نظرة على جبهة ريف دمشق: تحولات الصراع وتحالفات المسلحين
طارق العبد –
صحيفة السفير اللبنانية:
يمكن وصف الشهرين الأخيرين بأنهما مرحلة الريف الدمشقي بامتياز، فمن الغوطة الشرقية إلى القلمون حفلت المنطقة بسلسلة معارك ومواجهات انتهى بعضها، وبقي جزء في هدوء نسبي، بينما شهدت خريطة المعارضة العسكرية تغيراً في التكتيك والتحالفات بين الفصائل من دون القدرة على تحقيق اختراقات ملموسة.
لكن نظرة عن قرب لمجريات الأحداث الأخيرة تشير إلى أنها البداية فقط، وان معارك شاقة وقاسية تنتظر طرفي الصراع في الفترة المقبلة، بالتزامن مع حزم السياسيين لحقائبهم والتوجه صوب “جنيف 2”.
وشكل استيلاء المقاتلين على مخازن الأسلحة في مهين بريف حمص الجنوبي شرارة البدء لمعركة القلمون، التي كثر الحديث عنها إعلامياً قبل انطلاقها بأشهر طويلة. ومع تقدم قوات الجيش لملاحقة المسلحين اتجهوا صوب قارة ثم دير عطية والنبك وصولاً إلى معلولا التي سيطروا عليها للمرة الثانية.
وباستثناء معلولا، فقد تمكنت القوات السورية من استرجاع قارة ودير عطية والنبك، بعد معارك أدت إلى قطع الطريق الدولي دمشق – حمص لمدة تجاوزت الأسبوعين. وبالتزامن مع جبهة القلمون، وفي نفس يوم إعلان تشكيل “الجبهة الإسلامية” في شمالي البلاد، انطلق هجوم مباغت على وحدات الجيش في الغوطة الشرقية بهدف فك الحصار وفتح طرق إمداد عسكرية.
وبينما أعلن الجيش السوري استرجاع البلدات والقرى التي هاجمها المسلحون، خرجت المجموعات المسلحة عن صمتها مؤخراً، وأعلنت، في بيان مقتضب، “تحرير 40 بلدة، والتقدم بعمق ثمانية كيلومترات” من دون أن تذكر أسماء البلدات.
وعلى وقع تراجع المسلحين في النبك، ولاحقاً في الغوطة، شن المسلحون هجوماً على مدينة عدرا العمالية تبعها تقدم للقوات السورية ترافق مع غارات جوية استهدفت بلدة الضمير المجاورة. وسارعت المعارضة إلى نفي حدوث مجازر في عدرا، مؤكدة أنها “مجرد شائعات عمل النظام على بثها لإضعاف الحاضنة الشعبية للكتائب” المسلحة.
غير ان نظرة عن قرب للأحداث في جبال القلمون والغوطة تكشف عن استراتيجيات مختلفة للمسلحين، تتمثل في قطع الطرق التي تصل هذه المناطق بدمشق أطول فترة ممكنة، وذلك بفتح معارك في البلدات المطلة على الطرق السريعة ومحاولة تأخير المعارك الصعبة والشاقة كحال يبرود ودوما، بإشغال القوات السورية عبر فتح جبهات جديدة كما حصل في معلولا، وكذلك اتباع أسلوب العمليات الانتحارية كما حصل في بداية معركة القلمون حين فجر مقاتلان من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) نفسيهما أمام حواجز للجيش في النبك.
تحالفات المسلحين والاتهامات المتبادلة
تعتبر التحالفات بين المجموعات المسلحة في القلمون والغوطة علامة بارزة في المعارك، وخاصة بعد توسيع “لواء الإسلام” ليصبح “جيشاً” واندماجه لاحقاً مع “الجبهة الإسلامية” ليقاتل تحت رايتها، وبالتالي تشكيلهما القوة الأساسية في المواجهات الأخيرة، وخاصة في الغوطة.
ولم تبق الكتائب والألوية التي لم تنضم إلى الجبهة خارج السرب، إذ ساهمت بشكل أو بآخر في المعركة، بل توزع مقاتلوها على عدة مواقع وبلدات. وعلى رغم علاقة بعضها السلبية بـ”جيش الإسلام”، فإنها تقف عادة إلى جانبه. أما “جبهة النصرة” فقد لعبت دوراً أساسيا في القلمون وقبلها في معارك صدد ومهين والسيطرة على مستودعات الأسلحة، ومعها “الكتيبة الخضراء” و”مغاوير بابا عمرو” حيث تشكلت غرفة عمليات بقيادة “النصرة” بهدف التخطيط لكل منطقة والاستراتيجيات المتبعة فيها.
ويبقى دور “داعش” النقطة الأكثر اثارة للجدل، فبينما شارك في بداية المعارك في قارة، فقد شكل انسحابه من دير عطية وبشكل مفاجئ عاملاً أساسيا في استعادة القوات السورية للبلدة، وهو أمر نفاه أنصار “داعش” فاتحين نيرانهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي على “جيش الإسلام”، واتهموه بالانسحاب من النبك، بينما أشار ناشطون في المنطقة إلى انه لم يكن هناك تواجد لـ”جيش الإسلام” في المنطقة.
هل تشكل دوما المعركة المقبلة؟
لا تستبعد أوساط المعارضة أن تشن القوات السورية عملية عسكرية على دوما في الفترة المقبلة، وربما كانت ستحدث بالفعل لولا التطورات الأخيرة في عدرا، وهي معركة يحشد لها الطرفان شتى الإمكانيات، حيث ان دوما تشكل للقوات السورية الحجر الأساس في استعادة الغوطة الشرقية، ويتمركز فيها عدد كبير من الألوية والكتائب المسلحة، غير أن صعوبتها تتمثل في المساحة الواسعة للمنطقة المتصلة بدمشق عبر أحياء جوبر وبرزة والقابون وبالغوطة الغربية وطريق مطار دمشق الدولي، كما أنها تتصل بالبادية السورية عبر الضمير وعدرا وتطل على جبال القلمون التي تبدو المواجهة في جرودها، وخاصة يبرود، مسألة محكومة بالطقس وطبيعة المنطقة الصعبة في الشتاء، كما أنها لن تشكل خطراً أساسيا على الطريق الدولي باعتبارها لا تطل عليه.