نصرالله ومعادلات القوة
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
في خطابه بمناسبة عاشوراء أورد السيد حسن نصرالله قائد المقاومة اللبنانية مجموعة من المواقف و الوقائع الجديرة بالاهتمام لما ترمز إليه من تحولات على صعيد توازنات الصراع العربي الإسرائيلي و لكونها صادرة أصلا عن الموقع الذي يتصف بمصداقية عالية و ببعد نظر بشهادة الأعداء .
أولا: الرسالة التي وجهها السيد نصرالله لقادة الكيان الصهيوني تعبر عن تحول حاسم في منظومة القوة و الردع التي تملكها المقاومة اللبنانية و عندما يقول قائد المقاومة إن شعاع المواجهة بين لبنان و إسرائيل سيكون من كريات شمونة إلى إيلات أي على امتداد مساحة فلسطين المحتلة و ان آلاف الصواريخ ستنهمر على تل أبيب و غيرها فهذا يمثل إعلانا صريحا عن مقدار القوة النارية الرادعة التي تمتلكها المقاومة كما و نوعا و إذا كانت إسرائيل عاشت كابوسا و زلزالا خطيرا في عمقها السكاني و مركزها السياسي بنتيجة بضعة صواريخ متوسطة المدى أطلقها المقاومون من قطاع غزة المحاصر فيمكن التنبؤ بمدى ما تستطيع المقاومة اللبنانية إلحاقه بالكيان الصهيوني نتيجة قدراتها الرادعة التي تحوي كميات كبيرة من الصواريخ بحيث تمطر تل أبيب و مناطق المركز بالآلاف منها و بعضها تبلغ إيلات في مداها و بالطبع يعرف قادة العدو المعنى الدقيق لكلام السيد و هم يعرفون مدى صحته أيضا مما لديهم من المعلومات.
ثانيا: عناصر الردع لدى المقاومة اللبنانية ليست مجرد تجهيزات و مخازن سلاح كما يتوهم الكثيرون في لبنان و خارجه ، بل هي تنطلق من فعل الأدمغة و من مفعول الإرادة الواعية عبر عمل مستمر يقوم به قادة و كوادر يعملون ليل نهار على تطوير التقنيات و التدريبات و إعداد الخطط و تلافي الثغرات في ضوء تقويم التجارب و عبر تطوير المهارات في سباق مستمر مع آلة العدو العسكرية بحيث يضمنون تفوق المقاومة و قدرة ردها على تخطي كل ما يحدثه العدو من أدوات الاعتراض لتلافي إصابات أسلحة المقاومة سواء صواريخها التي باتت دقيقة الإصابة و تبلغ نقاطا محددة يجري اعتلامها بالاستطلاع الجوي ، ام قذائفها الذكية المضادة للدروع ام في جميع وجوه القتال البري حيث يتفوق المقاومون بروحهم المعنوية و بكونهم أبناء الأرض و أهلها كما بينت جميع المعارك التي خاضوها خلال ثلاثين عاما .
ثالثا: إن التطور النوعي الحاسم في المنطقة هو قيام منظومة المقاومة التي تضم التحالف الإيراني السوري و فصائل المقاومة و هذا العامل أفسح المجال لمراكمة قوة الردع التي تشل قدرة العدو و تفقده تفوقه التقليدي منذ اغتصاب فلسطين و بفضل هذه المنظومة فقدت إسرائيل منذ العام 2000 الهيبة التي لم تنجح في ترميمها ثلاثة حروب إسرائيلية دعمتها الحكومات العربية التابعة للغرب و قادتها الولايات المتحدة سياسيا و شاركت فيها عسكريا و استخباراتيا و أمنت تمويلها و تغطيتها الإعلامية من بعض العواصم العربية.
إن محورية الحلف الإيراني السوري في قيام المعادلات الجديدة تبين الحقيقة التي اشار إليها السيد نصرالله في خطابه فمحاولة ترويج العلاقة بإسرائيل و شحن الرأي العام العربي بروح العداوة ضد إيران و التصعيد في مخطط تدمير القوة السورية ليست سوى روافد في الخطة الإسرائيلية لقلب المعادلات و استرجاع عناصر القوة و السيطرة الأميركية الإسرائيلية في المنطقة و من ينفذون تلك الخطة في المقلب العربي ليسوا سوى أدوات عمياء و عميلة .
رابعا: إيران قوة صاعدة على مساحة المنطقة و العالم اقتصاديا و عسكريا و تقنيا باعتراف الخبراء في العالم كله ، و هي أحدثت تحولا في مسار الصراع العربي الإسرائيلي من يوم انتصار الثورة و إسقاط نظام الشاه ، الحليف الحميم لحكومات الخليج ، الذي كان الظهير و الحليف الموثوق للصهيونية و لحكومات إسرائيل التي اعتمدت على النفط الإيراني في حروبها ضد العرب ، بينما إيران الجديدة الناهضة تمثل ثقلا نوعيا تتنازع القوى الكبرى على استمالته إليها ، لكن إيران تضع إمكاناتها في كفة الحقوق العربية ضد العدو المشترك بمبادرة من شعبها و قيادتها و تلك هي الإشارة التي التقطتها القيادة السورية منذ ثلاثين عاما و بنت عليها تحالفا استراتيجيا محوره فلسطين و السعي المشترك إلى ردع الكيان الصهيوني و تثبيت خيار الاستقلال و التحرر في المنطقة ضد مشاريع الهيمنة الاستعمارية ، و في قلب ذلك ، و بناء عليه ، كان و ما يزال العمل السوري الإيراني المستمر على تغذية و تنمية قدرات المقاومة اللبنانية و الفلسطينية .
لهذا السبب بالذات لا يمكن التعامل مع أي تحريض معاكس يستهدف العلاقة العربية الإيرانية بأي ذريعة كانت و خصوصا الشقاق المذهبي و العصبية العرقية ، و أي جهد سياسي و إعلامي لتشويه مضمون الدور الإيراني في الصراع العربي الإسرائيلي ، إلا بوصفه خدمة لإسرائيل لا يقدمها سوى العملاء .