نكسة حزيران.. شاهد على خطر الإنقسام العربي
صحيفة البعث السورية-
د. معن منيف سليمان:
كان لنكسة حزيران، عام 1967، أهمية خاصة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، حيث بلورت بوضوح خطر التجزئة والانقسام الذي ما زال العرب غارقين فيه.
ففي مطلع عام 1967، كانت الظروف موائمة لشنّ عدوان شامل ضد الأقطار العربية، وخاصة ضد سورية، فقد كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد استكملت استعداداتها للحرب، وشكّلت قواها الضاربة التي أصبح المجال أمامها مفتوحاً لشنّ حرب خاطفة ضد دولة عربية أو أكثر، وبما أن سورية كانت الدولة العربية الوحيدة التي بدأت بتنفيذ مشروعات تحويل المياه العربية، وتشجّع وتدعم العمل الفدائي، فإن “إسرائيل” استهدفت ضرب سورية، وأخذت تركز اعتداءاتها وتصريحاتها العدوانية ضدها، فشنّت في تموز عام 1966، هجوماً كبيراً على منشآت التحويل في سورية.
ومع بداية شهر آذار تصاعد التوتر، وبدأت الحشود الإسرائيلية على الجبهة، ونفّذ العدو عدة اعتداءات ردّ عليها الجانب السوري، وكان أكثرها استفزازاً في أوائل نيسان عام 1967، حيث حلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية فوق ضواحي دمشق.
لم تحقّق الاعتداءات الإسرائيلية هدفها، ما استدعى المزيد من التنسيق الاستراتيجي والسياسي مع مسؤولين أمريكيين بغرض توجيه ضربة قوية لقيادتي سورية ومصر، ولاسيما بعد شعور أمريكا وحلفائها بتدهور النفوذ الغربي في المنطقة، وما يمكن أن ينتج عن ذلك مستقبلاً.
دفعت التهديدات والاعتداءات الصهيونية مصر إلى حشد قواتها وطلب سحب “قوات الطوارئ الدولية” الموجودة على الحدود المصرية وتجميعها في قطاع غزة، وذلك بحكم التزاماتها الدفاعية مع سورية. وتسارع تطور الأحداث آنذاك حينما تمّ إغلاق مضيق خليج العقبة في 23 أيار 1967، بوجه الملاحة الإسرائيلية. فعمدت “إسرائيل” وحليفتها أمريكا إلى إثارة أزمة سياسية دولية نتيجة لإغلاق مصر خليج العقبة، وعدّته خرقاً للتعهدات الدولية.
وفي صباح يوم الخامس من حزيران 1967، بدأت “إسرائيل” هجومها الشامل على مصر وسورية والأردن، في وقت كان نائب الرئيس المصري في الولايات المتحدة للبحث في الحلّ السياسي للأزمة، استجابة لدعوة الرئيس الأمريكي جونسون، ما يشير إلى الدور الدبلوماسي الأمريكي المخادع ووقوفه إلى جانب “إسرائيل” لتنفيذ العدوان.
دامت الحرب حتى يوم الحادي العاشر من حزيران 1967، ضمنت فيها “إسرائيل” تفوقاً جوياً كبيراً، وتعبئة عسكرية مكثفة ومرنة، واستعداداً ضخماً لم يواجهه في الجانب العربي ما يوازيه أو يقاربه حتى في حدود معقولة. وانتهت الحرب بعد توجيه ضربة عسكرية قوية لجيوش ثلاث دول عربية (سورية، مصر، الأردن) واحتلال قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وكامل الضفة الغربية لنهر الأردن وجزء من هضبة الجولان السورية.
أدانت هيئة الأمم المتحدة العدوان الإسرائيلي خلال شهر حزيران نحو أربعين مرة، ولم يكن لأيّ من هذه الإدانات أدنى تأثير عليها، وعالج مجلس الأمن والجمعية العامة خلال شهري حزيران وتموز عدداً من المشكلات التي نجمت عن عدوان حزيران، كان أهمها النظر في القرار الإسرائيلي بشأن ضمّ القدس القديمة، ثم معالجة مشكلة النازحين العرب الجدد.
أذهلت الهزيمة العرب وقرروا تجاوز آثارها السلبية من خلال العمل على بناء القوى العسكرية وتدعيمها، وكان انعقاد مؤتمر القمة العربية في الخرطوم ما بين 29- 31 آب 1967، الذي تقرّر فيه تضافر الجهود وتوحيدها لإزالة آثار العدوان واسترداد الأراضي المحتلة وعدم الصلح مع “إسرائيل” أو الاعتراف بها، وعدم التفاوض معها، والتمسّك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه.
أدان الاتحاد السوفييتي العدوان، وكان موقفه صريحاً وواضحاً، حيث أخذ يعمل على دعم العرب إلى درجة قطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، ثم أخذ يعمل على مساعدة مصر وسورية لإعادة بناء قدراتهما العسكرية تعويضاً عما فقدتاه في الحرب، كما عمل على دعم المقاومة الفلسطينية التي تصاعد دورها بعد الحرب. وإلى جانب ذلك، استمر دعم السوفييت في الدعوة إلى التسوية السلمية للصراع، مشيرين في هذا إلى القرار 242 الذي أصدره مجلس الأمن في 22/11/1967، والذي قبلته مصر والأردن، وكان مفهوم السوفييت لهذا القرار متفقاً مع المفهوم العربي له، والذي يعني الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة في حزيران 1967.
أما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة -زعيمة الدول الامبريالية- فقد كان العدوان بمثابة مرحلة جديدة للتأكيد على التحالف الاستراتيجي مع “إسرائيل”، فقد أرادت أمريكا أن تكون حليفتها اليد الأمريكية الضاربة في الشرق الأوسط، واستغلت “إسرائيل” هذا التحالف لضمان نهوضها العسكري وتفوقها على الدول العربية من خلال الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي اللامحدود الذي أخذت تقدمه أمريكا، وكذلك كانت مواقف الدول الامبريالية الأخرى وخاصة ألمانيا الغربية.
وعلى كلّ حال، توقف إطلاق النار تنفيذاً لعدة قرارات أصدرها مجلس الأمن الذي اجتمع عدة جلسات بين 5 و11 حزيران لمعالجة الموقف، وتمّ التوصل إلى وقف إطلاق النار دون الحديث عن الانسحاب إلى المواقع التي بدأ منها القتال. وأخيراً وبعد مناورات دبلوماسية واسعة وطويلة، جرى تمرير المشروع البريطاني للتسوية بصياغته الغامضة “الانسحاب من أراضٍ محتلة”، وليس الأراضي المحتلة، وبما يجعل القرار 242 عرضة للكثير من التفسيرات المتناقضة، واعتبر منذ ذلك الوقت، من قبل أطراف عديدة، أساساً لبحث موضوع تسوية الصراع القائم بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية ضحية العدوان.
لقد كشفت حرب حزيران أهمية الوحدة العربية، وأخذت تظهر في الأفق فكرة وحدة الصف العربي والتنسيق بين الدول العربية ودعم العمل الفدائي، وتأكيد للجميع أن التوحيد القومي حتمية تاريخية تمليها حقيقة القومية العربية ووحدة المصير العربي وإن كان الطريق صعباً. وكشفت الحرب أيضاً أن الأنظمة الرجعية التي دفعت إلى هزيمة عام 1948، وما زال بعضها يؤدي دوره الوظيفي بأسلوب جديد، وما زالت تعمل على الوتيرة نفسها حتى يومنا هذا، بل وأشدّ خطراً من السابق.