نُذر التصعيد الإقليمي وخطورة التقدير الخاطئ لصبر المقاومة
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
من المفارقات المخزية والتي يندى لها الجبين أن يكون النفاق الدولي بهذه الفجاجة، حيث تقام المؤتمرات التي تحمل عناوين “مساعدة لبنان” بمشاركة وتنظيم من يحاصرون لبنان ويقطعون الطريق على مساعدته الحقيقية والجوهرية.
وذات المفارقات الفجة والمخزية تنطبق على سوريا، عندما يتم حصارها وتدميرها وإغراقها بالتكفيريين بذريعة نيل الشعب السوري حريته وحمايته من القمع والديكتاتورية المزعومة!
وبمد الخيط وصولا للجمهورية الإسلامية، يتم فرض الحصار والعقوبات غير الإنسانية والافتراءات، تحت بند تحرير الشعب الإيراني من “الثيوقراطية ” و(النظام الراعي للإرهاب)، رغم أن الجمهورية الاسلامية حاربت وشكلت أكبر داعم لمحاربة الإرهاب الذي رعته الأنظمة المشاركة في عقد مؤتمرات حقوق الشعوب.
ولا شك أن اليمن خير شاهد على هذا النفاق، حيث العدوان والتجويع وإدخال المرتزقة من كل حدب وصوب تحت أعين المنظمات الدولية والتي تساوي بينهم وبين مقاومة يمنية خالصة تسعى لتحرير أرضها ونيل استقلالها الوطني.
لا شك أن القضية الفلسطينية هي دليل دامغ على بطلان القانون والعدالة الدولية، وعلى حماقة الرهان على الغرب، حيث تخطت أكبر جريمة في العصر الحديث السبعين عاما دون حل ودون تنفيذ أية قرارات اتخذت في ظل توازنات مختلفة ، وثبت أنها تسقط بتقادم التوازنات، لتبقى القرارات رهينة ميزان القوة لا ميزان العدل.
المؤسف أن التعمق في التفاصيل يأتي بنتائج أكثر فجاجة وخزيًا، مثل ارتهان القوى السياسية داخل البلدان للغرب وتغليب مصالحها على مصالح أوطانها وتنفيذ اجندات الاستعمار مهما حملت بنودها من خراب ودمار قد يلحق بها شخصيا.
ولا يشكل الوضع في لبنان مصداقا فقط لهذه المفارقات المؤسفة، بل يعد نموذجا صارخا لها، حيث يعتلي الفاسدون منصات الشرف لوصم الشرفاء بالعمالة والتسبب في الخراب، رغم أن الخراب كان نتاج فسادهم وارتهانهم وانصياعهم الأعمى لمشغليهم.
وحيث يتم الحديث عن السيادة اللبنانية من مقار سفارات خارجية تعتبر مجرد تنويع التعاون لكسر الحصار ارتهانا واختراقا!
ما يحدث في لبنان قد تخطى نطاق الازدواجية إلى نطاق العبث وتحولت نذره من نطاق الأزمة إلى نطاق الفوضى، والتي تتزامن معها عدة إجراءات نراها مخططة ولا يخضع تزامنها للصدفة، ويمكن رصدها كما يلي:
1- تنظيم فرنسا لمؤتمر دولي من أجل (مساعدة لبنان)، بالتعاون مع الأمم المتحدة، وجعله متزامنا مع الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، يوحي بعدة دلالات، وهي أن الانفجار وملابساته والدعايات المصاحبة له ومحاولات توظيفه سياسيا هي المناخ المحيط بالمؤتمر والذي يحكم شروط المساعدات والانقاذ، وهو ما يحمل تداخلا وخلطا بين أسباب حقيقية متعلقة بالفساد وتغليب الطائفية السياسية، ودعايات وفبركات أرادت حشر المقاومة واستهدافها، وذلك بغرض الضغط على المقاومة وانتزاع تنازلات منها مقابل الإنقاذ والمساعدة للبلاد.
ناهيك عن أنه يثير الشكوك في أن الانفجار كان متعمدا لتدشين الوضع الراهن وما يخطط له من مآلات.
2- ويؤكد ذلك الطرح، بروز دعوات مشبوهة للتظاهر بالتزامن مع الذكرى، وبالتزامن مع المؤتمر، وهذه الدعوات حملت دعايات مخططة وموظفة لاستهداف المقاومة، والغرض منها معروف، وهو استفزاز المقاومة وجرها لتوترات أمنية من جهة، وربط الأزمة والمساعدات بسلاح المقاومة وهو العنوان الجوهري للاستهداف من جهة أخرى.
