هزات سياسية طائفية هل تطال تردّداتها الطائف؟
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
بالرغم من انّ الدولة اللبنانية بمختلف مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تبدو وكأنها تسير في اتجاه الانهيار الكبير، تتبارى بعض القوى والشخصيات والمرجعيات بالغوص في صراعات واجتهادات تكاد تتلاقى او تشبه الخلافات حول جنس الملائكة، والتي في حال تمّ التحقق من ماهيتها فإنّ ذلك لن يستطيع إعادة عقارب الساعة الاقتصادية والنقدية إلى الوراء، أو التخفيف من مفاعيل هذه الأزمة الخانقة التي يعاني منها الشعب اللبناني بكلّ أطيافه.
المفارقة التي يتميّز بها العديد من الأحزاب والقوى والشخصيات هي قدرتها الفائقة على الاستفادة من الشحن الطائفي لغايات ومآرب متعدّدة، وأهداف سياسية بحتة. وكثير منها يدخل في إطار الصراع الانتهازي على النفوذ والاستحواذ على الشارع دون ايّ اكتراث لما أصاب ويصيب الناس من ويلات وابتلاءات اقتصادية وحياتية واجتماعية تطال الأغلبية الساحقة من المواطنين. وخير مثال على اللامبالاة والاستهتار التي يتعاطى بها العديد من القوى والمرجعيات السياسية والحزبية والدينية أنها لم تحرك ساكناً امام كلّ الفرص الاقتصادية والهبات والمنح التي تمّ عرضها على لبنان ومنعت الولايات المتحدة الأميركية الشعب اللبناني من الاستفادة منها، وكانت كفيلة بتخفيف المعاناة عن المواطنين، بينما تراها نفسها تهدر بالصوت العالي وتمارس سياسة التهديد والوعيد حفاظاً على صلاحيات او مكتسبات طائفية هنا وهناك.
الطائفية في لبنان هي إحدى العقبات الرئيسية التي تقف حائلا أمام الارتقاء الاجتماعي والتجانس الوطني، إذ أفرزت الأزمة الأخيرة بعد الفراغ الرئاسي العديد من التداعيات والانعكاسات ليس فقط على المستويات السياسية والاقتصادية، بل أيضاً على المستويات الاجتماعية والعقدية والميثاقية، ومع تعدّد الدراسات والاجتهادات التي تناولت الأزمة من مختلف أبعادها، إلا أنّ تلك الدراسات والاجتهادات ظلت تدور في حلقات يطغى عليها التجاذب السياسي وهو ما ينعكس سلباً ويتخوّف في حال اتساع حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي وارتفاع الخطاب الطائفي الذهاب سريعاً نحو التفكك المجتمعي ما سيؤثر حتماً على النظام السياسي القائم الذي تسالم عليه اللبنانيون وأنتج وثيقة الطائف التي أنهت حرباً طاحنة تداخلت فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية وسط تقاطعات أدّت الى إجراء تسوية سياسية اشترك فيها معظم القوى اللبنانية، وبالرغم من الثغرات والشوائب التي اعترتها الا أنها ساهمت في عودة الأمن والاستقرار الذي كانت تنشده مختلف الأطياف اللبنانية.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبقوة هو: هل انّ تسوية الطائف قد أفل نجمها، وهل انّ التجاذبات السياسية والاجتهادات المتنوعة بين مختلف القوى والشرائح اللبنانية ما هي إلا إرهاصات لولادة عقد جديد ونظام سياسي بديل…؟