نار أميركية بلا دخان
موقع قناة المنار-
رفعت ابراهيم البدوي:
أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم الخميس الماضي، عن اكتشاف معامل ومختبرات بيولوجية وجرثومية سرية تعمل في أوكرانيا، وتجري تجاربها على عينات من «فيروس كورونا الخفافيش» وبتمويل مباشر من الولايات المتحدة الأميركية، ويبدو أن تجارب العينات المنتجة في أوكرانيا قد تم استعمالها في دول عدة.
المتحدّث باسم وزارة الدفاع الروسيّة، إيغور كوناشينكوف أشار إلى أن الهدف من هذه الأبحاث البيولوجيّة، التي تُموّلها وتدعمها أميركا في أوكرانيا، تهدف إلى إنشاء آليّة سريّة، تنشر الأمراض الفتّاكة في دولنا وعلى حدودنا، عن طريق الطّيور البريّة المُهاجرة والخفافيش.
وفي وقت لاحق، كشف الكرملين عن امتلاك روسيا وثائق وأدلة دامغة، تثبت تورط الولايات المتحدة الأميركية، في إجراء أبحاث لإنتاج الأسلحة البيولوجية، في المعامل الأوكرانية المذكورة.
وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، وفي جلسة استماع في الكونغرس، اعترفت بأن أوكرانيا لديها مرافق أبحاث بيولوجية، تعمل لمصلحة البنتاغون، مضيفة باعترافها بأن البنتاغون «يجهد مع الأوكرانيين، لمنع وقوع أي من هذه المواد أو المستندات البحثية، في أيدي القوات الروسية» الموجودة في أوكرانيا.
ورغم اعتراف فيكتوريا نولاند الصريح بيد أن الولايات المتحدة تراجعت عن اعترافات نولاند، فقد نشرت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، جين ساكي، ثماني تغريدات متتابعة، لم تقتصر فقط على اتهام روسيا بتقديم مزاعم كاذبة حول معامل الأسلحة البيولوجية الأميركية في أوكرانيا، بل ألقت باللوم كذلك على الصين في تأييد هذه الدعاية، ونشرت المجلة الأميركية «بلومبورغ»، مقالاً بعنوان «الصين تدفع بنظرية المؤامرة بشأن مختبرات الولايات المتحدة في أوكرانيا».
الاتهام الأميركي ضد الصين جاء بعد تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، حض فيه الولايات المتحدة على «تقديم تقرير كامل عن أنشطتها العسكرية البيولوجية، في داخل أميركا وخارجها، داعياً لإخضاع أميركا إلى تحقيق شفاف ومتعدد الأطراف، مضيفاً: إن التصريحات المتناقضة للمسؤولين الأميركيين، جعلت نفي الولايات المتحدة لوجود مختبرات حيوية لها في أوكرانيا بأنه أمر مشكوك فيه.
الأستاذ في معهد العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية لي هايدونغ، قال لصحيفة «غلوبال تايمز»: إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، تحمل روايات مختلفة، وهذا الاختلاف يمكّن العالم من معرفة حقيقة الكذبة التي تحاول الولايات المتحدة إخفاءها، كلما تناقضت مع نفسها، كلما زادت من الشكوك وانتفت مصداقية أميركا تجاه العالم.
وإذا ما عدنا إلى عام 2020، وتحديداً مع فورة انتشار فيروس كورونا، حينها قامت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، بالاشتراك مع وسائل الإعلام الأميركية، بالترويج لنظرية انتشار فايروس «كوفيد-19» من معهد «ووهان» الصيني، المخصص لعلم الفيروسات، كما أن ترامب نفسه دأب على تسمية فيروس الكوڤيد 19، بالفيروس الصيني، الأمر الذي أحدث ضجيجاً عالمياً، لمطالبة الصين بتوضيحات وتعويضات.
ومع مرور الوقت توضحت النيات الأميركية الكامنة من الترويج الإعلامي لنظرية تسرّب الكوڤيد من المختبر الصيني، واكتشف العالم أن الدعاية الأميركية، جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية الأميركية للإضرار بسمعة الصين واحتوائها سياسياً واقتصادياً.
إن الولايات المتحدة الأميركية اليوم صارت في موضع المتهم، ومطالبة بإعطاء أجوبة واضحة، ليس فيما يتعلق بعمل ومشروعية المختبرات المكتشفة في أوكرانيا، إنما بكل ما يتعلق بالمختبرات الحيوية الأميركية في جميع أنحاء العالم، وخصوصاً أنه ليس لدى المجتمع الدولي، أي فكرة فيما إذا كانت المختبرات الحيوية الخارجية، الممولة أميركيا والمختبرات الموجودة على أراضيها، مثل فورت ديتريك Fort Detrick، وعددها 336 معملاً، تتوافق مع اتفاقية الأسلحة البيولوجية، على حين أن ما يتم إجراؤه داخل هذه المختبرات الحيوية يدخل في خانة السرية التامة، الأمر الذي يهدد الأمن البشري.
