ندوة عن مستقبل لبنان بين أزمات الداخل والخارج: للحفاظ على النموذج اللبناني
شدد وزراء سابقون وسياسيون وإعلاميون على أهمية تحويل التحديات الإقليمية التي تؤثر على لبنان ومستقبله إلى فرص للحفاظ على الإستقرار الحالي في لبنان وعلى النموذج اللبناني في الحرية والتنوع، وعلى أهمية الحفاظ على التوافقات اللبنانية القائمة بالحد الأدنى، وذلك من أجل اجتياز هذه المرحلة الإقليمية الخطرة الحافلة بالصراعات والتفكك في الدول العربية وخاصةً في المشرق.
من جهةٍ ثانية كان هناك تباين حيال توصيف الأزمة الداخلية وكيفية الخروج منها. ففي حين برزت آراء تدعو إلى اعتماد الحياد إزاء الصراعات الإقليمية والحفاظ على اتفاق الطائف ومكتسباته، اعتبر بعض المشاركين إنه يجب أن يكون لبنان حاضراً في الملفات الإقليمية من أجل أن يكون له موقع في الخارطة الإقليمية. كذلك طالب البعض بإعادة تكوين السلطة على قواعد ميثاقية تؤمن المشاركة الحقيقية وبحث إمكانيات التغيير في النظام السياسي الحالي خاصة عبر تطبيق بعض البنود في اتفاق الطائف.هذه الخلاصات أتت في خلال طاولة مستديرة نظمها مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية بعنوان “مستقبل لبنان بين أزمات الداخل وتطورات الخارج”، والتي حضرها حشد من المهتمين.
الوضع الإقليمي وكيفية التعامل معه لبنانياً
في الوضع الإقليمي، شدَّد بعض المشاركين على أهمية التحول في الصراع بين القوى الغربية والولايات المتحدة مع إيران بعد الإتفاق النووي، وسط اختلاف في مدى تأثيره على الملفات الإقليمية. فالوزير السابق الدكتور سليم الصايغ رأى أنَّ هذا الإتفاق عقلنَ الصراع بين إيران والقوى الغربية الكبرى وسيؤسِّس لحال من العلاقات الإيجابية بين الطرفين، لكنه لفت إلى أن مفاعيل الإتفاق لن تنسحب على المنطقة العربية.
وقال رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الأستاذ رامي الريس إنَّ الإتفاق سيعزِّز بطبيعة الحال نفوذ إيران في المنطقة، أما رئيس المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق الدكتور عبد الحليم فضل الله فأشار إلى أنَّ الإتفاق النووي قد يفتح الباب أمام تسويات لمشاكل المنطقة خاصةً وأنه أبعد خيار الحرب الشاملة، لذا لا بد للبنان من الإنخراط في هذه الإيجابية الجديدة في المشهد الإقليمي والإستفادة منها.
ولفت المشاركون أيضاً إلى خطورة التفكك الحالي في سوريا والعراق على مستقبل لبنان في ظل انفجار المشرق العربي. وكان تأكيد على أنَّ هذا التفكك يجعل مستقبل لبنان مرتبطاً بمستقبل الكيانات السياسية المجاورة وبالتحديد سوريا والعراق، وعلى أن تداعيات النزاع في هذين البلدين وضعت لبنان على حافة الإنهيار بعدما عززت الإنقسام المذهبي، كما قال الوزير السابق الدكتور حسن منيمنة في مداخلته. وهذا التفكك في سوريا والعراق أزال عوامل قوة في مواجهة إسرائيل التي تستفيد من هذا الواقع المتفجر، لكنها في الوقت نفسه تخشى من تداعياته على أمنها، كما لفت إلى ذلك الوزير السابق الدكتور سليم الصايغ.
ولفت العميد المتقاعد خالد حمادة إلى أن تداعيات التطورات السورية على لبنان خطيرة جداً إن لجهة إبقاء الإستحقاقات السياسية وكافة الملفات معلقة بانتظار الحل الإقليمي الذي قد يمتد لسنوات، وإن لجهة محاولة تغيير الخطوط وتعديل الخرائط.
الواقع اللبناني
وفي توصيف الأزمة اللبنانية الراهنة، تباينت آراء المشاركين حول أسبابها، مع الإشارة إلى خطورة التحديات الداخلية. وبحسب بعض المشاركين فإن الوصاية السورية ساهمت في تفكيك الكيان اللبناني، تضاف إلى عامل أكثر تأثيراً هو وجود كيان سياسي عسكري يتمثل بحزب الله ينافس الدولة في السيادة والأمن ويتوسع في ارتباطاته الإقليمية ويشارك اليوم في الحرب السورية، كما قال الوزير السابق حسن منيمنة. وفي مسألة مسؤولية حزب الله عن الواقع الراهن والإنخراط في الصراع السوري، قال المدير العام السابق لوزارة الإعلام الأستاذ محمد عبيد إن أداء القوى الأخرى لا يشجع على أن يبادر حزب الله إلى تسليمها قرار الحرب والسلم سواء في مواجهة إسرائيل أم في كيفية التعاطي مع الأزمة السورية خاصةً لجهة اعتماد سياسة النأي بالنفس. كذلك اعتبر الدكتور عبد الحليم فضل الله إن مشاركة حزب الله في الصراع الإقليمي والسوري كانت إيجابية على لبنان لجهة تمكن الحزب من احتواء الإنفجار في المشرق وتمدد الحركات التكفيرية.
