نتنياهو.. العين على مبدأ المقاومة في شرعة الأمم المتحدة
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
فجأة وبدون أية مقدمات ، أطل نتنياهو من الجولان السوري المحتل في محطتين متتاليتين ، في الأولى يعلن على الملأ ، بأن كيانه مسؤول عن ضرب عشرات قوافل الصواريخ التي يدعي أنها كانت متجهة من سوريا إلى المقاومة في لبنان ، وفي ذلك تأكيد على ما دأب بتسميته ب “ الخط الأحمر الأول “ ، والمتمثل بمنع حصول هذه الأخيرة على أسلحة كاسرة للتوازن ، أما المحطة الثانية فكانت اليوم ، ومن المكان نفسه ، وذلك في انعقاد جلسة حكومته الأسبوعية فيه ، ليعلن بأن “ الجولان أرضٌ إسرائيلية ، لن تعود إلى سوريا أبداً .. “ وقد علل نتنياهو هذا الموقف بجملة من الحجج المختلفة ..
منذ إعلان نية نتنياهو لهذه المحطة الثانية ، سالت التحليلات التي تحاول رصد الخلفيات والرسائل التي يوجهها هذا الأخير ، سواء إلى الداخل الصهيوني ، أو حتى إلى العالم الخارجي ، من أمريكا إلى موسكو وغيرها من عواصم ما يُسمى بالمجتمع الدولي ..
ما من شك أن مختلف تلك القراءات في موقف نتنياهو ، كانت محقة فيما فصّلت فيها، تجاه هذه المحطة الثانية .. وبالتالي لا داعي لتكرارها .. ولكن ما هو جدير للإنتباه ، إن هاتين المحطتين الصهيونيتين ، وخصوصاً الأخيرة منها ، جاءت على وقع محادثات جنيف ٣ السورية – السورية ، والتي يُفترض أنها ستناقش وثيقة ديمستورا ذي البنود “ الإثنا عشرية “ والمقدمة إلى طرفي الأزمة في اليوم الأخير من الجولة السابقة لهذه المفاوضات ..
بالعودة إلى هذه الوثيقة – الأممية ، وإلى البند الأول فيها والذي ينص على “ 1 – احترام سيادة سوريا، واستقلالها، ووحدة وسلامة أراضيها. وعدم التنازل عن أي جزء من اراضيها الوطنية، والتزام استعادة مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية.”
لعل هذا البند ، هو الأكثر إزعاجاً لنتنياهو ، والذي يتحدث عن سوريا الواحدة الموحدة ، والذي يتعارض بالتأكيد مع تطلعات ورؤى الساسة ومراكز البحث الصهيونية ، والتي ترفض الحديث مطلقاً عن عودة سوريا إلى ما كانت عليه قبل العام ٢٠١١ ، وذلك لصالح نظرة صهيونية ترسم خارطة “ مفدرلة “ لهذه الدولة … ولعل الجملة الأخيرة من هذا البند في هذه الوثيقة ، هي التي أثارت نتنياهو – كما نعتقد – ، وخصوصاً أن هذه الأخيرة ، قد حُكي أنها نالت الرضى الروسي – الأمريكي عليها ، وذلك قبيل تسليمها عبر ديمستورا لطرفي الأزمة السورية .
