هكذا تحكمت إسرائيل بقرارات الإتحاد الأوروبي.. و”جنّدت” نوابه
وكالة أنباء آسيا-
زينة أرزوني:
رسخت إسرائيل مكانتها في الاتحاد الأوروبي عبر سلسلة شبكات نسجتها مع اعضاء في الاتحاد الاوروبي، ينادون بمصالحها ويضغطون للتأثير على قرارات الاتحاد الاوروبي بما يخدم إسرائيل، خصوصاً بموضوع إقامة المستوطنات، اتفاقيات أبراهام ومعاداة السامية.
فبعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2001، وإثر عمليات القمع والقتل التي مارستها بحق الفلسطينيين، حاول الاحتلال الاسرائيلي تلميع صورته لدى النخب الاوروبية، فقام اللوبي الاسرائيلي بأول تمركز فعليّ له في اوروبا بمساندة اميركية عبر “المعهد العابر للأطلسي” الذي وضعته اللجنة اليهودية الأميركية أو “بناي بريت يوروب”، او منظمات أخرى كمنظمة “أصدقاء إسرائيل الأوروبيين” التي تأسست عام 2006، و”إن جي أو مونيتور”، التي أنشئت عام 2002 وكانت مهمتها نشر الأكاذيب لتشويه سمعة منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية لدى الممولين الأوروبيين، كما انها تسعى لإبطاء الجهود التنموية للاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر الطعن بشركائه في الميدان.
السرية التامة التي يتحرك بها أعضاء هذه المنظمات، منحت اللوبي الاسرائيلي مرونة كبرى، ساعدته على زرع مناصرين أقوياء له داخل البرلمان الأوروبي، يتمثلون بالمجموعات المحافظة والحزب الشعبي الأوروبي، اضافة الى التيار المسيحي الصهيوني، الذين يشكلون إئتلافاً أوروبيا من أجل إسرائيل، يعمل على الحض من أجل تعزيز الأواصر مع إسرائيل، ويدافع عن السياسات المتطرفة التي تتبناها الحكومة، وينادي بشرعية سيطرتها على القدس بأسرها.
ورغم علاقاتها المشبوهة بمعاداة السامية، تقربت إسرائيل من التيارات اليمينية الراديكالية، فقد نجد 6 من أصل 13 عضواً مؤسساً لأصدقاء “الياهودا والسامراء” في البرلمان الأوروبي ينتمون الى هذه التيارات، يشجعون على التبادل التجاري مع المستوطنات في الضفة الغربية، بالرغم من حظر القانون الدولي لها.
اللعب على التناقضات
جماعات الضغط المستترة التي تعمل في بروكسل، استغلت التناقضات بين مصالح النخبة الأوروبية وحرصها المعلن على القانون، فرجال الاعمال لا يكترثون الى ما تقوم به اسرائيل بحق الفلسطينيين، لأن همّهم فرص الاستثمار في “الدولة الناشئة وعالية التقنية”، فهناك العديد من الشركات الأوروبية والإسرائيلية المترابطة بشكل وثيق و التي تعمل على استيراد وتصدير الاسلحة.
العزف على وتر المصالح الاقتصادية، والحملة التي قادتها منظمة أصدقاء إسرائيل الأوروبيين من خلال البلجيكية فريدريك رياس، والبريطانية سارة لودفورد، لتحفيز مجموعة الليبراليين الأوروبيين، أدت في نهاية المطاف الى تصديق البرلمان الأوروبي على الاتفاق حول “تقييم مطابقة المنتجات الصناعية وقبولها” عام 2012، والذي كان قد جُمّد منذ 2010.
نواب لصالح إسرائيل
ولتمرير رسائل تتعارض مع السياسة الرسمية للاتحاد الأوروبي، والدفاع عن مصالح المستوطنين، إستمالت إسرائيل أو جندت مجموعة من النواب داخل البرلمان، وحولتهم الى متجولين لصالحها عبر منظمات ضغط مستترة، فقد كشف تحقيق لصحيفة “لوسوار” البلجيكية، انه بعد فحص جميع إعلانات الرحلات الممولة من أطراف خارجية أعلن عنها أعضاء البرلمان الأوروبي، تبين ان من بين 328 تصريح سفر تم تحليله، كانت إسرائيل وجهة 30 منها، وكان محور جميع برامج السفر هو أمن إسرائيل.
وبحسب الصحيفة انه أتيح لأعضاء البرلمان الأوروبي فرصة زيارة الأنفاق التي بناها حزب ال له على الحدود، أو زيارة المنطقة المتاخمة لقطاع غزة.
من بين المنظمات التي تكفلت بسفر النواب في البرلمان الاوروبي، منظمة تُدعى “مؤسسة حلفاء إسرائيل”، التي يرأسها ديف ويلدون العضو السابق في الكونغرس، هي غير مدرجة في سجل الشفافية في البرلمان الأوروبي وليس لها مكاتب في بروكسل، الا انها تكفّلت برحلتين إلى إسرائيل للنائب الهولندي المحافظ في البرلمان الأوروبي بيرت يان رويسن، والذي يُعد من المؤيدين النشيطين لإسرائيل، ويدافع عن الاستيطان الإسرائيلي، حتى انه زار المستوطنات الإسرائيلية عام 2019، مع أنها غير معترف بها من قبل الاتحاد الأوروبي.
