هزيمة روسية أو عملية استدراج للجيش الأوكراني؟
صحيفة الوفاق الإيرانية-
عمر معربوني :
بداية لا بدّ من التذكير بأهداف العملية الروسية الخاصّة في أوكرانيا، والإنطلاق من هذه الأهداف بعد تعريفها الى توصيف الوقائع والمستجدات الميدانية وتأثيرها على المستوى الإستراتيجي للعملية الروسية، كذلك من المهم التأكيد على أن معركة روسيا الحالية في الجانب العسكري مؤجلة في زخمها ووتيرة تنفيذها إلى الشتاء حيث تبدو المعركة الكبرى التي تسبق الحسم العسكري هي معركة الغاز، ولهذا السبب يتجه الجيش الروسي لتثبيت خطوطه الأساسية في الدونباس، والاستمرار بنفس الوتيرة البطيئة على محاور القتال الحالية في جمهورية دونيتسك وتحصين خطوط الدفاع عن جمهورية لوغانسك المُحرّرة بالكامل.
مع بداية انطلاق العملية الروسية اعلن الرئيس فلاديمير بوتين أهداف العملية الروسية على الشكل التالي:
1ـ الوصول الى مرحلة حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى أية أحلاف.
2ـ منع عسكرة أوكرانيا ومنعها من تصنيع قنابل نووية.
3ـ حماية إقليم الدونباس.
4ـ استئصال النازية.
أـ في البند الأول يمكن الجزم انه بعد انتهاء العمليات لن تستطيع أوكرانيا الإنضمام الى حلف الناتو، ولن تتوفر حتى على المدى البعيد أي موافقة أوروبية وأميركية لضم أوكرانيا الى الناتو لأن ذلك وباعتراف الغرب سيؤدي الى مواجهة نووية ستكون كارثية على البشرية.
ب ـ أما بما يرتبط بالبند الثاني وهو منع عسكرة أوكرانيا فقد تم تدمير البنية العسكرية الأساسية للجيش الأوكراني الذي بات يعتمد بشكل شبه كامل على الأسلحة والعتاد الغربي، ويمكن التأكيد ان 90% من طائرات سلاح الجو الأوكراني خرجت من الخدمة، وكذلك دبابات وعربات القتال الرئيسية، وأعداد كبيرة من قطع المدفعية والراجمات الأساسية سواء تلك الموروثة من حقبة الإتحاد السوفياتي او حتى المصنّعة في أوكرانيا.
وفي هذا البند يمكن التأكيد ايضاً ان الأسلحة الرئيسية في الجيش الأوكراني الآن هي بنسبة 75% غربية تأتي من اميركا وأوروبا والباقي سوفياتية تأتي من دول حلف وارسو السابق.
ج ـ بما يرتبط بالبند الثالث وهو حماية الدونباس فقد تحقق منه تحرير كامل جمهورية لوغانسك وحوالي 60% من أراضي جمهورية دونيتسك وهي عملية مستمرة حتى الوصول الى تحقيقها بالكامل.
د ـ في موضوع استئصال النازية من أوكرانيا يبدو هذا الهدف هو الأصعب على الإطلاق لأن المسألة مرتبطة بعملية تحوُّل تحتاج الى جيلين في الحد الأدنى والشرط الأساسي هو تغيير نظام الحكم في أوكرانيا، والبدء بعملية تصحيح طويلة الأمد لإنهاء عملية تسميم العقول المستمرة منذ عقدين وأكثر والروس فوبيا التي ترسخت في أذهان الشباب الأوكراني.
في تقييم ما تحقق من أهداف يبدو مؤكداً انه مهما طالت العمليات فإن حياد أوكرانيا سيكون البند الأول في أية اتفاقية أو تسوية ورضي به الأوكران في اجتماع اسطنبول مع عدم الدخول في أية احلاف عسكرية، وتراجعوا عنه لاحقاً بسبب الضغوط والرفض الأميركي لأن توقيع اتفاق في آذار/ مارس الفائت كان من شأنه وقف العمليات والبدء بمسار جديد يحقق أهداف روسيا في الحفاظ على أمنها القومي وهو ما لا ترغب به اميركا.
إضافة ما تقدّم باتت روسيا الآن تسيطر على كامل شواطئ بحر آزوف وأكثر من نصف شواطئ أوكرانيا على البحر الأسود وعلى غالبية مقاطعات جنوب أوكرانيا حيث في لوغانسك الإحتياطي الكبير من الفحم والمعادن وحيث الأهمية الحيوية للجنوب الأوكراني في تأمين الحماية لشبه جزيرة القرم.
وبالانتقال إلى ما يحصل منذ أسبوعين على الجبهات والخرق الذي حقّقته القوات الأوكرانية في قطاع خاركوف لا بدّ من الرجوع الى جدول الأولويات الموضوعة من قبل القيادة الروسية وطريقة التعاطي مع الميدان بحسب أهميته.
