نائب وزير الدفاع العماد طلال طلاس في حوار مع «الثورة»:قـــوة وصمــــود قواتنــــا المســلحة نابعــــة مـن خصوصيـــة انبثـــاقه من صفــوف الشـعب
صحيفة الثورة السورية:
– تحلُّ اليوم الذكرى الثامنة والستون لتأسيس الجيش العربي السوري
وهو يواجه أشرس حربٍ كونية تواجهها سورية من قوى غربية عدوانية وإقليمية تابعة لتلك الدول، وهدفُها الخفي والمعلن تدمير الدولة السورية.
برأيكم ما أسباب الصمود والثبات والانتصارات التي حققها جيشنا الباسل طيلة الفترة الماضية ؟
مع إطلالة الذكرى الثامنة والستين لتأسيس الجيش العربي السوري أتوجه بأطيب التحيات والتهنئة القلبية لجميع أبناء قواتنا المسلحة الباسلة وهي تسطر أروع آيات التضحية والفداء دفاعاً عن مقومات السيادة والكرامة وباسمهم جميعاً أرفع بطاقة حب ووفاء لقائد الوطن السيد الرئيس الفريق بشار الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة معاهدين سيادته أن يبقى الجيش العربي السوري رمزاً للشرف والبطولة ومدرسة للسلوكية الوطنية والقومية فكل عام ووطننا بخير شعباً وجيشاً وقيادة.
أما ما يتعلق بأسباب الصمود فهي ببساطة خصوصية الجيش العربي السوري المنبثق من صفوف هذا الشعب الأبي والحريص على تقديم كل غالٍ وثمين في سبيل الدفاع عن أمن الوطن والمواطنين،وبالتالي فإن حالة التلاحم المصيري بين الجيش والشعب تعكس مدى الثقة المتبادلة
بين الطرفين، فالجيش من نسيج هذا الشعب، وهو ما تُرجم احتضاناً شعبياً وتعاوناً واسعاً وتعاضداً قطع الطريق على محاولات النيل من ذلك الترابط العضوي بين الجيش والشعب، أضف إلى ذلك هيكلية القوات المسلّحة وبناءها العقائدي والفكري المتين، وقدراتها النوعيّة في الإعداد والتدريب ،كلّ ذلك وفّر لها عوامل الصمود والثّبات، وتحقيق الانتصار تلو الانتصار
على قوى الشرّ والعدوان وأدواتها، فجيشنا البطل جيش عقائدي، وقد أثبت قدرة مميزة على التكيف مع متطلبات أية حرب يخوضها، وكما أنه على يقين أن رسالته السامية تحتم عليه البقاء في جهوزية دائمة لأداء الواجب الوطني المقدس في كل زمان ومكان، وبالتالي نحن أمام مقاتلين مدربين جيداً، ومؤمنين بعدالة وقدسية المهام التي ينفذونها وروحهم المعنوية عالية، وهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع السوري وثقتهم مطلقة بقيادتهم المهتمة بشؤونهم والمنخرطة بشكل آني في متابعة تنفيذ المهام، ومقاتلون كأولئك لا يمكن إلا أن يكونوا على موعد مع النصر، وليس الصمود فقط.
– يواجه جيشنا العربي السوري ـ وهو يسطِّر أروع ملاحم البطولة والانتصارات على العصابات الإرهابية المدعومة عربياً وخليجياً وتركياً ــ حرباً إعلامية على مختلف الجبهات.
