نفط العراق يصل إلى الموانئ الإسرائيلية!
للمرة الأولى مــنذ أكثر من ستة عقود يصل النفط العراقي الخام بشكل نظامي ورسمي إلى أحد الموانئ الإسرائيلية، ولكن ليــس بصفقة مع الحكومة العراقية وإنما بصفقة مع حكومة إقليم كردستان.
وتثير هذه الصفقة تساؤلات كثيرة عن تحالفات ومواقف مستجدة ليس بين إسرائيل والسلطات الكردية وحسب، وإنما أيضاً مع الحكومة التركية.
وقد تمت الصفقة ووصلت الشحنة ليس فقط في ظل المقاطعة العراقية الرسمية لإسرائيل، وإنما أيضاً في ظل الرفض الأميركي لتصدير كردستان للنفط بعيداً عن الحكومة العراقية.
ووصلت إلى ميناء النفط قرب عسقلان أمس الأول ناقلة «الطائي» حاملة شحنة النفط الخام العراقية الأولى إلى إسرائيل منذ وقف ضخ النفط العراقي إلى ميناء حيفا إثر حرب العام 1948 وإنشاء الدولة العبرية.
وقد وصلت هذه الشحنة بعد توفر عاملين مهمين أولهما سيطرة حكومة كردستان على بعض حقول النفط قرب كردستان وسماح الحــكومة التركية بتصدير هذا النفط عبــر أنبوب يصل إلى ميناء جيهان على البحر المتوسط.
والناقلة «الطائي» التي حملت النفط من كردستان هي سفينة تحمل اسماً عربياً ولكنها مسجلة في ليبيريا، وقد رست في ميناء عسقلان يوم الجمعة الماضي، حاملة حوالي مليون برميل من النفط.
وأشارت «هآرتس» أيضاً إلى أن شحنة النفط التي وصلت سيتم ضخها في خط أنبوب عسقلان ـ إيلات، وذلك بهدف تخزينها وليس لغرض استعمالها الفوري.
وقررت حكومة كردستان في شهر أيار الماضي استئجار سفن لنقل النفط الخام من ميناء جيهان إلى أي جهة في العالم مستعدة لشرائه.
وكانت حكومة اقليم كردستان بيع النفط الخام للمغرب ولدول أخرى إلا أن هذه الدول عادت وامتنعت عن الشراء لأسباب سياسية أو قانونية ما جعل إسرائيل لاعباً مرغوباً فيه. وهناك ما يؤكد أن الصفقة تمت بين «حكومتين» كانتا على تحالف منذ القدم وليس بين شركات وأن الصفقة لن تكون لمرة واحدة.
وأشارت «هآرتس» إلى أن الحكومتين نفذتا لعبة تجارية لإظهار أن الصفقة ليست مباشرة فتم نقل النفط من سفينة «United Emblem» إلى سفينة «الطائي».
وأبلغ مسؤولون أكراد «هآرتس» انه ليس لديهم مانع في مواصلة بيع النفط لإسرائيل، وأن بيع النفط لإسرائيل لا يتطلب موافقة تركية مباشرة، برغم أن تركيا لا تعارض وتسعى لبيع النفط التركي إلى أوروبا، لتشغيل أنبوب النفط إلى جيهان بل وإنشاء أنبوب إلى إسرائيل.
ويستطيع أنبوب النفط الكردي إلى جيهان تصدير 120 ألف برميل نفط يومياً ولكن هناك مساعٍ لتطويره بحيث يستطيع نقل 400 ألف برميل يومياً.
وتحاول إسرائيل الالتفاف على الموقف الأميركي بادعاء أن شحــنة النفــط ليــست موجهــة رسمياً للحكومة الإسرائيلية وإنما فقط لإحدى الشركات الخاصة.
وقد تم تصدير النفط عبر خط أنبوب خاص يصل إلى ميناء جيهان خارج عن شبكة خطوط النفط العراقية إلى تركيا.
ومعروف أن تصدير النفط بشكل مستقل من قبل كردستان إلى الخارج موضع خلاف شديد مع الحكومة العراقية في بغداد. لكن تغوُّل حكومة إقليم كردستان على الحكومة المركزية ينبع أساساً من المشاكل التي تعانيها الحكومة المركزية في فرض سيطرتها، خصوصاً بعدما باتت مدن ومحافظات بكاملها تخرج عن نطاق هذه السيطرة وتنضم إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وقد هددت الحكومة العراقية باتخاذ خطوات قضائية ضد من يشتري النفط من كردستان كما أن الإدارة الأميركية حذرت العالم من إبرام عقود مستقلة لشراء الغاز من حكومة كردستان.
وواضح أن إسرائيل غدت المشتري الرسمي الأول للنفط العراقي من حكومة كردستان بعدما كانت أيضاً الداعم المركزي لها في حروبها ضد السلطة المركزية.
ولهذا السبب ينظر كثيرون باهتمام بالغ إلى واقع انضمام إسرائيل بشكل فاضح إلى اللعبة الداخلية العراقية عبر شراء النفط الخام. فشراء النفط يشكل أكبر دعم لحكومة كردستان التي لا تخفي تطلعاتها ليس فقط لاتخاذ خطوات مستقلة وإنما أيضاً لإعلان الاستقلال.
ومعروف أن لإسرائيل علاقات تاريخية مع أكراد العراق في إطار «استراتيجية المحيط» التي انتهجها ديفيد بن غوريون وأساسها التحالف مع القوى التي يمكن أن تشغل العرب وتستنزف قوتهم في محيطهم الخارجي.
كما أن الصفقة تدلّ على أن تغييراً جدياً طرأ على موقف الحكومة التركية إزاء إقليم كردستان وحكومته.
ولم تخف مصادر رســمية إسرائيــلية حقيقة أن شراء النفــط الخام العــراقي جاء لتعزيز العلاقات مع كردستان من ناحية، ومع تركيا من ناحية أخرى، وبأمل خلق مقدمات لتصدير الغاز الإسرائيــلي. وقالت إن إسرائيل معنية بتعدد مصادر الطاقة فيها وبتوسيع دائرة الدول والكيانات التي تقيم معها علاقات اقتصادية وسياسية حرة.
كذلك ألمحت هذه المصادر إلى أن التقارب الأميركي الإيراني ليس بعيداً عن هذه الصفقة، بحسب زعمها. وبالعموم فهذه ليست المرة الأولى التي ترسل فيها كردستان شحنات نفط خام إلى إسرائيل، لكنها المرة الأولى التي ترسل فيها شحنة كبيرة بشكل رسمي ونظامي. ففي الماضي كان الأكراد يصدرون نفطاً عبر شاحنات إلى تركيا ومن هناك تشحن بحراً إلى إسرائيل.
ولا تبدي إسرائيل خشية من التعامل مع الأكراد لأنه ليس لديها ما تخسره لدى الحكومة العراقية المركزية، حيث لا توجد أي عقود لاستيراد النفط من العراق كما لا توجد أي علاقات أصلاً بسبب التزام العراق بأنظمة المقاطعة العربية.
صحيفة السفير اللبنانية – حلمي موسى