هجوم داعش ومستقبل المنطقة
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
صعدت منظمة داعش إلى واجهة الأحداث في المنطقة بعد هجومها الواسع داخل العراق انطلاقا من مدينة الموصل وما بدا في قمة الإثارة هو التمدد السريع لجحافل المسلحين المنتمين إلى خليط من القاعدة وقدماء البعث من أنصار عزة الدوري نائب الرئيس السابق صدام حسين الذي بات في الحضن السعودي من سنوات مع الإشارة إلى عزوف سكان المناطق التي شملها الاجتياح الداعشي عن احتضان جموع المسلحين التكفيريين ،ماعبر عنه النزوح الكثيف إلى المناطق الكردية.
أولا الثغرات القاتلة التي ظهرت في تكوين الجيش العراقي ولاسيما ضعف إرادة القتال في وجه هجوم الخليط الداعشي – الدوري ناتجة عن تعثر إعادة البناء الوطني لهوية القوات المسلحة العراقية منذ انسحاب الاحتلال الأميركي وبعدما ضرب المحتلون العامود الفقري للجيش العراقي بنتيجة قرار حله الذي اتخذه الحاكم الأميركي بول بريمر والذي لم يجر العمل لإزالة ذيوله وآثاره بإعادة احتواء بعض مكونات الجيش السابقة على قواعد جديدة فقد تحكم بالسلطات العراقية حس الانتقام والكيد ووهم “الاجتثاث “.
تقود حالة الاشتباك الطائفي والعرقي والمذهبي المستمر في العراق إلى حالة من التفكك والارتباك تعيق تبلور الوطنية العراقية كهوية جامعة تمثل عصبا لا بد منه في تكوين عقائد الجيوش فالصراع على مستقبل العراق مستمر على أشده بين المكونات السياسية العراقية بما تمثله من عصبيات الانتماء الفئوي التي تحكمت بسلوك واداء القوى السياسية العراقية المتناحرة فيما بينها وبما في ذلك من تنافس حدي وإلغائي احيانا داخل كل مجموعة طائفية او عرقية بينما تغيب عن الواقع السياسي العراقي الظواهر العابرة للخنادق والعصبيات رغم جسامة التحديات والأزمات التي توجب مثل هذا التوجه الذي أراد الأميركيون قطع الطريق عليه عندما فرضوا الفيدرالية وغذوا نزعات الانقسام والانفصال وعندما تصرفت الجهات المسيطرة في العراق بسلوك بعيد عن منطق الاحتواء في الشراكة الوطنية فأنشات بذلك واقعا يغذي فرص تنامي الاتجاهات المذهبية المتطرفة ويشكل حاضنا للجماعات القاعدية ومثيلاتها .
ثانيا داعش الفصيل المتحدر من القاعدة ومعه شريكه عزة الدوري وأتباعه من البعثيين السابقين وفدائيي صدام يحظون بدعم سعودي وتركي معروف منذ أمد غير قصير وهو ما ينبثق من رهان المملكة السعودية وحكومة الوهم العثماني على حجز موقع في مستقبل العراق وتتداخل في ذلك الرهان حسابات النفوذ السياسي الإقليمي بالاشتباك المستمر مع إيران والصراع على خارطة المنطقة ومستقبلها وتورط كل من الرياض واسطنبول في العدوان على سورية .
الدعم الأميركي والغربي والتركي – الخليجي للفصائل القاعدية ومثيلاتها في سورية لا يمكن وقفه عند حدود العراق بالنظر للتواصل الجغرافي والسكاني ولفعل عناصر البعد الحيوي في الإقليم وقد كان ضربا من النفاق السياسي والخرافة ان تعلن الولايات المتحدة عن دعمها لجهود الحكومة العراقية في وجه الإرهاب بينما الإدارة الأميركية هي حاضنة الإرهاب الذي تقاومه الدولة السورية التي وضعت جميع دول العدوان في حالة انكشاف عندما عرضت موجبات اولوية مكافحة الإرهاب في سورية والمنطقة وما تقتضيه من التزامات عملية وقانونية وميدانية تحكم وقف التمويل والتسليح وتوقف حملات شحن التكفيريين إلى المنطقة من كل انحاء العالم وتعاقب المتورطين ويستحيل تصفية معاقل الإرهاب بصورة نهائية ما دامت منظومة العدوان على حالها وما لم تقم في وجهها وعلى أنقاضها منظومة تعاون تتصف بالمصداقية والحزم.
ثالثا الخطر المحدق بالعراق هو نفسه الذي تجابهه سورية ولا مفر من توحيد الجهود في جميع المجالات وأول ما هو مطلوب من السلطات العراقية يتثمل في التحرك لتوليد حالة من التضامن الوطني ضد الإرهاب ينبغي بذل جميع الجهود لضم جميع المكونات العراقية إليها دون تردد وبلورة شراكة وطنية حقيقية على أساس التكافؤ في الحقوق والواجبات في مستويات السلطة السياسية الحاضنة لمنظومة الدفاع عن الوطن ولحملة فرض السلم والأمان في جيمع انحاء البلاد وهو الطريق الوحيد لتفعيل المخاض المولد لدولة العراق الوطنية ولجيشها الوطني المتماسك والصلب فهذا العاملان : تماسك الدولة الوطنية وصلابة القوات المسلحة هما سر الصمود السوري في وجه العدوان الاستعماري الذي استعمل فصائل الإرهاب القاعدية لتدمير سورية التي نجحت بترسيخ الوحدة الوطنية في تقليص البيئة الحاضنة وتفكيكها لعزل الجماعات التكفيرية ومحاصرتها ويقينا إن في توقيت الهجوم الإرهابي الواسع في العراق محاولة للرد على التحولات السورية المتوجة بانتخابات الرئاسة الأخيرة تقف خلفها المملكة السعودية ومن غير ممانعة اميركية فحملة داعش – الدوري تقترب بالمخاطر إلى الحدود الإيرانية وتزيد من فرص الضغط على إيران في توقيت تفاوضي دقيق وهي اختبار لفرص الحد من مفاعيل الانتصار السوري ونتائجه الميدانية والسياسية على مستوى المنطقة.
توثيق التعاون السوري العراقي هو الخيار وهو النواة المؤهلة لإطلاق تحرك دولي إقليمي في مجابهة الإرهاب وأخطاره المتزايدة في المنطقة والعالم ويمكن لبغداد ودمشق بتوحيد جهودهما تأسيس محور مناهض للإرهاب يحاصر المتورطين بدعمه واستعماله ويفرض معادلة قوة جديدة في بلاد الشام ضد الإرهاب التكفيري ومشاريع التقسيم المذهبي والعرقي التي يستخدم لتنفيذها على الأرض.