كيف نجحت قيادة الجيش في صدِّ هذه الهجمة الشرسة؟ وما سرُّ هذا الصمود قتالياً ومعنوياً وعقائدياً؟
من يرجع إلى بداية هذه الحرب المفتوحة على سورية يتأكد له كيف تعاملت القيادة برباطة جأش والابتعاد عن ردود الأفعال، والحرص على الاحتكام إلى لغة العقل والفعل المدروس وليس إلى لغة الانتقام والتصعيد، وقد كان للتعامل الأخلاقي وعدم السماح لجميع الجهات المختصة بحمل السلاح في مواجهة ما أسموه حراكاً وعلى امتداد أشهر متعددة الدور الكبير في فضح حقيقة التآمر والعدوان وانخراط أطراف عدة عربية وإقليمية ودولية، وهذا ما عرّى العصابات الإرهابية المأجورة على حقيقتها وفضح ارتباطاتها الخارجية، مما أعطى المقاتل العربي السوري مزيداً من التصميم على التصدي البطولي لأصحاب الفكر التكفيري الظلامي الهادف إلى تفتيت سورية وإعادتها قروناً إلى الوراء، وهذا ما لا يقبل به مواطن شريف مدنياً كان أم عسكرياً، وفيما يتعلق بالصمود القتالي فقد أظهر المقاتل السوري كفاءة استثنائية في التكيف مع ظروف المعارك المركبة التي يخوضها، وهو بالأساس محصن نفسياً وعقائدياً على يقين باهتمام القيادة بشؤونه، وبالدور الخلاق للشعب العربي السوري الملتف مع جيشه حول قيادة استراتيجية استطاعت بمهارة وحكمة إدارة الحرب العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية، ولا يخفى على أحد أنّ الحرب الإعلامية أداةٌ رئيسة من أدوات هذه الحرب التي تشن ضدّ سورية، حيث استُخدمت من خلالها جميع الوسائل القذرة
من تزييف وتضليلٍ ممنهجٍ وتحريضٍ طائفي وغير ذلك .
ولمواجهة هذه الهجمة الشرسة تم التعاون مع المؤسسات والوزارات ذات الاختصاص لكشف حجم هذه الحرب وأبعادها، ولتحصين الوعي لدى المواطنين عسكريين ومدنيين، ولا يفوتني أن أذكر أننا في قيادة الجيش نعلم أنّ البناء النفسي والمعنوي والعقائدي لا ينفصل بحالٍ من الأحوال عن الجانب القتالي التقني، ولذلك كان الجانب العقائدي والمعنوي محلّ اهتمامٍ قيادة الجيش ورعايتها قبل الأزمة بزمن طويل وفي أثنائها، ولذلك سرعان ما أدرك الجندي العربي السوري المآرب الخبيثة الكامنة وراء هذه الهجمات الإعلامية والتفّ حول قيادته واستعدّ لما يُطلب منه.
– منذ التأسيس وحتى يومنا جنّد جيشُنا الباسل نَفْسَه لخدمةِ قضايا أمتِنا والدِّفاع عن وجودِها وكرامتِها .
كيف تقرؤون عقيدةَ هذا الجيش القوميَّة وعدم نظريتِه يَوماً إلى أي قضية عربيّة نظرةً إقليميةً ضيِّقة ؟!
الجيش العربي السوري منذ نشأته كان جيش الأمة العربية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأول من آب هو عيد مشترك لتأسيس الجيشين الجيش العربي السوري والجيش اللبناني، وقد كان الهم القومي أمام ناظر المؤسسة العسكرية، وهذا ما جسده جيشنا العقائدي في جميع مواجهاته، فقد شارك في الدفاع عن فلسطين منذ 1948م، وامتزجت دماء الشهيد جول جمال بالمياه المصرية دفاعاً عن عروبة مصر في مواجهة العدوان الثلاثي، وخاض حرب تشرين التحريرية وحرب الاستنزاف بكل بسالة وإقدام، ودافع عن عروبة لبنان والتصدي للاجتياح الصهيوني عام 1981م ودعم المقاومة اللبنانية إلى أن أنجزت الانتصار عام 2000م والانتصار الأكثر حضوراً في الذاكرة الجمعية للشعب العربي عام 2006م، كما أنه وقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية وكذلك العراقية، وتاريخ الجيش العربي السوري زاخر بمواقفه القومية وعقيدته المستندة والمنطلقة بآن معاً من أهمية الدفاع عن جميع حقوق الأمة، وهذا ما أكسبه خبرة قتالية، وسمعة عطرة تتناسب والمهام الجليلة التي ينفذها، وهو محط إعجاب وتقدير جميع أبناء الأمة الشرفاء.