قد يظن البعض أن هذه الجملة ، يُفترض بها أن تكون عامل اطمئنان لدى نتنياهو ، وخصوصاً أنها تتحدث عن “ استعادة مرتفعات الجولان بالطرق السلمية “ ، وهذا الأمر بحد ذاته يُعدّ مكسباً عظيماً لدولة الإحتلال – وبغض النظر عن الردود السورية حولها – ، كونه ينسف أحد مبادئ الأمم المتحدة ، والقانون الدولي ، والذي يعطي الحق للشعوب بتحرير أراضيها “ بكافة الوسائل المشروعة ، ومن بينها العمل المسلّح “ … إلا ّ أنه ، وعلى الرغم من أن هذه الفقرة ، ستجعل من الأراضي التي يحتلها الكيان الصهيوني في فلسطين وسوريا ولبنان ، غير قابلة للإسترجاع ، ولو بعد عشرات السنين من التفاوض المحكوم بالسلمية ، فيما لو افترضنا أن هذه الجزئية من ذاك البند قد أضحت واقعاً دولياً …
إذا ً ، وبدل أن يكون ذلك مدعاة ً لسعادة نتنياهو ، شكلت مواقفه في محطته الثانية “ قفزة متقدمة “ – إن جاز التعبير- ومزايدة على مواقف الأطراف الثلاثة ( أمريكا – روسيا والأمم المتحدة )
إذا ، لا بد من التساؤل : ما هي القطبة المخفية في تحدي نتياهو الأخير ؟ وهل للأمر علاقة ب “ عقيدة “ الكيان الصهيوني في الحصول على ما يبتغيه فعلا ً ، وذلك من خلال رفع السقف إلى أقصى مدى ؟
مراجعة بسيطة ومتيسرة لدى الجميع لتاريخ الكيان الصهيوني القديم والحديث ، وفي كافة المجالات والصعد ، فإن استراتيجيته تلك كان قد طبقها في أراضي فلسطين ٤٨ ، ومن ثم في ما تبقى منها من أراضي ٦٧ ، وكذا الأمر مع مصر ، وما ترتب على الأرض المصرية بعد اتفاقية كامب ديفيد ، مكررا ذلك مع لبنان واحتلاله للعاصمة بيروت ، ومن ثم الإنكفاء نحو حدود الليطاني ( وهذه الجزئية من الأرض اللبنانية كانت ضمن ما كُشف لاحقاً من أطماع مثبتة في وثائق العدو ) ، مكرراً ذلك في الجغرافيا الأردنية ، وذلك من خلال اتفاقية وادي عربا ، وما نتج عنها من قيود مفروضة على الأراضي الأردنية تحت ستار القوننة .. ليكمل الكيان على الصعيد الإنساني في قضية المهجّرين قسراً عن فلسطين ، والإلتفاف على حق العودة للفلسطينيين ، وتقزيمه ضمن “ اتفاقات اوسلو” وما تلاها إلى أضيق مدى .. وصولا ً إلى تلك اليافطة التي رفعها نتنياهو في الأمم حول ما اسماه القنبلة النووية الإيرانية ، والذي استثمر ، وما زال يستثمر بها في ابتزاز امريكا والغرب عموما حول سكوته فقط ، وليس عدم اعترافه بالإتفاق النووي الذي أبرمته القوى الكبرى مع إيران في الصيف الماضي ، والذي لا زال نتنياهو ، يعيش الدلال في قبول التعويضات الأمريكية – والتي تفوّق أوباما في تقديمها عن كافة نظرائه الأمريكيين في مستوياتها السخية – ، وكذا الأمر بالنسبة لمعظم الدول الغربية ، وعلى رأسهم ألمانيا …
إذاً ، ووفقاً لهذا المبدأ الصهيوني ، في سياسة تضخيم المطالب ، وذلك للحصول على المأمول ، والذي يتقن نتنياهو في العزف على آوتارها جيداً ، فإن رسالته السورية اليوم ، والتي ربط فيها بين قبوله بتسوية دولية لسوريا ، مرهونةً بانسحاب إيران وحزب الله ، وضم إليهما زوراً داعش ، من سوريا … فلقد كانت- أي هذه الرسالة – أشبه برسالة أمريكا إلى سوريا في العام ٢٠٠٣ ، والتي حملها كولن باول إلى القيادة السورية بضرورة طرد فصائل المقاومة منها ، وذلك تحت تهديد الغزو التالي لها في حال عدم الإستجابة …
ربما تكون هذه الرسالة الصهيونية المسبقة إلى سوريا ( سواء أكانت دولة قطرية أو حتى نيو قطرية أو فيدرالية أو غيرها ) بأن “ التنازل الصهيوني “ الممكن عن ذاك السقف الصهيوني المرتفع فيما خص الجولان ، وبغض النظر عن آلية الحل في سوريا ، وسواء كان ذلك عاجلا ً أم أجلا ً ، فإن يتراوح بين حدي ( سوريا المسالمة والمسلوخة من محور الممانعة ، أو الحصول على ضمانات دولية وأممية بنسخ حق الدول والشعوب في استرجاع أراضيها بكافة الوسائل المتاحة ، وذلك لصالح الطرق السلمية حصراً وحصراً فقط ) .
بكلمة أخيرة ، لعل الرسائل الصهيونية تلك ، موجهة ً إلى المجتمع الدولي بكافة أقطابه ،مفادها بأن نسخ المقاومة من شرعة الأمم المتحدة ، لهو “ التنازل الصهيوني “ الممكن في أية مرحلة قادمة .. لا بد من الحذر ورؤية الطروحات الصهيونية من زاوية أبعد .
باحث وكاتب سياسي