ومن خلال متابعة مسار العملية نفذّت الوحدات الروسية نوعين من إعادة التموضع:
ـ إعادة تموضع طوعية شملت مقاطعات كييف وتشرنيغوف وسومي وشمال خاركوف كبادرة حسن نية، إضافة الى ان العمليات في هذه المقاطعات كان هدفها اصلاً تنفيذ مناورة تثبيت قوات نجحت الى حد كبير في منع حركة القوات الأوكرانية باتجاه الشرق والجنوب عبر إبقاء التهديد على هذه المقاطعات قائماً، بحيث تصبح القوات الأوكرانية مجبرة على البقاء في خطوطها، علماً ان هذا التدبير يمنع حوالي 35 % من عديد الجيش الأوكراني من تنظيم أي عمليات دعم لجبهات الشرق والجنوب.
ـ إعادة التموضع الأخيرة في مقاطعة خاركوف وتراجع الجيش الروسي من ايزيوم وبالاكليا وكراسني ليمان لتصبح خارطة التموضع الجديدة مرتبطة بضفتي نهر سيفرسكي دونيتسك، حيث بات التموضع الروسي كلياً على الضفة اليمنى والتموضع الأوكراني على الضفة اليسرى.
حتى قبل أيام كنت كغيري اعتقد ان هزيمة حلّت بالوحدات الروسية الى ان بدأت عمليات استهداف واسعة للبنية التحتية في مقاطعة خاركوف ووسط وغرب أوكرانيا لمحطات الكهرباء، وبعض عقد السكة الحديدية ومراكز الاتصال وهو ما يأخذنا نحو تحليل جديد يرتبط بنمط من أنماط الهجوم اسمه الهجوم الإستدراجي بعد اغراء العدو بالتقدم لاستدراجه الى منطقة قتل نموذجية.
وما يرجّح هذا الإجراء ان المنطقة التي استعادتها القوات الأوكرانية هي منطقة مفتوحة الى حد كبير بحيث ان استقرار القوات الأوكرانية فيها سيكون مكلفاً بعد إتمام قطع خطوط الإمداد لخطوط السكة الحديدية والجسور التي بدأ الجيش الروسي باستهدافها.
وحتى في حال عدم استعادة هذه المناطق من قبل الجيش الروسي، فإن عدداً كبيراً من القوات الأوكرانية لن يكون قادراً على المشاركة في دعم معارك الدفاع عن المحاور لجمهورية دونيتسك التي تتعرض منذ فترة لهجمات روسية، وتحديداً على المحور الممتد من سيفرسك شمالاً حتى كوردوميفكا جنوباً مروراً ب سوليدار وارتيوموفسك (باخموت) وعلى محور سلافيانسك ـ كراماتورسك من الشمال وصولاً حتى افييديفكا جنوباً.
ومن المفيد التأكيد على أمر مهم وهو أن الجيش الروسي يمكن ان ينفذ تدبير إعادة التموضع لمجموعة من الضرورات الا بما يرتبط بجغرافيا إقليم الدونباس ومناطق الجنوب الأوكراني، وما يؤكد هذا الأمر هو تحطيم الهجوم الأوكراني على محور خيرسون ـ نيكولاييف لارتباط الأمر بخطوط حمراء ترتبط بأهداف العملية التي اعلنها الرئيس بوتين.
وحتى لو اعتبرنا ان ما حصل هو انسحاب قسري وليس انسحاباً مخططاً له، فإن استيعاب الهجوم الأوكراني ممكن بالنظر الى الهيمنة الجوية الروسية لأن أي عبور لنهر سيفرسكي دونيتسك من قبل القوات الأوكرانية سيكون مكلفاً وكارثياً، وهذا يعني تثبيت الوضع على ما هو عليه، وبذلك تكون القوات الأوكرانية قد ثبتت عدداً كبيراً من القوات خارج منطقة العمليات الرئيسية وهو ما سيساعد الجيش الروسي على تفعيل عملياته بشكل افضل في المرحلة القادمة.
ختاماً، وبالنظر الى مشاركة الجيش الروسي الفاعلة في الدفاع عن سورية وبحسب ما اكتسبه الضباط الروس في سورية تجدر الإشارة الى ان قادة الجبهات الثلاث في أوكرانيا هم من الضباط الذين تناوبوا على قيادة القوات الروسية في سورية، وهو ما يدفعنا للقول ان تكراراً للتكتيكات في سورية نشاهده في أوكرانيا، وهو عامل آخر يؤكد توقعنا باننا أمام عملية استدراج للقوات الأوكرانية على غرار ما حصل مع الجماعات الإرهابية في معركة الكليات العسكرية في مدينة حلب.