– تتقدم قواتنا المسلحة في مختلف المناطق التي دخل إليها الإرهابيون وأدوات إجرامهم، وتحاول إعادة الأمن والاستقرار إلى كل ربوع الوطن بعد أن عاثوا فيها قتلاً ودماراً وفساداً، ولكن ـ سيادة العماد ـ لماذا تأخر الحسم في بعض المناطق؟
هل السبب هو عدم تعريض المدنيين للخطر كما أشرتم غير مرة أو أنّ هناك أسباباً أخرى؟
موضوع الحسم شيء وموضوع القدرة على تنفيذ المهام القتالية التي تسند شيئاً آخر، فما تواجهه سورية أكثر من حرب تقليدية، بل هي حرب مركبة تختلط فيها الحرب التقليدية بحرب الشوارع والعصابات، والمقياس في مثل هذا النوع من الحروب لا يكون عبر الوقت بل من خلال النتائج، هذا من جهة، ومن جهة أخرى على المتابع العادي أن يدرك أن العصابات الإرهابية المسلحة والإرهاب الذي تم تصديره إلى الداخل السوري يرى في كل مكونات الوطن هدفاً، وبالتالي هم يستهدفون المدنيين والعسكريين والنساء والأطفال والشيوخ والبنى التحتية، أما الجيش العربي السوري فهدفه هو القضاء على الإرهابيين، وهذا يتطلب الكثير من الحذر والدقة، فضلاً عن الأولويات التي يجب أخذها بالحسبان في أية معركة، وفي مقدمة تلك الأولويات الجانب الأخلاقي فالجندي السوري حريص على عدم إراقة قطرة دم واحدة بريئة، كما أن القادة الميدانيين حريصون على حياة مقاتليهم وعلى حياة مواطنيهم، وعلى الممتلكات العامة والخاصة، وفي الوقت ذاته لابد من أخذ همجية الإرهاب الذي نواجهه بالحسبان ولا سيما ما يتعلق بالتفخيخ والعبوات الناسفة، وكل ذلك يتطلب التعامل بهدوء أعصاب وعقلانية وابتعاد عن ردود الأفعال، أما لو كان الأمر يتعلق بالحسم العسكري المباشر فسادة من يشغل هذه العصابات الإجرامية يدركون أن الجيش العربي السوري قادر على الحسم والحسم السريع، لكن الأمور لا تقاس بمنطلق القوة النارية فقط فنحن نجاري العدو في بلادنا وعلى أرضنا وضمن أحيائنا، وهذا له حسابات خاصة.
– قدم جيشنا الباسل قوافل الشهداء منذ بداية الأزمة وحتى اليوم, ليزهر الربيع في ربوع وطننا ,وليستردَّ شعبُنا ووطنُنا عافيتهما ..
كيف كرم بلدنا وجيشنا هؤلاء الشهداء وأبناءهم وأسرَهم؟
تجربة سورية في تكريم الشهادة والشهداء تجربة نوعية رائدة على مستوى العالم وهذا ليس وليد اليوم أو الأمس القريب بل منذ فجر الحركة التصحيحية التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد 1970م، ولعل مدارس بنات وأبناء الشهداء الدليل الناصع على صحة هذا القول، أما فيما يتعلق بالحرب المفتوحة على سورية منذ قرابة عامين ونصف فقد كان للشهداء حضور وجداني دائم في تفكير القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، وهناك في كل محافظة مكتب لمتابعة قضايا الشهداء والاهتمام بأبنائهم وذويهم، لأننا على يقين أن عطاء الشهيد لا يقابله عطاء في الكون، والسيد الرئيس الفريق بشار الأسد مهتم جداً بهذا الأمر بشكل شخصي، والمتابع لما يجري في سورية يلمس مدى الاهتمام الكبير بتكريم الشهداء من لحظة تشييعهم، واللقاء بذويهم ومتابعة شؤون أبنائهم وأسرهم يوماً بيوم ولحظة بلحظة، وهذا أقل ما يجب أن نقوم به تجاه أرواحهم الطاهرة التي قدموها عربون محبة لهذا الوطن الذي يفخر بشهدائه ويعتز ببطولات أبنائه ويخلّد أبطاله بما يليق بهم وعلى شتى الصعد والميادين.