والى جانب “مؤسسة حلفاء إسرائيل”، هناك ثلاث منظمات أخرى تقوم بتمويل رحلات إلى إسرائيل لأعضاء البرلمان الأوروبي، وهي:
-“شبكة القيادة الأوروبية”، التي تقول انها تجمع القادة الذين يؤمنون بأهمية العلاقات الوثيقة بين أوروبا وإسرائيل، على أساس القيم الديمقراطية المشتركة والمصالح المشتركة”.
-“المعهد عبر الأطلسي”، وهو الفرع الأوروبي للجنة اليهودية الأمريكية (AJC)، ويقدم نفسه على أنه أهم منظمة عالمية للدفاع عن حقوق اليهود، وبأنه يهدف إلى مكافحة معاداة السامية وجميع أشكال الكراهية وتعزيز موقع إسرائيل في العالم والدفاع عن القيم الديمقراطية.
-“بناي بريث أوروبا”، تدّعي محاربة معاداة السامية، وإنكار الهولوكوست، مع الدفاع عن مصالح إسرائيل.
اللافت أن تصاريح السفر الثلاثون الى دولة الاحتلال الاسرائيلي، والتي تم فحصها لا تغطي جميع الرحلات المهداة لأعضاء البرلمان الأوروبي في البلاد، حيث اشارت الصحيفة الى أنه من بين 11 مشاركا في رحلة شبكة القيادة الأوروبية في تشرين الثاني عام 2021، تم التبليغ عن خمسة منها فقط، وبعد الكشف عن اسمائهم عملوا على تغيير بياناتهم واعترفوا بالرحلة من بينهم: الإستوني أندروس أنسيب (مجموعة تجديد أوروبا، وسط)، والسلوفينية ليودميلا نوفاك (حزب الشعب الأوروبي، يمين)، والبلغارية إيلينا يونشيفا (التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين)، والإسبانية إيسابيل بنخوميا (حزب الشعب الأوروبي)، وحده الإسباني خوان إغناسيو سويدو ألفاريز، والسويدي ديفيد ليغا لم يعلنا بعد عن الرحلة.
السويدي ديفيد ليغا هو النائب الذي قام بأكبر عدد من الرحلات إلى إسرائيل، يليه أنطونيو لوبيز-استوريز وايت، فهما يتخذان بشكل منهجي مواقف موالية لإسرائيل في عملهم في البرلمان، والدليل على ذلك تدخل لوبيز استوريز وايت، خلال مناقشة حول الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط في تشرين الثاني 2022، حيث انتقد عضو البرلمان الأوروبي “هوساً غير صحّي (من البرلمان الأوروبي) بالدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، أي إسرائيل”.
الرحلات التي يبدو انها بمثابة فرصة لتغذية عقول أعضاء البرلمان الأوروبي وتوجيههم، كما تهدف ايضاً للتميهد لاشراك اخرين وانضمامهم لاحقا إلى “شبكة أصدقاء إسرائيل عبر الأطلسية”، التي تفتخر اللجنة اليهودية الأمريكية بإنشائها، والتي تضم 32 عضوا من البرلمان الأوروبي، برئاسة النمساوي لوكاس ماندل.
تأثير منظمات الضغط المستترة التي لديها قدرة كبيرة التأثير داخل البرلمان الأوروبي، كشفه ايضا موقع أباش” البلجيكي، مشيرا الى ان منظمة “غولدن غيت للشؤون العامة”، التي أسستها جيني أهارون، وهي مستشارة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، كما تقدم نفسها على “تويتر”، تتلقّى تمويلاً من “مجلس شومرون الإقليمي لداغان”، فيما كانت سابقاً تتلقى التمويل من “منتدى كوهيليت للسياسات”، وهو مركز أبحاث إسرائيلي.
تتميز برامج الرحلات الأخيرة إلى إسرائيل التي نُظمت لأعضاء البرلمان الأوروبي، بتنظيم جلسات إحاطة حول اتفاقيات أبراهام، التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين في آب 2020، وتم استكمالها بعد بضعة أشهر باتفاق تطبيع بين إسرائيل والمغرب، والهدف من هذه الجلسات تمكين أعضاء في البرلمان الأوروبي من شن هجوم دبلوماسي ضد من يعارض تطبيع العلاقات بين اسرائيل وجيرانها العرب.
كما جرى الحديث عن إنشاء شبكة جديدة داخل البرلمان الأوروبي، وهي شبكة اتفاقات أبراهام، وبحسب الصحفي ديفيد كرونين، المتخصص في اللوبي المؤيد لإسرائيل في بروكسل، ان هذه الشبكة سيرأسها النائب الأوروبي السويدي كثير السفر إلى إسرائيل ديفيد ليغا.