هآرتس: حزب الله قد يفرض مواجهة تنعكس على كل المنطقة
موقع الخنادق
يدرس كيان الاحتلال خيارات المواجهة القادمة باختلاف أنواعها بعد الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ويضع على الطاولة ما هو أبعد من المواجهة البحرية، عملاً بالعقيدة التي بات يؤمن بها بأن أي مواجهة جديدة مع حزب الله بعد حرب تموز ستكون أشد تعقيداً وصعوبة.
من جهتها أشارت صحيفة هآرتس في مقال لها إلى ان “الأفضل أن يبلور متخذو القرارات في إسرائيل أهدافاً استراتيجية واقعية، ويأخذوا في الحسبان بأن حزب الله أيضاً -مثلما في حالة قطاع غزة- قد يفرض على إسرائيل البحث عن بدائل مثل “استنزاف محدود” أو مواجهة عسكرية تنعكس على كل المنطقة”.
النص المترجم:
بعد مرور 16 سنة على حرب لبنان الثانية تقف كل من إسرائيل وحزب الله في النقطة الزمنية الأكثر حساسية منذ العام 2006. يقف الخلاف في بؤرة التوتر الحالية بين الطرفين حول ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية ونية إسرائيل البدء في استغلال الغاز الطبيعي في حقل “كاريش” المختلف عليه بين إسرائيل ولبنان. لم تعرض الخطة الإسرائيلية في لبنان كمحاولة لسرقة الحقوق الاقتصادية للبنان، الموجود في أسوأ وضع اقتصادي في تاريخه.
منذ دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ في 14 آب 2006 تجري العلاقات بين الطرفين في إطار “قواعد اللعب” و”الردع المتبادل”. ولكن الطرفين الآن في أزمة متدحرجة تنطوي على خطر ملموس للتصعيد. في 5 حزيران الماضي تموضعت منصة النفط التابعة للشركة اليونانية “اينرجيان” في نقطة مرساها قرب حقل “كاريش”. وبعد أربعة أيام، أعلن حسن نصر الله، بأن حزبه “لن يقف مكتوف الأيدي” إزاء “سرقة الكنز الوحيد والأمل الوحيد للشعب اللبناني”. وقد طلب حسن نصر الله أن تتوقف الإعدادات لسحب الغاز، التي يتوقع أن تبدأ في أيلول بشكل فوري. وحذر من أن لدى حزبه القدرة على منع استخراج الغاز وأن “جميع الخيارات موضوعة على الطاولة وبدون أي تردد”. في نهاية حزيران وبداية تموز، أطلق حزب الله طائرة مسيرة نحو المنصة كإعلان نوايا فعلي أولي.
في 13 تموز اتخذ نصر الله خطوة مهمة أخرى، وأعلن بأن حزبه ينوي القيام بتصعيد تدريجي في الأسابيع القادمة لفرض تسوية سياسية تنظم حقوق لبنان، أو توقف العملية الإسرائيلية، ولو كان ذلك بثمن اندلاع حرب. النزاع الحالي يحمل طابع الأزمة بسبب اندماج تهديد حقيقي وضغط الوقت وخطر تبادل لكمات قد يخرج عن السيطرة. كل ذلك يحدث في الساحة البحرية التي لم يعتدها الطرفان. حزب الله الذي بدأ في الصعود إلى أعلى سلم التصعيد، يعرض الآن ما هو متاح بمفاهيم مصيرية. حسن نصر الله، الذي يشخص “فرصة ذهبية” للبنان في ظل أزمة الطاقة العالمية، أدرك أنه إذا بدأ استخراج الغاز في أيلول فسيبقى لبنان بدون قدرة على المساومة.
ربما سيفضل حزب الله في الفترة القريبة القادمة فرض حرب استنزاف على إسرائيل في محاولة لتشويش وتعويق أو وقف تشغيل المنصة، دون التدهور إلى مواجهة واسعة. سيصبح حقل “كاريش” كنوع بحري معادل لمستوطنات غلاف غزة. وثمة أوجه تشابه بين الحالتين. كما نتذكر، محاولات إسرائيل فرض رفع يد المنظمات الفلسطينية عن مستوطنات الغلاف، أدت بدءاً من منتصف 2018 إلى سلسلة من جولات التصعيد والتي اقتصرت على مستوطنات الغلاف، لكنها تضمنت أحياناً الفضاء الذي يقع في جنوب خط الأربعين كيلومتراً عن قطاع غزة وهددت بالانزلاق نحو “غوش دان”. في الوقت الذي تقف فيه إسرائيل أمام بدائل استنزاف دائم للقطاع أو استخدام قوة وتصعيد إلى درجة عملية عسكرية، فإنها اختارت احتمالية تقديم بادرات حسن نية وتنازلات اقتصادية مهمة تجاه حماس وقطاع غزة. حماس من ناحيتها استغلت جولات التصعيد لعرض قدرتها الصاروخية.