– الحرب امتدادٌ للسياسة، ولا تنتهي الحروب إلاّ على مائدة المفاوضات بحصاد المنتصر نتائج سياسية.
هل تنطبق هذه القاعدة على الحرب التي تخوضها سورية مع الإرهاب المسلّح والمتطرِّف الذي تقف خلفه دول في الغرب والشرق.
الأمر الطبيعي أن هذه الحرب ليست خارج التاريخ، وهي وإن كانت الأطراف المشتركة في العدوان متناقضة مع كل ما له علاقة بالقانون الدولي والأخلاق، إلا أن الحرب تبقى خاضعة لمفرزات التجربة البشرية على امتداد تاريخها الطويل، ولأن أعداء سورية على يقين بأن من حق المنتصر أن يبني على انتصاره في الجانب السياسي لذلك نجدهم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يناورون ويداورون لإطالة أمد المواجهة لعل ذلك يسهم في استنزاف قدرات الدولة السورية، ولعل أكثر ما يقض مضاجع صناع القرار في واشنطن وتل أبيب ومن يدور في فلكهما المأفون اليقين بأن ما لديهم من أوراق يمكن البناء عليها في السياسة تتناقص، وأن الأوراق التي كانت صالحة للاستخدام قبل أيام لم تعد كذلك.
نحن في سورية منذ البداية أكدنا على أهمية الحل السياسي، عبر الحوار الوطني بين جميع أبناء الوطن الذي يتسع للجميع، لكن الدعوة الصادقة والجادة للحل السياسي والحوار لا تلغي واجب الدولة في الاستمرار بالتصدي للإرهاب وملاحقة فلوله حتى القضاء على آخر إرهابي وإعادة الأمن والأمان إلى جميع ربوع سورية التي ستبقى رغم أنوف أعدائها قلب العروبة النابض بكل مقومات السيادة والكرامة.
– القتال في داخل المدن ضد عصابات ومجموعات صغيرة يُعدُّ واحداً من أصعب وأعقد الأعمال القتالية على الجيوش الوطنية والقوات التقليدية المؤهلة للقتال على الجبهات..
كيف تقيمون أداء قواتنا المسلحة وجيشنا الوطني في مواجهة الإرهابيين؟ وهل كان ممكناً إحداث ما يشبه الصدمة لدى المرتزقة لردعهم أو أنّ استخدام مزيد من القوة من عدمه ما كان ليغير شيئاً في مسار المعارك الجارية؟
بنية الجيش العربي السوري وتدريباته وأماكن توزعه وانتشاره قائمة على أساس أن عدونا الرئيس هو الكيان الصهيوني، وبالتالي كل ما له علاقة بالإعداد والاستعداد ينطلق من هذه القاعدة، لكن رجال الجيش العربي السوري استطاعوا أن يكيفوا أنفسهم مع مقتضيات ومفرزات هذه الحرب شبه الكونية التي فرضت على سورية، وقد أبدعوا في ذلك باعتراف الأعداء قبل الأصدقاء، أما موضوع تحقيق الصدمة عبر استخدام المزيد من القوة، فالجيش لا يخوض معاركه بالعواطف بل بشكل علمي ممنهج ومدروس، وعلى الجميع أن يتذكر أن ميدان المعركة هو أرض سورية ومدنها وقراها، وكل ما في سورية يهم المقاتل العربي السوري الحريص على الحفاظ على البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة، وهذه إحدى مهامه الدائمة، وأستطيع القول إن الجيش يتعامل وفق مقتضيات كل معركة، ويستخدم الحد الأدنى من القوة النارية لإنجاز المهمة ونحن مقتنعون بنجاعة هذا القرار.
