هذا ما حذرنا منه سابقا
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
على وقع التفجيرات الإرهابية في سوريا والتي تستهدف المدنيين حيث كان آخر هذه التفجيرات الإرهابية تفجير عبوة ناسفة موضوعة في كيس للقمامة بشارع مزدحم في منطقة السيدة زينب بريف دمشق أسفر عن مقتل وإصابة عشرات الأبرياء، أعربت الولايات المتحدة على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون ـ والتي تتقاسم مع دول أوروبية وعربية ولاء المعارضة السورية المسلحة ـ عن قلقها من تزايد التطرف في سوريا التي يتدفق إليها بصورة غير مسبوقة المتطرفون والتكفيريون والإرهابيون باسم “الجهاد” و”طلب الشهادة” و”الفوز بالجنة”، داعية في مواجهة هذا التدفق “المقلق” المعارضة السورية إلى أن تتوسع وتقاوم بشكل أقوى محاولات هؤلاء المتطرفين لتحويل مسار “الثورة”، مدعية في الوقت ذاته أن هذا التطور هو أحد الأسباب التي دفعت بلادها لمساعدة المعارضة المسلحة من أجل توحيد صفوفها.
إن هذا القلق الأميركي يأتي من خشية الأميركيين من أن تتحول السيطرة الميدانية إلى المتطرفين والإرهابيين والتكفيريين، وليس تعبيرًا عن الذنب الذي ارتكبته واشنطن وحلفاؤها بتشجيع هجرة التطرف والإرهاب والتكفير إلى داخل سوريا. وفي حقيقة الأمر إن ما دعا سفيرة السياسة الأميركية إلى إطلاق هذا التحذير إلى المعارضة السورية المسلحة لأن توحد صفوفها، هو المواجهات الأخيرة التي اندلعت في شرق حلب بين هؤلاء الإرهابيين والمتطرفين وبين المتمردين المعارضين، حيث بات تنظيم القاعدة في الخطوط الأمامية لقتل الشعب السوري وإذكاء دوامة العنف ومن ورائه مسلحو المعارضة الآخرون الذين يؤكدون أنهم بحاجة ماسة إلى عناصر التنظيم وبقية الأذرع التابعة له لتقاتل معهم جنبًا إلى جنب، ما جعل هذه العناصر الإرهابية والتكفيرية والظلامية هي الآمر والناهي وصاحبة الكلمة وصاحبة الشروط التي تمليها على مسلحي المعارضة السورية وفرض أجندتها، وتصفية كل من يحاول الانشقاق عنها أو إلقاء السلاح والتوبة عن الجرم الذي ارتكبه بحق وطنه وبحق أبناء شعبه وبحق إخوته في الدين والعروبة، وهذا ما سبق وحذرنا منه في مقالات سابقة من أن خيار العنف والقتل وإثارة الفوضى الذي اختارته المعارضة السورية هو خيار ومسلك خاطئ ومدمر، وأن محاولة الاستعانة، سواء بالجماعات الإرهابية والتكفيرية والظلامية والمرتزقة أو الاستعانة بدول الاستعمار القديم ـ الجديد، هي محاولة خاسرة ومؤذية للشعب السوري ولسوريا بوجه عام، ولن تخدم إلا من يتم الاستعانة بهم؛ لأنهم جاؤوا من أجل أجندة خاصة بهم أو ينفذون أجندة بالوكالة والنيابة؛ ومعروف أن من يتم الاستعانة به يفرض شروطه الأعلى والأصعب على من طلب معونته، فإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها من مصلحتهم تدمير سوريا خدمة للكيان الصهيوني، فإن صوت العقل يقول ليس من مصلحة المعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة هذا التدمير؛ لأنها ستغدو على وطن مدمر وممزق، السيطرة فيه ستكون للإرهابيين والعمليات التفجيرية المستمرة، وساعتئذ لن يقف بجانبها أو يعاونها على الاستقرار لا الولايات المتحدة وحلفاؤها الساعية إلى هذا الوضع، ولا الجماعات المسلحة بمختلف معتقداتها الفكرية والآيديولوجية.
إن هناك جهودًا سياسية يقودها الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا وكذلك الدول الحريصة على استقرار سوريا كروسيا والصين حيث طرحت الأخيرة مبادرة جديدة لحل الأزمة السورية من أربع نقاط لوضع حل سياسي للنزاع السوري يقوم على حث كل الأطراف في سوريا على وقف إطلاق النار وأعمال العنف، وبدء فترة انتقال سياسي في أقرب موعد، والتعاون بنشاط مع جهود الوساطة التي يقوم بها الإبراهيمي بجانب قيام الأطراف المعنية بتعيين محاورين مفوضين في أسرع وقت ممكن من أجل مساعدة الإبراهيمى والمجتمع الدولي لصياغة خارطة طريق للانتقال السياسي عبر المشاورات، وإقامة جهاز حكم انتقالي بقاعدة عريضة، وزيادة المساعدات الإنسانية للشعب السوري، فهذه الجهود بالإضافة إلى نتائج مؤتمر جنيف التي وافق عليها مجلس الأمن الدولي تمثل مخرجًا آمنًا للجميع وبخاصة المعارضة السورية من المأزق الذي وضعت نفسها فيه بخيارها غير الحكيم والمدمر، وعليها أن تعيد النظر وأن تتجاوب مع دعوات الحل السياسي إذا كانت تسعى حقًّا لتحقيق مطالب الشعب السوري.