على إسرائيل الأخذ في الحسبان بأنها قد تقف قريباً أمام تحد مشابه حتى لو كان أخطر في الشمال. ومثل حماس، التي كانت تأمل بكسر الوضع الراهن دون التدهور الشامل، يطمح حسن نصر الله إلى فرض تغيير على سياسة إسرائيل دون الانزلاق إلى حرب. ولكن إذا حكمنا على الأمور حسب رسائله العلنية، فإن عدم رغبته في إحداث اشتعال لن يمنعه من المخاطرة بالمواجهة. ومثلما قال في خطابه الأخير، فإنه يفضل الحرب على استمرار التوجه الحالي. هذه الأقوال تشكل تغيراً جوهرياً في رؤية مصالح حزب الله. المرة الأخيرة التي ساد فيها تفكير مشابه في أوساط رؤساء حزب الله كان عشية حرب لبنان الثانية، ففي حينه، وقف الحزب أمام محاولة دولية لنزع سلاحه.
منذ العام 2006 تم تسجيل مناوشات بين إسرائيل وحزب الله على “قواعد اللعب” المسموحة. وقد توصل الطرفان إلى تفاهمات واضحة حول معايير معينة، التي ترسخت فعلياً كـ “مقبولة”، وفيها استثناء لبنان من المعركة بين حربين. على سبيل المثال، اكتفى حزب الله، عقب اغتيال رجاله في سوريا، بردود محددة كان هدفها الحفاظ على قواعد اللعب. الآن يصدر حزب الله إشارات بأن الطائرة المسيرة التي أطلقها نحو منصة الغاز والتي تم إسقاطها على يد الجيش الإسرائيلي، لم تكن إلا “البداية المتواضعة” للعملية، التي استهدفت تقويض الوضع الراهن الاقتصادي، حتى لو بثمن التصعيد.
ربما يشير حزب الله إلى استعداده للمخاطرة بحرب شاملة من أجل ردع إسرائيل عن تجاوز سقف ما. ولكن قد يعتقد الحزب بأن التهديد بالمواجهة سيحقق له إنجازات استراتيجية. تحدث حسن نصر الله للمرة الأولى بصراحة عن أرض حاسمة حيوية لخدمة أهداف سياسية، في الوقت الذي يهدد فيه ليس أقل من التشويش على تزويد الطاقة لأوروبا.
إلى جانب الأهمية التي يمكن أن تكون لهذا التصادم في السياق الإسرائيلي – اللبناني، يجب الأخذ في الحسبان تغيرات الواقع الجيوسياسي الإقليمي. إذا كان نصر الله قد أوضح في كانون الثاني 2000 بأن حزبه سيركز على النضال ضد التطبيع خصوصاً بعد تأسيس اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا ولبنان، فحزب الله الآن هو رأس الحربة لـ “محور المقاومة”، وهو معسكر إقليمي يطمح إلى تأسيس نظام مناهض للغرب. هذا المعسكر الذي تعد إيران القوة المهمة فيه، يضم سوريا وحزب الله وقطاع غزة ومليشيات عراقية والحوثيين في اليمن. سيكون للمواجهات المحتملة تداعيات على المنافسة الاستراتيجية بين إسرائيل ومعسكر المقاومة.
في العقود الثلاثة التي ترأس فيها حسن نصر الله حزب الله فإن عدد المرات التي تعهد فيها بشكل واضح بأن يشن نوعاً من الحملة العسكرية، محدود. في 25 نيسان 2006 توجه نصر الله في خطابه إلى المخرب سمير قنطار الذي كان سجيناً في إسرائيل، وقال: “أؤكد لك بأننا سنلتقي قريباً جداً جداً جداً. ستعود بواسطة بندقية المقاومة ودم المقاومة وعملية من عمليات المقاومة”. هذه الأقوال أثارت صدى ضئيلاً في إسرائيل، ولم يكترث أحد لتهديده. بعد شهرين ونصف، اندلعت حرب لبنان الثانية، التي جبت ثمناً باهظاً من حزب الله، لكنها رسخت وجوده كمنظمة عسكرية وساعدت في تحويله إلى لاعب إقليمي. السبت، أعلنت شخصية رفيعة في حزب الله، محمد رعد: “لا نأمل الحرب… لكن سترون قوتنا قريباً”.
إذا كان الطرفان في بداية مرحلة جديدة، فالأفضل أن يبلور متخذو القرارات في إسرائيل أهدافاً استراتيجية واقعية، ويأخذوا في الحسبان بأن حزب الله أيضاً -مثلما في حالة قطاع غزة- قد يفرض على إسرائيل البحث عن بدائل مثل “استنزاف محدود” أو مواجهة عسكرية تنعكس على كل المنطقة.