نظرة داخلية على ديمقراطية الجمهور و الأحزاب الإسرائيلية
وكالة أنباء آسيا-
رولى محمود:
فيما يلي يمكن استعراض اراء اسرائيلية في العملية الانتخابية التي لم تعد سوى صورة للفساد والمحسوبية والقبائلية والشخصانية في دولة بنت اسطورتها على مزاعم انها الديمقراطية الوحيدة في عالم شرقي ديكتاتوري.
فعل اسرائيل واحزابها يمارسون الديمقراطية فيما بين اليهود مواطني الدرجة الاولى في الكيان؟؟
خبراء من الاسرائيليين يجيبون على هذا السؤال في التقرير التالي.
يمكن القول بكل تأكيد ان الاحزاب الاسرائيلية التاريخية انتهت، وواقعة الديمقراطية المخصصة للصهاينة حصرا منذ تأسيس الكيان العبري تحولت الى ما يشبه الاحزاب الشخصانية في العالم الثالث. وما يشاع في الاعلام الدولي من اسرائيل هي دولة ديموقراطية تدحضه الوقائع وهذه بعض منها:
– حزب اسرائيل بيتنا الذي يسيطر عليه افيغدور ليبرمان يحكم حزبه المذكور حُكماً من دون أي ضوابط، فمنذ تأسيس “إسرائيل بيتنا” في العام 1999 شكّل ليبرمان وحده قائمة الحزب لانتخابات الكنيست، وقرّر ماذا سيكون البرنامج الحزبي، ومن سيتولون مناصب وزارية، ومن سيكونون أعضاء كنيست عاديين.
– رئيس الحكومة الإسرائيلية الحاليّ يائير لبيد منذ أن أنشأ حزبه “يوجد مستقبل” في العام 2012، يقرّر وحده ما يحدث فيه، ولن يتغيّر هذا النهج، كما يكرّر القول. وعملية العدوان على غزة حاليا في الخامس من اب اغسطس 2022 هي بالاساس عملية دعاية انتخابية ليائير لبيد لا اكثر ولا اقل.
– أحزاب اليهود الأرثوذكس (الحريديم)، وأحزاب الصهيونية الدينية، فإن الحاكم المطلق هو زعامتها الروحية المتمثلة في مجالس الحاخامين.
– معظم الأحزاب الإسرائيلية المُنحلة تحكمها العلاقة الشخصية للمؤسسة او القائد الاول بالاتباع وليس بالشركاء فمثلاً، رئيس الحكومة السابق إيهود باراك كان الحاكم الفرد في حزبي “استقلال” و”إسرائيل ديمقراطية”، وعندما اعتزل الحياة السياسية اختفى هذان الحزبان من الخريطة السياسية كليّاً.
– كذلك كانت وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني الحاكم المطلق في حزب “الحركة”، وعندما قررت اعتزال العمل السياسي، لم يعد هناك أي وجود يُذكر لهذا الحزب.
– حزبي العمل وميرتس يبدو أفضل في الظاهر، نظراً إلى إجراء انتخابات تمهيدية فيهما، فإن رئيسي الحزبين ينتهجان في العادة طريقاً شبيهة.
إن دل هذا على شيء فهو يدلّ على أنه باستثناء التصويت في الانتخابات العامة الذي يقرّر هوية الحكم، ليس للمواطنين في إسرائيل أي تأثير على المؤسسة السياسية في ما يختص بالسياسة المتعلقة بالمجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهو ما سبق أن أكده أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، البروفسور غابي شيفر، ولفت إلى أنه في واقع الأمر، ليس المواطن هو مصدر السلطة في إسرائيل، كما يقتضي جوهر النظام الديمقراطي، بل رؤساء الأحزاب، وهذا الواقع يؤثر في السياسة وفي تنفيذها أيضاً. وفي قراءته فإن إخفاق حملات الاحتجاج الاجتماعية- الاقتصادية الإسرائيلية حتى الآن، وسياسات الحكومات الأخيرة، تشكل إثباتاً على أنه ليس لمواطني إسرائيل أي تأثير فيما يجري في الدولة، ورؤساء الأحزاب الذين يفوزون في الانتخابات ويشكلون الائتلافات يفعلون ما يحلو لهم. ويبدو أن هذا هو ما سيكون كذلك بعد الانتخابات المقبلة.
بكلمات أخرى يمكن القول إن المواطنين مجردون إلى درجة كبيرة من القوة. ويُنظر إلى ذلك، وأكثر فأكثر في الآونة الأخيرة، باعتباره إحدى المعضلات المركزية للديمقراطية الإسرائيلية، التي ستتسبّب باستمرار أمراضها وثغراتها، لا سيما وأنّ إسرائيل لم تكن يوماً ديمقراطية عاديّة، بل كانت تُعرّف نفسها حتى العام 2018 بأنها “يهودية وديمقراطية” وأصبحت في إثر سن “قانون القومية” في ذلك العام “دولة قومية للشعب اليهودي” تستند، من الناحية الدستورية، إلى تراتبية واضحة تعلو فيها يهودية الدولة على ديمقراطيتها.
