقلها شفاهة إلى ضباط “الموساد” الإسرائيلي.
* كيف دعمت أميركا و”اسرائيل” تجارة المخدرات في لبنان؟
إضافة الى ما سبق من أدلة حول تورط المخابرات الأميركية والاسرائيلية مع تجار المخدرات حول العالم، يتحدّث جوناثان مارشال في كتابه “الاتصال اللبناني: الفساد والحرب الأهلية والاتجار الدولي بالمخدرات”، عن علاقة “ميليشيات” مسيحية خلال الحرب الأهلية اللبنانية مدعومة بشكل كبير من أميركا و”اسرائيل” بملف تجارة المخدرات في لبنان.
يقول الكاتب “حارب اللبنانيون اللبنانيين، وكانت أرباح المخدرات في بعض الأحيان مصدر النزاع”، ويتابع “شاركت قوات الميليشيات أيضا في عمليات أكثر تنسيقا من أجل الحصول على الأرباح من تجارة المخدرات. على وجه الخصوص، كانت تتافس للسيطرة على الموانئ المناسبة على طول الساحل، وعندما كانت تفشل في ذلك، كانت تعمل على بناء موانئ جديدة بشكل غير قانوني… بعد أن كدست “الكتائب” النفايات في مرفأ بيروت، قامت بالتعاون مع ميليشيات أخرى بتحويل المرافئ الخاصة صعودا وهبوطا على طول الساحل إلى محميات لتهريبهم غير المشروع. بحلول أيار/ مايو 1976، على سبيل المثال، أصبح ميناء اليخوت السابق “أكوا مارينا” بالقرب من جونيه بوابة الكتائب لدبابات الشيرمان والمدفعية الثقيلة من “إسرائيل””.
ويضيف “أحد أبرز الموانئ الجديدة غير القانونية بني في منطقة حالات، إلى الشمال مباشرة من جونيه. كان يخضع الميناء لسيطرة القوات اللبنانية المسيحية. فالمنشأة عبارة عن مرفأ عميق مكتف ذاتيا تحيط به شاليهات فخمة وجدار عال. كان يتم نشر حراس مسلحين عند المدخل، وكانت سيارات لينكولن ومرسيدس تأتي وتذهب عبر بوابة إلكترونية. في الداخل، كان يتم إعادة شحن السفن وإعادة طلائها مع علامات جديدة وأرقام تسجيل لشحنها القادم من الحشيش والهيروين. فوق مجمع المكاتب ثبت رادار يقوم برصد البحر والسماء في حين أن طائرة هليكوبتر كانت تقلع، حاملة لواردت المخدرات إلى حقولهم في البقاع. وبحسب أحد وكلاء الدي إي أيه “DEA”: “لقد رأينا صورا لهذا المنفذ ولم نتمكن من تصديق ذلك. هناك، في منتصف هذه الحرب التي دمرت البلد، يقبع ميناء بملايين الدولارات ـ المكان يشبه ميامي! “.
“وكانت المرافئ المبنية بشكل جيد، مع موانئها المتقدمة ذات قيمة عالية. فتحت غطاء الحرب الأهلية، أصبحت جونية المسيحية مركزا رئيسيا لاستيراد الآلاف من السيارات الفاخرة المسروقة من أنتويرب عبر لارنكا إلى قبرص باستخدام شبكات المغتربين اللبنانيين التي كانت تبيع المخدرات في أوروبا، وفق الكاتب.
ويشرح الكاتب كيف أن “نمور شمعون وكتائب الجميل خاضت معارك ضارية في أواخر السبعينيات على مرفأ الجميل من أجل الشحنات القانونية وغير القانونية. ووفقا لإحدى التقديرات، فإن قوات الجميل استطاعت أن تجني خمسة مليارات ليرة من هذا الميناء بين عامي 1975 و1983. وبتشجيع من حكومة مناحيم بيغن، بدأت ميليشيات الجميل المسلحة والمدعومة من قبل إسرائيل بالتسلل باتجاه الشمال واستهدف بشير الجميل القاعدة الاقتصادية لمنافسيه التابعين لميليشيا نمور شمعون”.
وفي 7 تموز/ يوليو 1980 هاجمت “القوات اللبنانية” الموالية للجميل مجموعة واسعة من الأصول التابعة لشمعون، بما في ذلك مجمع العائلة في الصفرا بيتش كلوب، وتحت وابل من القصف العنيف تم تدمير قوات شمعون – جنبا إلى جنب مع العشرات من عمال الموانئ الباكستانيين والمدنيين الآخرين. ويتابع الكاتب “عندما استقر الغبار، نجح الجميل في السيطرة على جائزته: خمسة موانئ كان يدير من خلالها النمور تجارة الحشيش”.
أخيرا وليس آخرا، سيطرت قوات “الكتائب” على مدينة زحلة وسط البقاع بعد معارك مع الجيش السوري وكانت المدينة مركز ترانزيت رئيسيا لتجارة المخدرات… وافقت حكومة بيغن على دعمهم (الكتائب)، ما دفع “إسرائيل” في المرحلة [التالية] لتعميق مشاركتها في لبنان وإقامة عهد قاتل بين “إسرائيل” والمارونيين”، على حد تعبير زئيف شيف وإيهود ياري.
ويوضح الكاتب أن رجال مخابرات بشير كانوا قد سجنوا أربعة أشخاص من وادي البقاع الذين تم القبض عليهم وهم يحاولون بيع ثلاثة كيلوغرامات من الهيروين في بيروت الشرقية، أحد هؤلاء كان صديقا جيدا ومؤيدا سياسيا للشيخ بيار. فاتصل الشيخ بيار بأحد موظفي المخابرات عند بشير، بول أريس، وطالب أن يطلق الرجل. رد أريس: “يا شيخ بيار، لو كان حشيش لفعلت ذلك ولكن هذا هيرويين”، فأجابه بيار “لقد كانوا يقومون بتصدير المخدرات فقط”.
هذا غيض من فيض ما تنضح به ملفات الاستخبارات الاميركية والموساد الصهيوني في ملف المخدرات والأيام القادمة ستكشف المزيد عن هذا الارتباط.