نهاية زمن الإلتباس!
صحيفة الوطن السورية-
د. بسام أبو عبد الله:
انتهى الالتباس في المصطلحات بعد أحد عشر عاماً، وانتهى الالتباس في حقيقة ما تعرضنا له في سورية بعد هذا الزمن الطويل، ولم يعد بإمكان أحد أن يحدثنا عن مأساة أظافر الأطفال في درعا، وقص شعر الفتيات الذي تحدثت عنه قناة آل ثاني في الدوحة، والتي اعترف وزير خارجيتهم السابق بعظمة لسانه أنه «مقاول صغير» عند واشنطن، وينفذ كل ما يطلبه الأميركي من دون قيد أو شرط، فكيف يمكن لتابع ومنفذ أوامر أن يكون ملهماً لقادة الائتلاف الذي صنع في الدوحة بأمر أميركي، ووقع كل أعضاء هذه المعارضة الزيلنسكية، نسبة إلى زيلنسكي، عقود العمل والاستئجار للعمل ضد وطنهم وأهلهم وشعبهم، وهؤلاء مهما لبسوا وتزينوا وأتحفونا بالعبارات الممجوجة عن الديمقراطية والحرية، وحقوق الإنسان لن ينظر أي سوري لهم إلا كخونة، وأجراء لدى «مقاول صغير» عند الأميركيين.
دعونا بعد أحد عشر عاماً نقل إن ما تعرضنا له كان عدواناً، وما خضناه حرباً دفاعية لحماية وجودنا وبقائنا، وفي الحرب الدفاعية عن الوجود والبقاء لا مجال لمعارضة سياسية، بل لابد من تسخير كل الجهود من أجل حماية الوجود والبقاء، وإسقاط مشروع التفتيت والتقسيم، والتدمير، فالحرب والعدوان على سورية لم يكن من أجل مواجهة الديكتاتورية والاستبداد وفق زعمهم، ومجرد إجراء جردة حساب للقوى التي تدعم هؤلاء من أجل الحرية المزعومة سنكتشف العجب العجاب، وعندما نعرف كم حجم الأموال التي أنفقت على هؤلاء سيزول الالتباس والغموض، وخاصة عندما يعترف وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم آل ثاني بقوائم الدفع والرواتب لعدد كبير من الصحفيين والمعارضين وغيرهم الكثير، وهو الذي سمى «المعارضة السورية» بـ«السَلَطةْ» أي لا مشروع، لا انتماء، بل مجرد ممثلين على المسرح فشلوا حتى بأداء أدوارهم لأنه لا سند شعبياً لهم، فالمال لا يمكنه أن يصنع إلا مرتزقة هدفهم تقاضي المال، والتجارة بكل شيء بما في ذلك أوطانهم وشعبهم، وأمهاتهم، وآباؤهم، وتاريخ أجدادهم أي مجرد أدوات رخيصة تنتهي بمجرد انتهاء دورها وفشلها.
العدوان على سورية أخذ أشكالاً مختلفة من إرهاب معولم، وإعلام مضلل، وحرب نفسية، وكي للوعي، ودين غب الطلب، وشيوخ بالأجرة، وإعلاميين ورداحين للسباب والشتم، وقتل وتقطيع، وانتهاك للحرمات، وتدمير للبنية التحتية، ونسف لمدارس التعليم والجامعات، والحقيقة أنه كلما تذكرنا الفظائع والجرائم التي ارتكبها هؤلاء القتلة نشعر بالخجل أمام التاريخ، والمستقبل أن أمثال هؤلاء عاشوا بيننا، وكلما تذكرنا المجازر في ضاحية عدرا العمالية، وكسب، وريف اللاذقية الشمالي، ودير الزور، وحمص وحماة، وحلب، واللاذقية، ودمشق، والسويداء، وإدلب، وجسر الشغور وغيرها من المناطق السورية، نشعر بحقارة هذه الوحشية، وعدالة قتالنا، وحربنا الدفاعية لأن هزيمة هؤلاء هي ضمانة للمستقبل، ودفاع عن الحرية، ووأد للفتنة، وإظهار داعميهم كقتلة ومجرمين حقيقيين.
إن الالتباس يجب أن ينتهي من مصطلحات مثل: الثورة، الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحرية، والطوائف، والمذاهب، والدين، والإصلاح، إذ لا يمكن لحثالة من البشر أن تصنع مستقبلاً لنا، ولا يمكن لمن تقوده واشنطن أن يكون إلا عميلاً، وعبداً، وتابعاً، ولا يمكن لمن تقوده مشيخات صغيرة بالمال إلا أن يكون «عبداً مأجوراً لعبدٍ مأجور»، كما قال الرئيس بشار الأسد ذات يوم.
دعونا نقل بصراحة إن الذين انخرطوا في هذا العدوان على بلدهم، وشعبهم هم أكثر سوءاً من أولئك الذين قادوهم، ووجهوهم، ومولوهم، ولا عذر بعد الآن لمن لم يدرك بعد خلاصات ودروس أحد عشر عاماً من هذه الحرب الوحشية.