– الحرب خدعة .. وعندما تُفرض على طرفٍ غالباً ما يلجأ إلى التكتيكات التي فيها مناسيب مختلفة من الخدعة التي تستدرج العدو حيناً والتي تردعه ربما حيناً آخر..
ونحن نواجه عدواً مختلفاً في تأهيله وعقيدتهِ المتطرفة .. فهل يحتاج الأمر لأساليب غير تقليدية للنيل منه؟
بكل تأكيد نحن نواجه أشرس أنواع الأعداء ممن يحملون فكراً ظلامياً تكفيرياً، والكثير منهم لديهم تجارب سابقة وشارك في أكثر من حرب في الشيشان والعراق وأفغانستان وغيرها، كما أنه لا يجوز تناسي دور الإشراف والتخطيط الاستخباراتي الخارجي الذي يحدد الأهداف ويخطط ويتابع مجريات الميدان في كل معركة، أما فيما يتعلق بالدهاء العسكري واستدراج العدو فرجال الجيش العربي السوري مبدعون في ذلك، وهذا ما سيتحول إلى مادة دراسية في جميع المعاهد والأكاديميات العسكرية ومراكز الدراسات الاستراتيجية ليس داخل سورية فحسب بل لدى الدول التي تدير هذه الحرب على سورية أيضاً، وبعد إعلان الانتصار يمكن الحديث بتفاصيل كثيرة حول هذا الأمر.
– يقول بعضُهم : ما أهميةُ الانتصارات التي يحقِّقُها الجيشُ العربيُّ السّوري إذا كانت تُلحِقُ دماراً واسعاً بالمنطقة أو المناطق التي يتمُّ تحريرُها من المجموعات الإرهابيّة؟
كيف توضّحون ذلك سيادةَ العماد؟ وكيف تنظر المدارس الحربية أكاديمياً إلى هذا الأمر؟
على أصحاب مثل هذا المنطق ألا يتناسوا أننا نخوض حرباً مفتوحة في مواجهة العديد من الدول العالمية والإقليمية والعربية، وهي حرب مع أسوأ وأقذر أنواع الإرهاب العالمي الممنهج العابر لحدود الدول والأوطان، وبكل تأكيد عندما نقول حرباً فهذا يعني وجود خسائر مادية وبشرية، ما من حرب عبر التاريخ تقتصر على المكاسب دون خسائر، هذا من جهة ومن جهة أخرى أستطيع أن أؤكد أننا نتمنى ألا تسال قطرة دم واحدة وألا يهدم حجر واحد ، لكن هناك واجبات ومسؤوليات لا يمكن للدولة إلا أن تضطلع بها تجاه سكانها ومواطنيها، والجميع يعلم أن حلب على سبيل المثال بقيت أكثر من عام لم تشهد إطلاق رصاصة، وما من مكان شهد عمليات قتالية إلا بعد أن يدخل إليه المسلحون من العصابات الإرهابية ويعيثون فساداً وقتلاً وتخريباً فهل يقف الجيش يتفرج على أولئك القتلة وهم يعتدون على كرامات الناس وحقوقهم وممتلكاتهم وأعراضهم، ومع أن جيشنا الباسل يحرص كل الحرص على أن تكون الأضرار في حدودها الدنيا، لكن العصابات المرتبطة بأجندات خارجية تحول المناطق التي تدخلها إلى ثكنات عسكرية، وتعمل على التحصن بالمنشآت العامة والخاصة، فضلاً عن الأنفاق التي ميزت أداء أولئك القتلة، وعندما يتدخل الجيش أو يستهدف مكاناً ما يكون الاستهداف بعد عملية رصد واستطلاع وتعقب ومتابعة وتقاطع معلومات لكي تكون الخسائر في حدودها الدنيا، وهذه هي ضريبة حرب العصابات وحرب الشوارع، وما يهدم يمكن إعادة بنائه، لكن عناصر جبهة النصرة وبقية التنظيمات الإرهابية إذا لم يتم التصدي لها فستحول كل سورية وكل المنطقة إلى كتلة من نار ولهب ودماء وهذا ما لا يمكن للجيش أن يسمح بحدوثه.
