نحو نظام المجلسين وبلا مهاترات سخيفة
وكالة أخبار الشرق الجديد-
غالب قنديل:
يستمر العلك السياسي والدوران في دوامة العصبيات المقيتة، ويضع الحريصون أيديهم على قلوبهم كلما لاح تشنّج أو تأزّم سياسي، على خلفية الاحتدام الإقليمي، والانهيار الاقتصادي المالي، والتشنّج الأميركي الصهيوني العدواني في الإقليم باستهداف حلف المقاومة اللبناني السوري الإيراني الفلسطيني العراقي اليمني. بينما يتواصل التعليق القسري والمهرّب، بقصد عامد، لأهم بنود اتفاق الطائف الإصلاحية المستقبلية، وهو إنشاء مجلس للشيوخ، يُنتخب على قاعدة التمثيل الطائفي، وتحرير انتخاب المجلس النيابي من القيد الطائفي.
أولا: هناك ما يكفي من الوقت قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة لتحضير هذه الخطوة الدستورية الإصلاحية وإنجازها، لتنطلق بعدها مرحلة جديدة ونوعية في تشكّل الواقع السياسي الوطني، وتجسيد الإرادة الشعبية، ومباشرة احتواء الكارثة الاقتصادية المالية، وترسيخ الوحدة الوطنية، تأسيسا لإعادة بناء الدولة، وتجديد هياكلها المخلّعة والمتهتكة. وستكون حصيلة انبثاق المجلسين قفزة جديدة في البنيان الدستوري والسياسي للدولة الوطنية، ليغدو أكثر التصاقا بنبض الناس، ويتيح فرصا لتجديد التمثيل السياسي وضخ دماء جديدة في عروق النظام والنخب الحاكمة. وكثيرة هي الشواهد على أن التوليفة الراهنة استنفذت وظيفتها بتحقيق الشراكة المسيحية المباشرة والفاعلة في صيغة الطائف، وتجاوز مثالب مقاطعة الانتخابات ونتائجها السلبية شعبيا وسياسيا. ولا مبرر منطقيا لحبس الدولة وهياكلها في قيود ماضوية متخلفة، ينبغي الانعتاق من كبحها الخطير لفرص تَفتُّح القدرات الوطنية.
ثانيا: أول من بادر لطرح هذه المسألة الوطنية الهامة والنقلة النوعية دستوريا وسياسيا كان الرئيس نبيه بري، وهو مطالب اليوم، من موقعه الوطني والدستوري، بفرض تنفيذها، وقطع الطريق على أي تمييع يُدخِلها في مقبرة التأجيل المتواصل والتماهل البليد، الذي سدّ منافذ الإصلاح، وكتم أنفاس المؤسسات والبلد لعقود حفلت بالزلازل والتصدّعات. وكان أقلّ عائد محتمل لمرونة البنيان الدستوري الجديد وحيويته تحاشي الزلازل وامتصاص الصدمات. واليوم نؤكد على راهنية الخطوة وإلحاحها مع رفض أي ذرائع للمماطلة، فالبلد لم يعد يحتمل، وكلّ سعي لحبس فصل تغيير او إصلاح مستحق، هو تفجير فتنوي طائفي للبلد. وحيوية البنيان المؤسساتي وشعبية التمثيل الانتخابي تخنق أبواق الفتنة وأدوات التدخّل الاستعماري بحيوية الناس ومصالحهم ومطالبهم، ووجود مجلس نيابي منتخب خارج القيد الطائفي في لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية إلى جانب مجلس للشيوخ، هو خطوة كبرى إلى الأمام.
ثالثا: إن من يعترض طريق استكمال مسار الطائف يرتكب جريمة بحق الوطن والشعب، ويفترض بالقوى الحية والحريصة أن تشلّ محاولات التخريب، وتفضحها للناس، وتدعوهم للمساهمة في خنقها وإحباطها لحماية الوحدة الشعبية، وتحقيق وثبة دستورية سياسية مستحقة لم يعد ممكنا التغاضي عن مخاطر منعها وعرقلتها بأي ذريعة كانت. وليس صحيحا أن الوقت غير مناسب بذريعة أولوية تخطي الكارثة الاقتصادية المالية الخطيرة، بل إن هذا التطوير الدستوري والسياسي سيعطي المؤسسات فاعلية أكبر ومصداقية أعلى في التعبير عن الناس وتطلعاتهم على مفترق تحولات هادرة في المنطقة، محمّلة بالوعود والفرص ومواكبتها والتقاطها بحيوية النبض الشعبي، هي التحدي السياسي والدستوري الراهن.