3- تزامنُ “كمين خلدة”، مع هذه الأحداث واستباق التظاهرات والمؤتمر الدولي، يؤكد أن أمريكا وذيولها الإقليمية لن تتخلى عن مخطط الفتنة، وأن استراتيجية الصبر التي اتبعتها المقاومة نجحت في كشف المخططات وأغراضها وأدواتها وأطرافها وإخراجها من نطاق التسريبات إلى أرض الواقع، وهو انجاز يحسب للمقاومة رغم الألم ومرارة الصبر التي تعيشها المقاومة وأنصارها.
والسؤال هنا، هل مشكلة لبنان تنحصر في توصيف البنك الدولي للأزمة الاقتصادية المتسارعة والتي اعتبرها من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850؟
وهل الحل هو ما ذكره مصدر في قصر الإليزيه بأنه “مع تدهور الوضع في لبنان، تقدّر الأمم المتحدة بأكثر من 350 مليون دولار الحاجات الجديدة التي يتيعن الاستجابة لها في مجالات عدة تحديداً الغذاء والتعليم والصحة وتنقية المياه”، أم أن الأزمة هي استهداف هذه الدول للبنان لتغيير وجهه العروبي المقاوم وإلحاقه كليا بالمعسكر الصهيو- أمريكي، لتأمين الطوق الإسرائيلي، وإما ذلك وإما التهديد بالحرب وفرض الحصار والتجويع وتفتيت الداخل وتقسيمه ورعاية الحرب الأهلية؟
أليس الحل هو الحوار الداخلي الوطني دون رهانات خارجية للحفاظ على مكتسبات لبنان بفضل المقاومة وصناعة معادلات الردع، واستثمار فرص التنويع بما لا يسمح بالابتزاز، والتوافق الداخلي لخدمة الجميع والخروج من مناخ الكراهية ونذر الاشتباكات؟
بنظرة بسيطة على الوضع الإقليمي والدولي يمكن استنتاج الكثير من الأمور:
– تصريح “نفتالي بينيت” بأنه “يجب على الإيرانيين أن يفهموا أنه لا يمكن الجلوس بكل راحة بطهران وإشعال الشرق الأوسط بأسره من هناك، فهذا الأمر قد انتهى”، هو في الواقع إعلان عن تصعيد وإشعال للجبهات، ولا يجب الاستهانة به أو وضعه في سياق الاستهلاك الداخلي لإرضاء اليمين، حيث وصل اليأس الصهيوني من انتزاع التنازلات من محور المقاومة لنطاق لا يستبعد معه الخيار الشمشوني الشهير بهدم المعبد.
– كذلك تصريحات وزير الخارجية الأمريكية بأن أميركا وبريطانيا ومعهما تحالف لم يفصله، ستتحرك بشكل جماعي ردا على استهداف السفينة الإسرائيلية، والزعم بأن إيران مسؤولة عن ذلك، هو إعلان أيضا عن التصعيد ولا يجب الاستهانة به ووضعه تحت بند الضغط الأقصى المرتبط بمفاوضات الاتفاق النووي فقط، ولكن لا بد من التعاطي معه بجدية، بسبب تسرب اليأس لأمريكا من انتزاع تنازلات ايرانية تتعلق بالثوابت.
هذا اليأس تعيشه السعودية وذيول أميركا في الإقليم وفي الداخل اللبناني، وكما كانت جريمة خلدة المروعة وفجاجتها تعبيرا عن الفشل من جر المقاومة لمخطط الفتنة، فقد يكون التصعيد الإقليمي معبّرا عن الفشل من جر ايران ومحور المقاومة لمخطط التنازلات والإذعان.
محور المقاومة كله جاهز لجميع الاحتمالات، وعلى من فهم صبره بشكل خاطئ، أن يعيد حساباته، حيث الصبر منبعه إقامة الحجة وعدم المبادرة بالعدوان واحترام البقية الباقية من الشرعية سواء شرعية الدولة أو الشرعية الدولية، حيث لن ينجر محور المقاومة لفخ المروق عن الشرعية، أما وأن تصل الأمور للعدوان وتسقط الشرعية جماعيا، فإن المقاومة ومحورها كله في حل منها والويل كل الويل من غضب الحليم.