– قناعةُ السوريين أنّ صمودَ الجيش وبطولاته الأسطوريّة خلال العامين الماضيين لم تؤثّر على جاهزيته الاستراتيجيَّة، وما زال قادراً على مواجهة عدوانٍ خارجيٍّ محتمل ..هل من مُقارَبةٍ تؤكِّد ذلك مع ملاحظةِ أنّ معنوياتِ الشّعب وثقتَه بالجيش ما زالت مرتفعةً جداً؟
موضوع استمرارية جهوزية الجيش وقدرته على مواجهة أي عدوان خارجي أمر حقيقي وقائم على أرض الواقع، وهذا ما يعترف به أعداء سورية والأطراف المشتركة في هذه الحرب ضد سورية، وتصريحات المسؤولين البريطانيين والأمريكيين في الآونة الأخيرة تؤكد ذلك، والأمر ذاته يتكرر فيما يصدر ويرشح من دراسات صهيونية تصدر عن مراكز دراسات متخصصة فضلاً عن تصريحات لأكثر من مسؤول صهيوني وجميعها تشير إلى أن العدو الصهيوني يتابع تحركات الجيش العربي السوري لحظة بلحظة، وهو ما يزال قادراً على التعامل مع أي حرب مفتوحة إلى جانب قيامه بمواجهة من أسموهم المتمردين على امتداد الجغرافيا السورية، ولو لم يكن لدى أعداء سورية يقين مطلق بأن قدراتنا العسكرية الاستراتيجية ما تزال قادرة على التعامل مع أي تدخل خارجي وبشكل يلزم أصحاب الرؤوس الساخنة على إعادة حساباتهم، وعندما نتحدث عن صمود أسطوري لما يقارب العامين والنصف في مواجهة الإرهاب العالمي ودعم سياسي وعسكري واقتصادي لا حدود للقتلة وفتح الحدود وتخصيص عشرات الأقنية الفضائية ومئات الصحف والمواقع الإلكترونية فهذا يدل على أن دولة كسورية لا يمكن أن تسقط من حساباتها احتمال حصول تطورات دراماتيكية تحتم عليها مواجهة عدوان خارجي ويجب أن تكون مستعدة لذلك.
– محلِّلون ومراقبون وسياسيّون وصفوا مراراً الحربَ على سورية بالحرب الكونيَّة … هل تؤمنون بالنصر ؟ وهل تعتقدون أن العالم المتورّط بالحرب سَيسْمحُ بهزيمته وبانتصار سورية ؟!