ولنكن واضحين أكثر أن الذين ضللوا وخدعوا فتحت لهم كل الأبواب، فالإنسان يمكن أن يخطئ التقدير، ويمكن أن يقع في الفخ، وواجبنا أن نساعد كل سوري بالعودة إلى بلده وأهله، فالقوة هي في وحدتنا، وأولئك الذين اعتقدوا أن خلاصهم فردي، قد يكونون قد أدركوا الآن أكثر أن خلاصنا جماعي، وعندما يكون بلدنا بخير، سنكون جميعاً بخير.
إن التحديات التي ما زال يفرزها هذا العدوان المستمر لا تزال كبيرة، ومنها تحديات:
– الهوية والانتماء.
– التحديات الاجتماعية، والتربوية، والثقافية.
– التحديات الأمنية.
– التحديات الاقتصادية.
– تحديات محاولات تدمير القيم، والعادات، والتقاليد وغيرها الكثير، ولكن هذه التحديات وإيجاد حلول لها تحتاج لجهد الجميع، ومن يعتقد أن لا دور له فهو واهم، لأن دور كل إنسان في هذا الوطن مهم وأساسي، ذلك أن المسؤولية لا يجوز أن تلقى تارة نحو الأعلى، وتارة نحو الأدنى، وعلينا أن نركز على العامل الذاتي هنا، وهو عامل مهم، ذلك أن شعبنا شعب منتج ولم يكن يوماً ما متسولاً كما يريد أن يظهره البعض، وواضح تماماً أن أصحاب المشروع يئسوا من إمكانية تحقيق أهدافهم الكبيرة، فتحولوا نحو العمل على محاولة تحطيم إرادة الشعب السوري اقتصادياً، ومعيشياً، يساعدهم في ذلك شبكة فاسدين في الداخل لايقلون خطورة عن الإرهابيين الذين قتلوا الناس بالرصاص، على حين هؤلاء يحاولون قتلنا بلقمة عيشنا، وقوت يومنا، وأدوات صمودنا التي يحاول البعض كسرها بأي طريقة.
إن الإجابة عن السؤال الكبير الذي يطرحه البعض بين فترة وأخرى هل ما حدث في سورية أسبابه داخلية أم خارجية؟ والحقيقة أن إنهاء الالتباس في هذا السؤال الكبير ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى بالقول: إن ما حدث في سورية مؤامرة خارجية ارتكزت على أدوات داخلية، ولولا وجود الأدوات الداخلية لما تمكن هؤلاء من إحداث مثل هذا الدمار، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا نجلد الذات كثيراً، ذلك أن ما سخر ضد سورية دولة وشعباً وقيادة يكفي لتدمير عشرات الدول ومحوها من الخريطة، وما من شك أن بقاء سورية دولة ومؤسسات وجيشاً هو أمر يصل لحد المعجزة، وهذا الأمر ليس من باب التباهي، والعنتريات، بل هو كلام يقوم على تحليل علمي موضوعي بالأرقام، فما انفق من مال يفوق الخيال، وحدود سورية مفتوحة مع دول جوار تآمرت عليها، وكان الإعلام ضدنا، والحرب النفسية، والأبواق المأجورة، والقتلة من كل أنحاء العالم من 82 جنسية حسب (وزارة الدفاع الأميركية) البنتاغون، وتفاصيل هائلة يمكن الحديث عنها طويلاً، وبعد هذا كله تبقى سورية الدولة والشعب، والدور الذي يستعاد تدريجياً، كما بقيت تحالفات سورية تتعزز، وانكشفت أوراق من تآمروا عليها.
إن العدوان على سورية لم يكن سوى جزء من مشروع عالمي، أحبطته مع حلفائها، وهذا المشروع لو نجح في سورية لتغير الم شهد العالمي من دمشق إلى طهران إلى موسكو إلى بكين، وبالتالي فإن إطالة أمد هذا العدوان لن يفيد صانعيه بشيء، لأن التحول الذي بدأ من دمشق يمتد إلى أوكرانيا، لا بل أبعد منها، ومن يعتقد أن صمودنا كان مجانياً فهو مخطئ فالقضية أبعد من ذلك، ونحن جزء فاعل من تغيير هذا المشهد العالمي على الرغم من كل آلامنا، وجراحنا، وصبرنا، وتأكدوا أن ما ضللوا به في سورية، ينكشف أكثر في أوكرانيا.
ومنعاً لأي التباس لن يفيد الأميركيين وحلفاءهم لا قسد ولا مسد، فهذه أدوات تعمل بالأجرة، وهم يعرفون تماماً ويتذكرون مشهد انسحابهم من أفغانستان، وذلك لسبب بسيط أن العالم يتغير بسرعة، وبسرعة كبيرة، وهذا التغير نلمسه في كل يوم وساعة، وسورية ستكون من الفائزين والرابحين في هذا العالم الجديد.