نصرالله : طريق التغيير و الوحدة
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
توج السيد حسن نصرالله سلسلة مواقف و مبادرات حزب الله في الواقع اللبناني الداخلي على نحو يكشف السقوط الأخلاقي و السياسي للجوقة التي انطلقت فور انتهاء الخطاب كالعادة، لتسدد اتهامات للحزب تنتقص من وطنيته اللبنانية و من التزامه بالوحدة الوطنية.
لعل هذه اللغة في استهداف السيد نصرالله بدلا من مناقشة أفكاره تكشف جانبا من العجز و العقم الفكري و السياسي لخصومه الذين يستبيحون هجماتهم المشككة على حزب الله الذي يعود له الفضل بقيادة مقاومة وطنية حققت إنجازا تاريخيا كبيرا و مهما في مسار التحرير و في تكوين منظومة الدفاع الوطني التي تحمي شعب لبنان من العدوان الإسرائيلي و تحفظ مرافقه و بناه الأساسية و ثرواته من الاستباحة الصهيونية التي حكمت تاريخ البلاد المعاصر .
أولا مضمون الموقف الذي طرحه السيد نصرالله بخصوص قانون الانتخاب يعبر عن موقع تقدمي تغييري و عن التزام ناضج بالوحدة الوطنية فالإصرار على اعتماد النسبية هو الحلقة التغييرية الراهنة و الواقعية في النظام السياسي اللبناني التي يمكن عبرها التوصل إلى مجلس نيابي يتخذ صفة تأسيسية كما قال السيد لأنه سيكون مجلسا لا تحيط الشكوك بصدقية تمثيله للمكونات اللبنانية و خصوصا بالنسبة للمسيحيين الذين تراكمت شكواهم و شكوكهم منذ اتفاق الطائف حيث كرست قوانين الانتخاب واقعا يخدم هيمنة أطراف سياسية تقاسمت حصة رئيسية من مقاعد التمثيل المسيحي في النظام اللبناني و كذلك من الصحيح أن النسبية بهذا المعنى أيا كانت الدوائر و قواعد الاقتراع هي الطريق الأمثل لتصحيح الأحجام و لعدم تغييب أي لون من الطيف السياسي اللبناني.
ثانيا الفكرة التي عرضها السيد نصرالله في تناوله للموقف من مشروع القانون الأرثوذكسي جديرة بالاهتمام و هي تكشف حقيقة التزام حزب الله بالوحدة الوطنية و حرصه على تطوير الشراكة الوطنية في إطار المؤسسات الدستورية للنظام السياسي كما أنها تبين مصداقية الحزب في التعامل مع التحالفات السياسية من خلال التصميم على التصويت لصالح المشروع الأرثوذكسي ما لم يجر التوصل لقانون نسبي آخر يحقق المناصفة و يقترب من صحة التمثيل . بالمقابل جاء نداء السيد نصرالله للقوى السياسية الأخرى كي تتواضع قليلا في سعيها للاحتفاظ بنظام انتخابي يعطيها وزنا نيابيا يتخطى حجمها الحقيقي مشددا على ضرورة التصرف بمسؤولية مع المناخ المسيحي لتعميق الشراكة الوطنية و ترسيخ الوحدة بين اللبنانيين بتحريرهم من الشعور بالغبن و الاختلال وليكن بعدها الانطلاق في المجلس النيابي الجديد نحو تطوير النظام السياسي ديمقراطيا .
ثالثا بصورة منطقية ناقش السيد نصرالله ما يطرح من ذرائع ضد اعتماد النظام النسبي و خصوصا ما تردده قوى 14 آذار بصدد السلاح ففي هذه النقطة كان السيد مقنعا و منطقيا عندما سأل عن تأثير السلاح في الانتخابات السابقة منذ العام 92 و كذلك عندما أشار إلى أن النسبية تحرر الانتخابات من تأثير أي سلاح بدرجة أعلى من النظام الأكثري .
طبعا يتوجب علينا التذكير هنا بسلاح المستقبل و شركاه الذي ظهر في الداخل اللبناني بكثافة منذ غضبة سعد الحريري و في معارك طرابلس و الشمال و ما يضاف إليه من سلاح فتح الإسلام و ما يسمى بالجيش الحر و غيرهما من الجماعات الإرهابية المستضافة تحت خيمة المستقبل و في جميع مناطق نفوذه .
رابعا الدعوة المفتوحة لتطوير قانون الانتخاب بمعيار صحة التمثيل عبر اعتماد النسبية أرفقها السيد نصرالله بإثارة أمرين خطيرين حقا في واقع تطبيق القوانين الانتخابية في لبنان و هما تأثير المال السياسي على نتائج الاقتراع و هذه علة لبنانية مزمنة يعود إليها الكثير من مفاسد النظام الانتخابي حيث لا تطبق المعايير الرقابية الدقيقة على الإنفاق الانتخابي و لا تعتمد التشريعات الحديثة المعمول بها في دول العالم المتحضرة لمراقبة المال السياسي في الانتخابات
الأمر الثاني الذي لا يقل خطورة هو الملف الإعلامي و بالفعل في هذا المجال أيضا تعتبر التجربة اللبنانية متخلفة و على الرغم من السابقة الجيدة التي أنجزتها هيئة الإشراف على الحملات الانتخابية خلال الانتخابات الأخيرة في المجال الإعلامي فما ورد في تقريرها المهني و الممتاز لم يؤخذ به و لم يتم التحرك قضائيا على أساسه و لا جرى البت بالطعون من أصلها بالصورة المناسبة و المطابقة لأحكام القانون .
لقد وضع السيد نصرالله و من الموقع التغييري التقدمي يده على مرتكزات تطوير قانون الانتخاب بمعايير الوحدة الوطنية و صدقية التمثيل من خلال ثلاثة عناوين هي : النسبية و التشدد في آليات تنظيم الإنفاق المالي الانتخابي و متابعة الأداء الإعلامي و من المفترض الأخذ بهذه التوجهات إذا كانت القوى السياسية الفاعلة تبحث فعليا عن قانون عصري للانتخاب و ليس فحسب عن كيفية الحسم المسبق للنتائج بما يضمن تجديد مواقعها و حماية مصالحها .