نعم هذه الحرب يمكن أن نقول عنها إنها حرب كونية أو شبه كونية، وما يحدد ذلك أطراف الصراع، فإذا كان عدد الدول التي تبنت دعم العصابات المسلحة وصل إلى ما يزيد علي مئة وثلاثين دولة ثم أخذ بالتناقص جراء الصمود السوري، فهذا يعني أننا نخوض حرباً هي شبه كونية ولا سيما أن دولاً عظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا التقليدية /بريطانيا ـ فرنسا ـ ألمانيا…/، منخرطة بشكل مباشر في هذه الحرب، وما ارتفاع حدة التصريحات الأمريكية والأوروبية إلا الدليل الدامغ على ذلك، فضلاً عن السلاح والمسلحين الذين يتم ضبطهم أو القضاء عليهم في المعارك وهم ينتمون إلى دول متعددة، وجوازات سفر من أكثر من أربعين دولة، كما أن العنوان الرئيس الذي يحكم عمل أولئك هو جبهة النصرة المنضوية تحت جناح القاعدة، والقاعدة تنظيم إرهابي طالت شروره وجرائمه العديد من دول العالم على امتداد الخارطة الكونية، وكذلك العصابات المسلحة المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين وتورط بعض دول الخليج والمحيط الإقليمي بشكل مباشر وميداني بهذه الحرب، ومع ذلك فسورية ما تزال صامدة والآخرون هم الذين يعانون من العجز عن تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة والمخفية بآن معاً، إيماننا بالنصر مطلق، ولن نفرط بحبة تراب واحدة من أرضنا، وإن كان هناك اعتقاد بأن الدول المتورِّطة في الحرب على سورية لن ترضى بخروجها مهزومة ، فإننا نؤمن يقيناً بأنَّ هذه الدول لن تنال من سورية،
وسيخرجون ــ بفضل بواسل جيشنا وصمود شعبنا ــ مهزومين مع أدواتهم وعملائهم مهما فعلوا ومهما بدَّلوا من خططهم واستراتيجيَّاتهم .
– عمد الإرهابيون المدعومون من دول الخليج العربي وأمريكا إلى استهداف مواقع الجيش، وخاصّة الدفاع الجوي، فأيُّ أهدافٍ يرمون إليها من جرَّاء ذلك؟!
عندما نتحدث عن التركيز على استهداف مواقع الدفاع الجوي فهذا بالمطلق هدف إسرائيلي صرف، لأن الجميع يدرك أن وسائط الدفاع الجوي مخصصة لمواجهة عدوان خارجي، ولا يمكن استخدامها في أحداث الداخل، أي إن العصابات الإرهابية المسلحة تنفذ أجندة صهيونية، وأن الموساد الإسرائيلي هو الذي يخطط ويحدد الأهداف ويتابع ويشرف على التنفيذ، بهدف إضعاف قدرة وسائط الدفاع الجوي وتهيئة البيئة المناسبة للتدخل العسكري الخارجي إن أمكن، ولا يخرج عن هذا الإطار استهداف قوافل الطيارين منذ الأشهر الأولى لبدء الأحداث في سورية، فجبهة النصرة وبقية مكونات الجسد الإرهابي مرتبطة بشكل مباشر بعدد من الأطراف الخليجية والإقليمية والدولية التي كرست إمكانياتها لخدمة الكيان الصهيوني بشكل مباشر، وهذا يزيدنا إصراراً على ضرورة الاستمرار في ملاحقة ما تبقى من فلول تلك العصابات حتى القضاء على آخر إرهابي.
