نتائج الانتخابات التونسية .. ومعانيها
موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبير:
من يقرأ تحليل الانتخابات التونسية في الصحافة العربية، يرى نفسه امام تحليل لكيان لا تاريخ سياسي له كما أنه بدون جعرافيا سياسية! إغفال التاريخ السياسي يرجعنا إلى نقطة الأصل أي النقطة صفر وصفر على محاور الدراسة، فهل صحيح أن تونس بلا تاريخ سياسي وأنها تبدأ اليوم؟! ثم أليست تونس جزءا من المنظومة التي استهدفتها وثيقة بنرمان، بمعني أنها موقع في جغرافية سياسية؟!
من تاريخ تونس السياسي المعاصر نرى أن فرنسا ـ التي انهزمت أمام الشعب التونسي، ولم تستطع مواجهته ـ قامت بمحاولة سرقة ثورته، وقد نجحت في ذلك.
كيف نجحت أي كيف تم سرقة الانتصار التونسي على الاستعمار الفرنسي؟ تم ذلك بالنفي والاغتيال للزعماء الوطنيين والشخصيات القيادية في التيار الوطني والعروبي من أمثال صالح بن يوسف الذي نفته ثم اغتالته، وبالاغتيال مباشرة أحيانا عندما يعجزون عن إقصائه بالنفي أو بأية وسيلة أخرى كما حدث في حالة الزعيم الوطني والنقابي الكبير فرحات حشاد.
هؤلاء هم الزعماء والقادة الحقيقيون للنضال التونسي ضد الاستعمار، تغييبهم مهد لسرقة النضال التونسي من خلال دفع عميلهم الحبيب بورقيبة إلى الواجهة!
ثم أليست تونس وحدة في منظومة جغرافية سياسية؟! المنظومة التي استهدفتها وثيقة مؤتمر بنرمان في توصياته! مصر وحدة في منظومة الجغرافيا السياسية هذه. ماذا تم بها بعد ثورة يناير 2011؟ لقد تمت محاولة سرقة الثورة، وقد نجحت هذه السرقة من خلال حصر التنافس النهائي بين الفلول والاخوان واستبعاد التيار العروبي الناصري ممثلا في حامدين صباحي.
صحيح أ. حمدين صباحي لم يكن يمثل القوة والحزم في التيار الناصري، خاصة تجاه الفتنة على أرض الشام، لكن كان ذلك لقلة وعيهم السياسي! وقد تم سرقة الثورة تحت أعين مفجريها فمثلا الدكتور عبدالحليم قنديل، كانوا يلهونه على قناة الجزيرة بإشغاله بالتنظير – عن عدم دراية – للفتنة على أرض الشام! كان الجانب الإجرائي يتمثل في دفع النتائج لتذهب إلى حصر الاختيار بين الفريق أحمد شفيق، والدكتور محمد مرسي، من خلال مساعدة الفريق أحمد شفيق في الانتخابات التمهيدية. الضغوط الكبيرة تدفع باتجاه الاندفاع في مساندة الفريق أحمد شفيق، وهو ما دفع بالمشير طنطاوي إلى الاعتقاد بأن المستهدف للرئاسة على ارض الكنانة هو الفريق أحمد شفيق، فبارك له بالرئاسة في الاسكندرية سلفا وهو ما زال في معركة الدور الأول، فلم يستوعب المشير طنطاوي أبعاد اللعبة.
إذن بدراسة بعدي التاريخ السياسي والجغرافيا السياسية نرى أن المستهدف هو إقصاء التيار العروبي الوطني، سواء بالإسقاط أو الاغتيال. فهل هذا ما تم على أرض تونس الحبيبة لسرقة الثورة التي فجرها البوعزيزي؟ خاصة أننا نرى أن التنافس انحصر اليوم بين الإخوان وتيار الفلول بزعامة السبسي، وهو نفس ما حدث على أرض الكنانة؛ حصر التنافس بين الفلول ممثلا في أحمد شفيق، والإخوان ممثلا في محمد مرسي.
الزعيم الوطني الكبير شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين ومؤسس الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة، والذي لا تليق الرئاسة التونسية في هذه المرحلة إلا له لنضجه السياسي ورؤيته للأوضاع على مستوى الأمة وعلى مستوى تونس في آن واحد، وكذلك وزميله أ. محمد البراهمي أمين عام حزب التيار الشعبي، يمثلان مراكز ثقل في التيار العروبي الناصري. وهنا تأتي عملية اغتيالهما كمقدمة لحصر التنافس بين الفلول مثلا بحزب نداء تونس والإخوان ممثلا بحزب النهضة. اغتيالهما أدى إلى تشرذم القوى العروبية ففتحت الطريق أمام الفلول. تماما كما حصل في دفع شفيق للترشح ودفع المجلس العسكري لتأييده. الأصوات التي ذهبت إلى الفلول في نداء تونس هي نتيجة اتجاه سلبي نحو النهضة، لا حبا في نداء تونس ممثل الفلول. فبعد انحصار التنافس على أرض الكنانة بين الفلول ممثلا في ترشح الفريق أحمد شفيق والإخوان ممثلا في ترشيح د. محمد مرسي، انقسم الناس، بما فيها التيار العروبي فمثلا د. هدى عبدالناصر قالت إنها ستنتخب الفريق أحمد شفيق مفضلة الفلول على الإخوان، بينما د. عبدالحليم قنديل قال إنه سينتخب مرسي متجرعا أياهم على مضض حتى لا يرجع للفلول، أي أعطاهم صوته عن عدم اقتناع وقال لنعطِهم الفرصة ونجربهم! لذا على التيارات العروبية الناصرية في تونس ان توحد مجهوداتها وتفرز مرشحا لهذه الانتخابات الرئاسية القادمة في تونس. فهل نرى توحدها ليتوحد الشعب التونسي تحت رايتها. يجب أن يفيق الشعب التونسي حامل راية الحرية والاستقلال في الأمة وأن يعي ما يتم تدبيره له، حتى لا تتكرر مأساة الخمسينات بسرقة ثورته.