السؤال: لماذا كانت الولايات المتحدة الأميركية ولم تزل بمفردها، تعرقل إنشاء آلية للتحقق من الالتزام باتفاقية الأسلحة البيولوجية، كما أنها رفضت مراراً التحقق من عمل مرافقها ومختبراتها البيولوجية، في الداخل الأميركي وخارجه وعلى مدى العقدين الماضيين؟
لماذا الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك أسلحة كيميائية وجرثومية تهدد الحياة البشرية، ولم تسع لتدميرها حسب الاتفاقيات المبرمة دولياً، فيما تحرّم امتلاكها على أي دولة أخرى، وتفرض عليها عقوبات سياسية ومالية، وتسعى إلى تجريمها وتشويه سمعتها.
إن منظمة الصحة العالمية «WHO»، أوصت سلطات أوكرانيا بتطبيق مبدأ السلامة والأمن، كما أنها قد مارست ضغوطها على السلطات الأوكرانية، لاتخاذ خطوات فعالة وملموسة، لتدمير منتجات مختبراتها، وكل مسببات الأمراض الخطرة، لمنع أي تسرب محتمل، إلا أن أوكرانيا لم تأخذ بالتوصية واستمرت بعمل المختبرات وبدعم أميركي مطلق.
إن الكشف عن أن المختبرات البيولوجية الجرثومية، العاملة في أوكرانيا لمصلحة وزارة الدفاع الأميركية، وإجراء تجارب على عينات من فيروس كورونا الخفافيش، يجعل الولايات المتحدة الأميركية مطالبة بتقديم أجوبة واضحة ومفصلة للبشرية، عن ماهية عمل المختبرات، وإلا فإن أميركا تعتبر مدانة لارتكابها جرائم بحق الحياة البشرية، على أساس عنصري وعرقي وديني، تماماً كما فعلت في اليابان وإبادتها السكان المدنيين في كل من هيروشيما وناكازاكي، أو كما فعلت بإفريقيا أثناء انتشار وباء الإيبولا، وبالقضاء على نسل الهنود الحمر أصحاب الأرض الأميركية الأصليين، ما أدى إلى سحق أكثر من 20 مليوناً منهم.
ليس من قبيل المصادفة أن يأتي تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، متضمناً دعوة المجتمع الدولي، إلى حشد الجهود لإنهاء وباء كورونا بكل البلدان، وإغلاق هذا الفصل المحزن في تاريخ البشرية، مرة واحدة وإلى الأبد، واللافت أن دعوة غوتيريش، جاءت بالتزامن مع انكشاف أمر المختبرات البيولوجية في أوكرانيا وعملها السري لمصلحة وزارة الدفاع الأميركية.
دعوة غوتيريش وصفها أحد سفراء روسيا، فضل عدم ذكر اسمه، قائلاً: في الشكل إنها دعوة سامية لخدمة البشرية، أما في المضمون فهي دعوة لإخفاء معالم الجريمة الأميركية ضد البشرية.
المثل الشائع هو لا دخان من دون نار، بيد أن أميركا اعتمدت أسلوباً جديداً في ارتكاب جرائمها وهو «نار أميركية من دون دخان»، وخصوصاً بعد لجوئها إلى وسائل جرثومية بيولوجية صامتة، بهدف القتل والإبادة الجماعية، بدلاً من هول ضجيج الطائرات الحربية، والصواريخ الباليستية، أو القنابل الذرية، وما لجوء أميركا إلى مختبرات سرية، تعمل على تجارب لنشر الفيروسات الفتاكة ضد البشرية، إلا ارتكاباً للجريمة النكراء ضد الإنسانية وتهديداً مباشراً لحياة البشرية جمعاء.
إن إيجاد آلية قانونية وموثوقة، لمحاكمة ومحاسبة وإدانة أميركا، لهو أمر ضروري، نظراً لارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية في كل من فيتنام واليابان وإفريقيا وفنزويلا والعراق وأفغانستان وإيران واليمن ولبنان وسورية وليبيا والسودان، ولا ننسى محاكمة وإدانة فرنسا لارتكابها الإبادة الجماعية بحق شعب الجزائر.
لقد أثبتت الممارسات التاريخية لأميركا والغرب، أنها ممارسات لا تمت للإنسانية بصلة، ولا تحترم الديمقراطية بمكان، وأنها على استعداد للمضي قدماً، في ابتزاز وإخضاع الدول المستضعفة أللهيمنة، وفي ترهيب الشعوب بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، للسيطرة والسطو على ثروات الشعوب والأوطان.