– قام العدوُّ الإسرائيلي باستهداف مواقع الجيش العربي السوري.. ما مؤشِّرات ذلك؟
هذا السؤال متمم لما قبله، فعندما تأكد الكيان الصهيوني أن قطعان القتلة الذين تم استجلابهم من شتى أنحاء المعمورة قد أخفقوا في تنفيذ المهمة المسندة إليهم، وأن الوكيل القطري والسعودي والتركي لم يستطيعوا تحقيق أي هدف من أهداف هذه الحرب شبه الكونية، وجد ذاته مضطراً للتدخل بشكل مباشر، وجاء استهداف بعض المواقع لوقف الانهيارات المتتالية في صفوف العصابات الإرهابية المسلحة وقد تابع الجميع كيف كان أولئك المجرمون يكبرون ويرددون عبارة الله أكبر عندما وقع العدوان السافر على جمرايا، وكيف كانت الكاميرات المرتبطة بالأقمار الصناعية تنقل ما يحدث بالصوت والصورة منذ اللحظات الأولى، أي إن الكيان الصهيوني منخرط في هذه الحرب، وإن العصابات المأجورة تعمل وفق الأجندة الإسرائيلية، وقد ترافق ذاك العدوان مع استنفار شبه كامل في صفوف المسلحين وقاموا بمهاجمة الحواجز المحيطة بالعاصمة دمشق، لكن رجال الجيش العربي السوري كانوا لهم بالمرصاد، وقد أوضحت سورية أنها سترد وبشكل مباشر على أي عدوان جديد، وقادة الكيان الصهيوني يعلمون كأولياء نعمتهم الأمريكيين أن هذا الكلام جاد، وأن قواعد اللعبة قد تغيرت وكذلك قواعد الاشتباك، لذلك نرى التخبط والتناقض في التصريحات التي يطلقها المسؤولون في الدول المشتركة في هذه الحرب ضد سورية لتفتيتها تمهيداً لتفتيت المنطقة، إلا أن صمود سورية أصاب أولئك جميعاً بالخيبة، وهي خيبة تزداد اتساعاً وعمقاً وانتشاراً يوماً بعد يوم.
– عبّرت «إسرائيل «عن مصلحتها بما يجري في سورية، وخاصّة في مجال استنزاف قواتنا المسلحة… كيف تفسّرون ذلك؟
هذا يكمل السؤال الآخر، وتصريحات بعض المسؤولين الصهاينة تؤكد أن القاعدة والمتشددين أفضل بالنسبة لكيانهم من النظام الحاكم في سورية، وأن أي عدو آخر أقل خطراً من القائد الأسد، وهذا يؤكد أننا لم نضيع البوصلة، وأن الإرهاب بكل أشكاله إنما هو صناعة صهيونية ـ غربية بامتياز، ومن الطبيعي أن استمرار نزيف الدم السوري يخدم مصالح الكيان الإسرائيلي، لكن على أولئك ألا يتناسوا أن صمود سورية قد أدى إلى إعادة توجيه البوصلة في عدد من دول المنطقة، وأن الأمور تقاس في خواتيمها، وجميع الدلائل ومعطيات الواقع تؤكد أننا نتجه نحو النصر، ولذا نجد الأمريكي مستعجل لعودة المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية في الوقت الذي يدرك أن سورية منشغلة بما يحدث في داخلها، ويخطئ من يظن أن حقوق الشعوب يمكن لأي طرف في الكون أن يفرط بها لأنها حقوق لا تسقط بالتقادم.
– بهذه المناسبة ما الكلمة التي توجهونها إلى جنودنا وصف ضباطنا وضباطنا، وإلى شعبنا الذي يقف بقوة خلف قواتنا المسلحة، وفي أحيان كثيرة إلى جانبها؟
أتوجه ثانية بأطيب تحية لجميع رجال قواتنا المسلحة الباسلة وأشد على أيديهم فرداً فرداً مؤكداً أن ما قدموه وما يقدمونه موضع فخرنا واعتزازنا وسيسجله التاريخ بأحرف من نور، فالرحمة لأرواح الشهداء والشفاء العاجل لجرحانا، والتمنيات القلبية لجيشنا العقائدي البطل بإتمام أداء الواجب الوطني المقدس بكل رجولة وإقدام.. تضحيات جنودنا البواسل محل تقدير جميع شرفاء الوطن والأمة، وشعبنا الوفي يعمل جنباً إلى جنب مع جيشه المصمم على الدفاع عن أمن الوطن والمواطنين، وتكامل الأدوار بين الجيش الأبي والشعب الوفي والقائد الاستراتيجي كفيل بكسر العاصفة مهما اشتدت، وما تم إنجازه أكبر بكثير مما تبقى، ويخطئ من يظن أنه يستطيع أن يمنع السوريين من التمتع بنتائج نصر قدموا في سبيله قوافل الشهداء والتضحيات العظيمة، وكل عام وأنتم بخير.