بالتوازي، هناك تشخيصات تؤكد أن الأحزاب السياسية في إسرائيل تعاني، فضلاً عن معاناتها من “ظاهرة الدكتاتوريات”، من الفراغ الفكري أيضاً. فمثلاً سبق لأستاذ العلوم السياسية، البروفسور شلومو أفينيري، الذي شغل في الماضي أيضاً منصب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أن وصف أسلوب الانتخابات التمهيدية [برايميرز] لاختيار مرشحي الأحزاب للكنيست بأنه “ديمقراطية مزيفة”، كونه يزعزع أساس وجود الحزب، وبنيته التحتية الاجتماعية التي يجب أن تستند إلى عضوية ونشاط في الحزب. وأكّد أنه مثلما تحتاج الديمقراطية نفسها إلى كوابح وتوازنات، فالمنظومة الداخلية – الحزبية بحاجة إليها أيضاً.
برأي افنيري، كان الانتقال من أسلوب اللجنة المنظمة إلى أسلوب الانتخابات التمهيدية في معظم الأحزاب التاريخية في إسرائيل، ناجم عن رغبة صادقة في نقل الحسم من لجان مغلقة مكوّنة من سياسيين يجتمعون في غرف مليئة بدخان السجائر إلى المجال العام، وبذلك تصبح عملية اختيار المرشحين للكنيست أكثر ديمقراطية، غير أن النتيجة كانت مختلفة تماماً. وأشار إلى أن ما حدث هو زعزعة بنية الأحزاب، وبدلاً من أحزاب تستند إلى عضوية مستمرة وناشطة، وإلى نشاطات في الفروع وعقد مؤتمرات ونقاشات سياسية وأيديولوجية، نشأت “مؤسسة التسجيل”، التي سمحت لكل من يريد الانضمام رسمياً إلى الحزب قبل فترة قصيرة من الانتخابات والمشاركة في قرار تحديد المرشحين.
وليس من قبيل الصدفة أن حزب العمل، الذي كان من أوائل الأحزاب التي تبنت أسلوب الانتخابات التمهيدية، لم يعقد منذ أعوام مؤتمراً يناقش قضايا سياسية واقتصادية، وكل الاهتمام منصبّ على الانتخابات التمهيدية. التركيز على المنافسة في الانتخابات التمهيدية أفرغ المؤتمر من أي مضمون فكري، وحوّل الحزب بصورة حصرية إلى أداة لانتخاب المرشحين للكنيست. ومنذ اللحظة التي ينتخبون فيها يضطر أعضاء الكنيست إلى التركيز فقط على وضعهم، وعلى بلورة بروفايل عام عالي المستوى، لضمان انضمامهم إلى الانتخابات التمهيدية المقبلة. فكل واحد منهم هو لاعب منفرد؛ الانسجام الحزبي والانضباط غير موجودين تقريباً، وكل واحد يتنافس مع الجميع في حزبه. ورافقت ذلك ظاهرة إضافية؛ فقد سمح أسلوب الانتخابات الأولية لأشخاص لم يكونوا قطّ أعضاء أو ناشطين في الحزب بتسجيل أنفسهم قبيل الانتخابات. وبمساعدة حملات علاقات عامة شرسة، جرى انتخابهم ليس فقط في قائمة المرشحين بل أيضاً في قيادة الحزب نفسه. وكجزء من هذه الاستراتيجية التي في أساسها لا توجد مصالح الحزب كهيئة سياسية بل تطلعات المرشحين الشخصية، فإن هؤلاء يغادرون الحزب في مناورة تنتمي إلى عالم الصفقات: يسيطرون على شركة اقتصادية، يأخذون منها الموارد وغيرها، وعندما تتوقف عن خدمة المسيطر، يرمونها إلى الجحيم ويمضون قدماً.
يعتقد أفينيري أن تطبيق نموذج إدارة الأعمال على حزب مبنيّ على عضوية ونشاط سياسي هو الخطر الأكبر على البنية الديمقراطية التي تتطلب حواراً، ومفاوضات، وخلق ائتلافات وشراكة داخلية – حزبية من المصالح والأفكار. كل ذلك غريب عن عالم الصفقات الاستقوائي الذي لا قيَم لديه، غير حجم النجاح الاقتصادي. وهذا هو سبب الجري وراء استطلاعات يومية تقريباً تحلّ محل نقاش المواقف والقرارات في موضوعات سياسية واقتصادية.
أما في ما يخصّ الأمر الثاني، وهو جوهر المعسكرات السياسية المتنافسة في الانتخابات العامة، كما تتراءى على أعتاب جولة تشرين الثاني 2022، فسوف نتطرق إليه في العدد المقبل.