هاجس أنقرة من عودة مصر إلى منافسة دورها
صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمد نور الدين:
لا تزال التطورات في مصر محور اهتمام المسؤولين الأتراك الذين يعقدون الاجتماع تلو الآخر لتقييم الموقف، وهم في مأزق واضح من خيار الدفاع عن «جماعة الإخوان المسلمين»، وهو الذي فعلوه، وأدى إلى خسارة مصر، حيث لم يسجل حتى الآن أي اتصال بين أنقرة وقادة النظام الجديد في مصر، ولم يرسل بعد الرئيس التركي عبدالله غول أي رسالة إلى الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور من باب الأعراف الديبلوماسية على الأقل. كما أن الخارجية المصرية استدعت سفيري تركيا وتونس للاحتجاج على تدخل بلديهما في الشأن المصري الداخلي.
والتخبط التركي واضح من خلال ما كشفت عنه صحيفة «طرف» أمس من أن البريد الديبلوماسي التركي من القاهرة كان يجزم، قبل ساعات قليلة فقط، بعدم حصول انقلاب عسكري.
وبرغم تقارير السفارة التركية في القاهرة غير المتوقعة للتغيير في مصر فإن الحكومة التركية قررت إبقاء السفير حسين عوني بوتسالي في القاهرة برغم انتهاء مدته في 30 حزيران الماضي. وذكرت الصحيفة أن السبب هو التأثير الذي يملكه بوتسالي في الساحة المصرية.
وينصح الكاتب في صحيفة «ميللييت» غونيري جيفا اوغلو حكومة رجب طيب اردوغان بإعادة النظر في موقفها المندد بالانقلاب العسكري، وبعدم تأييد طرف دون آخر. ويقول إن العلاقات بين تركيا ومصر في عهد حسني مبارك كانت تمر في لحظات صعود وهبوط، لكنها لم تصل إلى مرحلة القطيعة ولا في أي لحظة.
والتداعيات السلبية للموقف التركي على العلاقات بين البلدين انعكست في ملاحقة الأمن المصري للعديد من الصحافيين الأتراك الذين يغطون بصورة منحازة الأحداث، ويلفقون الأخبار، ولا سيما تلك المؤيدة لـ«حزب الحرية والعدالة» ومنها صحف «ستار» و«خبر تورك» و«أقشام» و«يني شفق» و«سي ان ان تورك».
وذكرت «أقشام» أن تركيا أعدت خطة لإجلاء الرعايا الأتراك من مصر في حال تفاقم الوضع أكثر من ذلك، في خطوة استباقية لأية ردة فعل ضدهم، من دون إغفال محاولة أنقرة خلق مناخ معنوي ضاغط على النظام الجديد في مصر، عبر تصوير الوضع على انه من الخطورة بحيث يتوجب سحب الرعايا.
ويبلغ عدد الرعايا الأتراك في مصر حوالي سبعة آلاف شخص، منهم 5500 في القاهرة و500 في الإسكندرية و400 طالب يتعلمون اللغة العربية. وعلى غرار إجلاء 25 ألف تركي من ليبيا فإن الأولوية هي لنقل الرعايا جواً أو عبر سفن إلى ميناءي مرسين والاسكندرون، وفي حال الضرورة يتم الإجلاء بمساعدة سلاح الجو التركي إلى قواعد في منطقة قونية.
وكان الموقف التركي «المبدئي والأخلاقي» مثار سجالات صحافية. حيث يتساءل جنكيز تشاندار في صحيفة «راديكال» عما إذا كانت الديموقراطية هي بالفعل همّاً لرئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان. وكتب «يكرر رئيس الحكومة ووزير الخارجية (احمد داود اوغلو) إن موقف تركيا المعارض للانقلاب العسكري في مصر هو موقف مبدئي وأخلاقي. ولكن هل هذا صحيح؟».
وأضاف «من التجارب السابقة يتبين لنا عكس ذلك، وهو أن أنقرة قد تعرضت لضربة كبيرة مع سقوط حكم الإخوان المسلمين، ولا تدري ماذا تفعل سوى اللجوء إلى شعار الموقف الأخلاقي. لأن من يدافع عن الديموقراطية لا يستخدم العنف المفرط ضد المتظاهرين في تقسيم ولا ضد الأكراد في جنوب شرق تركيا، ولم يكن ليستقبل (الرئيس السوداني) عمر البشير وهو كان مداناً كمجرم حرب. إن الموقف التركي ينطلق من كون أصحاب السلطة في أنقرة شركاء إيديولوجيين للإخوان في القاهرة».
وفي «ميللييت» ذكر فؤاد كايمان بنواقص الديموقراطية في تركيا، فقال إن «الموقف التركي في انتقاد الانقلاب العسكري في مصر لا أثر استراتيجياً له، بل يمكن أن يلحق الضرر بعلاقات تركيا بالشرق الأوسط وينهي النموذج التركي». وأضاف «إذا كان من خطوة صحيحة تخطوها تركيا فهي في تعزيز الديموقراطية في الداخل التركي أولا، مثل إكمال عملية حل المشكلة الكردية وإنجاز دستور ديموقراطي وإحياء مسار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي».
ويحذر جان دوندار بدوره من عودة مصر لتكون في موقع «المنافس الأزلي» لتركيا بعد الموقف الانتقادي التركي للانقلاب العسكري. ويقول «هناك اختلافات وتشابهات بين ميدان تقسيم وميدان التحرير (في القاهرة). في الأول أغنياء وفي الثاني فقراء. في الأول نساء أكثر وفي الثاني رجال أكثر. لكن التشابه في أن اردوغان و(الرئيس المصري المخلوع محمد) مرسي أدارا بصورة سيئة الأحداث، وسمعا معاً من الغرب أن الديموقراطية ليست عبارة عن صندوق اقتراع فقط وإنهما توحدا في تحريض أنصارهما لعدم الاستسلام والصمود واستخدام الشارع ضد الشارع. لكن لا شك أن موقف تركيا الرسمي المعارض للنظام الجديد، والاندماج الكامل بالإخوان المسلمين سيضيق مجال المناورة أمام تركيا، والحماسة التي رفعها اردوغان ورفاقه بأن جماعتنا (في مصر) وصلوا إلى السلطة وحان وقت إحياء الخلافة العثمانية، أعادت مصر من جديد إلى دور المنافس الأزلي لتركيا».
وتكتب صحيفة «زمان» الإسلامية ان قادة «حزب العدالة والتنمية» يتابعون الوضع في مصر وسط مخاوف من خسارة الإسلام السياسي، ليس في مصر فقط بل في شمال أفريقيا والعالم الإسلامي، لذا ردة فعله موجهة لكل العالم الإسلامي. وتقول «لكن أخطاء العدالة والتنمية في إدارة ملف حديقة جيزي واستخدام القوة المفرطة والقمع ضد الصحافيين وإلقاء اللوم على الخارج يدل على أن الحزب لن يتراجع عن أخطائه، وانه سيستمر في إستراتيجيته الحالية التي أبقته في السلطة 10 سنوات».
وتنتهي الصحيفة إلى القول «لكن الحكاية لن تقف هنا، فعندما يصبح اردوغان رئيساً للجمهورية في العام 2014 ليس من أي ضمانة لكي يبقى حزب العدالة والتنمية على ما هو عليه، وستنفتح الطريق أمام جيل جديد منفتح ومتسامح ومتصالح مع الآخرين. إن مستقبل الديموقراطية في تركيا مرتبط بشكل وثيق بمرحلة ما بعد اردوغان في قيادة الحزب».