هكذا امتلكت ثلاثة “فصائل معارضة” #أسلحة_كيميائيّة منذ سنوات
صهيب عنجريني – صحيفة الأخبار
مهّدت «مجزرة الغوطة» لتسليم دمشق مخزونها من الأسلحة الكيميائيّة وانضمامها إلى معاهدة حظرها، لكنّ ذلك لا يعني في حالٍ من الأحوال أنّ البلاد باتت خالية من هذه الأسلحة الفتّاكة.
وإذا استثنينا الترسانة التي أعلنت دمشق إنهاء تسليمها بالكامل أواخر حزيران 2014، وأعلنت الولايات المتحدة انتهاء تدميرها في آب من العام نفسه، يمكن التأكيد أنّ ثلاث جهات (على الأقل) ما زالت تحتفظُ بكميات من الأسلحة الكيميائيّة داخل الجغرافيا السوريّة، هي:
«جيش الإسلام»: الفصيل الشهير
تسلّم في عام 2013 شحنة كيميائيّة واحدةً (على الأقل) من الترسانة الليبيّة. في منتصف ذلك العام (أيّار أو حزيران) انطلقت طائرة تابعة للخطوط الجويّة التركيّة في رحلة خاصّة من مطار مصراتة الليبي، إلى أحد مطارات الجنوب التركي. لم تكن الرحلة الاستثنائيّة مخصّصة لنقل مسافرين، أو مقاتلين (كما حصل في مرّات أخرى)، بل لنقل «شحنة» أشدّ أهميّة من ذلك. «كانت الطائرة محمّلة بأحد عشر صاروخاً مزوّداً برؤوس كيميائيّة»، يقول طه لـ«الأخبار». يؤكّد الشاب السوري المقيم في ليبيا أنّه «عرف هذه المعلومة عبر صديق ليبي، كان شريكاً في بعض الأعمال التجارية ويعمل في مطار مصراتة». يضيف الشاب: «حظي الرجل في تلك الفترة بصلاتٍ كبيرة مع رموز في الجماعات المسلّحة بفضل مسارعته إلى العمل مع ثوّار مصراتة في مرحلة مبكرة». ووفقاً للمصدر، فقد «كانت الصواريخ من طراز غراد معدّلة، انتقلت من مصراتة إلى تركيّا فسوريا حيث وُضعت في عهدة جيش الإسلام (كان يُعرف باسم «لواء الإسلام» حينها) الذي كان أبرز المؤهّلين لفتح معركة دمشق في أي لحظة». ينفي المصدر علمه بتكرار الأمر مع شحنات أخرى «هذه هي الشحنة الوحيدة التي علمت بها، كان صديقي وقتها متحمّساً للخطوة التي ستلعب دوراً حاسماً في الإنجاز المرتقب في دمشق».
«داعش»
في تشرين الثاني من العام الماضي، أكّد تقرير صادر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائيّة أنّ «تنظيم الدولة الإسلاميّة استخدم غاز الخردل ضدّ قوّات المعارضة في مدينة مارع (ريف حلب الشمالي)». ونقلت وكالة «رويترز» عن التقرير تأكيده أنّ الواقعة حصلت في شهر آب 2015. في واقع الأمر، كان «داعش» قد حصل على أسلحة كيميائيّة قبل ذلك التاريخ بأكثر من عام. مقاتل سابق في صفوف «أسود الشرقيّة» الذين خاضوا معارك طاحنة ضد التنظيم في دير الزور عام 2014، يؤكّد أنّ التنظيم «هدّد باستخدام أسلحة كيميائيّة ضدّنا». ويروي المصدر لـ«الأخبار» أنّ «التهديد نُقل إلينا حينها عبر أحد وجهاء العشائر، وكان المطلوب انسحابنا من إحدى النقاط».
يؤكد المصدر أنّ «كتيبة» كان يقاتل في صفوفها تمكّنت بعد تلك الواقعة بشهرين من أسر أربعة مقاتلين من التنظيم «من بينهم قائد عسكري، وقد انتزعنا منه اعترافات تؤكد حيازتهم لتلك الأسلحة». في عام 2015، كان مصدر «جهادي» قد نقل لـ«الأخبار» معلومات غير كاملة عن حصول «داعش» على «سلاح كيميائي من جبهة النصرة في حلب». المصدر أكّد وقتها أنّ ذلك جاء «ضمن إطار تفاهم غير معلن على تقاسم الأسلحة والعتاد» إثر الانقسام الذي وقع بين الطرفين، والتحاق عدد كبير من مقاتلي «النصرة» بالتنظيم. «أخذوا معهم كلّ ما كان تحت أيديهم من أسلحة، بما فيها أسلحة كيميائيّة»، قال.
مجلّة «فورين بوليسي» الأميركيّة نقلت في عددها الأخير روايةً تتقاطعُ مع كلام المصدر وتؤكّد استيلاء «داعش» عام 2014 على ثلاثة براميل من مخزون كيميائي كان في حوزة «النصرة» في ريف حلب.
«جبهة النصرة»
تختلف رواية الحكومة السوريّة في شأن «الكلور» الذي حصلت عليه «جبهة النصرة» («فتح الشّام» حاليّاً) عن الرواية التي أوردتها مجلة «فورين بوليسي» أخيراً في الحيثيّات فقط، وتتفقّان في نقطة جوهريّة: «النصرة» تمتلك سلاحاً كيماويّاً. في كانون الأول 2012 خاطبت الخارجيّة السوريّة كلّاً من مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتّحدة، مُجدّدة التحذير من أنّ «المجموعات الإرهابيّة سيطرت على معمل تابع للقطاع الخاص شرق مدينة حلب يقوم بتصنيع مادة الكلور، ويحتوي أطناناً من هذه المادة السّامة». لم يجرِ التعامل بجديّة مع رسالة الخارجية السورية، وأدرجتها معظم وسائل الإعلام تحت خانة «الكذب السوري الرسمي». لكنّ المجلّة الأميركيّة نشرت في عددها الأخير روايةً تصبّ في خانة الرواية الرسميّة السورية التي كُذِّبَت قبل قرابة أربعة أعوام. تستند الرواية إلى شهادة مقاتل سابق بارز عاصر قدوم زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي إلى ريف حلب عام 2013 والتقى به، وكان شاهداً على تفجّر الصراع بين التنظيم و«النصرة». ووفقاً للشاهد، فإنّ «النصرة استولت على براميل من الكلورين والسارين من قاعدة للجيش السوري هي الفوج 111». تنقل المجلّة عن المصدر قوله إنّه في كانون الثاني 2014 عاصرَ انسحاب «داعش» من منطقة كفرجوم، حيث «حُمِّلَت 200 سيارة وشاحنة بالمقاتلين والأسلحة والأسرى الأجانب». وتقول المجلّة أيضاً إنّ شاهدها رأى من بين العتاد المُحمّل ثلاث حافظات تُطابق الحافظات التي سبق أن كان شاهداً على استيلاء «النصرة» عليها من الفوج 111، وكان عددها وقتها خمس عشرة حافظة.