وفي إشكالية النظام قال مشاركون إنَّ الدولة وصلت إلى حال انهيار لافتين إلى أنَّ القوى التي حكمت في فترة الوصاية السورية لا تزال في السلطة وتواصل نهجها السابق سواء كانت من 14 أم من 8 آذار، كما شدد على ذلك الأستاذ محمد عبيد الذي أكد أيضاً أن بعض القوى السياسية تعيش حال انتفاخ بسبب قوانين الإنتخاب غير العادلة التي اعتمدت منذ العام 1992.
وفي النقاش حول الطائف كانت إشارات عدة إلى التطبيق السيء لهذا الإتفاق. فالوزير السابق حسن منيمنة أكد أنَّ الطائف تعرض لاستنسابية وتجزئة ما أفقده روحيته وهدفه النهائي، في حين أشار المحامي الأستاذ عادل يمين إلى أنَّ تطبيق الطائف تميز بالإخلال بمعايير الديموقراطية لجهة عدم اعتماد المساواة في تمثيل الجماعات والأفراد كما نص أساساً الطائف.
واعتبر الصحافي والكاتب الأستاذ ادمون صعب إنه سحب صلاحيات رئاسة الجمهورية ونقل معظمها إلى رئيس الحكومة وذلك بإرادة سعودية التي كانت شريكة في صنع هذا الإتفاق.
أما الأستاذ محمد عبيد فاعتبر من جهته أنَّ الطائف لم يعد موجوداً عملياً لأنه قام على ثلاثة ركائز هي السعودية وسوريا والولايات المتحدة في الوقت الذي تتصارع فيه هذه القوى مع بعضها حالياً، وكان تشديد منه أيضاً على أن الخطر الأكبر اليوم على الكيان هو النزوح السوري. في حين لفت الأستاذ رامي الريس إلى انه على الرغم من سوء التطبيق فإن الطائف حقق مكتسبات مهمة خاصة في موضوع المناصفة بغض النظر عن العدد وحسم نهائية لبنان والعروبة.
ولفت البعض في الازمة الحكومية الراهنة إلى تشويه يحصل لحق المشاركة الذي تحوله بعض القوى السياسية إلى تعطيل لعمل الحكومة، كما اعتبر الأستاذ رامي الريّس. وكانت إشارة من الإعلامي الأستاذ فيصل سلمان إلى أن اللبنانيين يرمون المسؤولية عن مشكلاتهم على القوى الخارجية في الوقت الذي تخلوا فيه عن مسؤولياتهم في بناء الدولة ومواجهة الحال الطائفية للوصول إلى مجتمع موحد ومحاربة الفساد، محملاً المسؤولية في هذا الواقع على النخب اللبنانية.
آفاق الحلول
وفي النقاش حول المخارج الممكنة للأزمات التي تعصف بلبنان برزت أفكار واقتراحات عدة ومتباينة. ففي حين حذر الأستاذ رامي الريس من أن النقاش في الخروج من الطائف عبر طروحات معينة هو مغامرة غير محسوبة النتائج، رأى مشاركون آخرون ضرورة البدء في إعادة تكوين السلطة خاصة من خلال قانون انتخاب عادل وتأكيد استقلالية القضاء، كما دعا إلى ذلك الأستاذ محمد عبيد والمحامي عادل يمين الذي رأى ان المناعة الوطنية المنشودة تكون من خلال تأكيد العدالة والمساواة التي لا تتحقق إلا بالمناصفة عبر قانون انتخاب تمثيلي عادل.
كذلك لفت الدكتور عبد الحليم فضل الله إلى ضرورة اعتماد قانون انتخاب نسبي، لكنه شدد في موازاة ذلك على الحفاظ على الإدارة الناجحة للتوافقية في هذه المرحلة الإنتقالية وتفعيل عمل الحكومة.كذلك برز تشديد على أهمية المسارعة إلى انتخاب رئيس جديد كما قال الأستاذ رامي الريس، في حين لفت الوزير السابق الدكتور سليم الصايغ إلى أهمية أن يأتي الحل من ضمن سلة من البنود والأفكار لإعادة إنتاج السلطة.
وكان تشدد من المشاركين على أهمية البدء بالتفكير بآليات الوصول إلى دولة المواطنة التي تضمن تجاوز الطائفية واعتماد الكفاءة كما شدد على ذلك العميد حمادة والدكتور الصايغ والأستاذ عبيد.
[ad_2]