موجودات مصرف لبنان: أرقام متضاربة
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
منذ بداية الأزمة المالية في أواخر سنة 2019 بدأت التكهنات والتحليلات عن حجم موجودات وخسائر مصرف لبنان والمصارف التجارية لما في ذلك من تأثير مباشر على أموال المودعين وقدرة الدولة على تأمين حاجات الاستيراد المختلفة. علمًا أن خزينة الدولة تعاني منذ عشرات السنوات من عجز مالي متراكم ساهم في تفاقم الدين العام الذي وصل في بداية الأزمة إلى حوالي 90 مليار دولار أميركي وبالتالي كانت تعتمد في كل موازاناتها بشكل كبير على الحصول على سلف من المصرف المركزي الذي كان بدوره يؤمن هذه المبالغ من القطاع المصرفي على شكل ديون تتكفل بسدادها الدولة على فترات زمنية متتالية مع دفعها عليها فوائد دين مرتفعة جدًا لمصلحة المصارف. بلغ مجموع ديون الدولة من القطاع المصرفي ما يقارب 63% من اجمالي الدين العام وبالتأكيد كانت هذه المصارف تسلف المصرف المركزي معظم هذه المبالغ من أمول المودعين من دون مراعاة المخاطر الكبيرة الناتجة عن ذلك. فالمصارف راهنت بأموال الناس لتحقيق مكاسب مرتفعة تخدم مصالح أصحابها، علمًا أن حجم الودائع في بداية الأزمة كان يقدر بحوالي 166 مليار دولار. ومن هنا يتبين لنا حجم التداخل في الأرقام بين الدولة والمصرف المركزي والقطاع المصرفي وبالتالي ضمنًا أموال المودعين.
أرقام المركزي غامضة وغير دقيقة
منذ بداية الأزمة في تشرين الأول عام 2019 صرح مصرف لبنان أن حجم موجوداته من العملات الأجنبية بلغ حوالي 33 مليار دولار بالاضافة الى حوالي 18 مليار دولار كقيمة تسويقية لاحتياط الذهب، علمًا أن المصرف المركزي يمتلك منها حوالي 6.6 مليون أونصة وأن حوالي 3.3 مليون أونصة موجودة في قلعة فورت نوكس في الولايات المتحدة الاميريكية وهي تشكل ما نسبته ثلث اجمالي احتياط الذهب. وهذا يؤكد أن حجم موجودات الذهب غير دقيق لعلم الجميع أن الأونصات الموجودة لدى الادارة الاميريكية لن يحصل عليها لبنان في المجمل لأنها تعتبر كضمانة للديون الخارجية بعد أن وافقت الحكومة اللبنانية على اعتماد محاكم نيويورك جهة قانونية للبت في نزاعات الديون الخارجية، وبالعودة الى حجم الموجودات بالعملات الأجنبية كانت تصريحات المركزي تؤكد وجود 18 مليار دولار منها كاحتياط الزامي على المصارف التجارية والتي هي حق تعود ملكيته لكافة المودعين. وبالتأكيد هذا المبلغ غير مرتبط بموجودات المصارف التجارية التي تمتلك ايضًا عشرات مليارات الدولارات في رأسمالها وفي ديونها المستحقة على الجمهور بفعل منها اياهم قروضًا مصرفية لفترات محددة مع نسبة فوائد عالية على هذه القروض.
والغريب بالأمر أن كل هذه المبالغ اختفت فجأة من المصارف بشكل مريب وبدأت أزمة شح السيولة النقدية بالعملات الأجنبية والتي كانت سبب رئيسي لتفاقم الأزمة النقدية والاقنصادية في البلاد. ومن ثم انخفضت نسبة موجودات المركزي من الدولار من 33 مليار دولار عام 2019 الى 24 مليار عام 2020 ومن ثم وصلت في نهاية 2021 الى حوالي 13 مليار دولار وكل هذه الارقام بحسب مصرف لبنان مما يبين أن الموجودات بالعملة الأجنبية قد انخفضت حوالي 20 مليار دولار بعامين وهذا غير منطقي على الاطلاق بالمقارنة مع المبالغ المدفوعة من مصرف لبنان على الدعم الغامض وغيره.
من أين أتت دولارات الدعم للتعميم 161؟
كل هذه الأرقام السابقة تؤكد أن كل أرقام المصرف المركزي غامضة وغير دقيقة ولا تتمتع بالشفافية العالية في مجال تحديد الخسائر والموجودات، ما يثير الشك والريبة بما يحصل داخل أروقة المركزي الذي ما زال الى اليوم يرفض التعاون الشفاف مع موضوع التدقيق الجنائي وهو ربما يفسر هذا الخوف من كشف الأرقام الحقيقية لتعاملات مصرف لبنان والمصارف.
ومن هنا تبدأ التساؤلات من أين أتت الدولارات لتنفيذ التعميم 161؟ وهل هي من أموال الاحتياط الالزامي؟ أم هي من أموال حقوق السحب الخاصة؟ والتي تبلع مليار و135 مليون دولار. أم كل هذه المبالغ تحصل عليها مصرف لبنان من السوق السوداء الذي يعتبر هو بنفسه المحرك الأساسي لها؟ والأخطر أن يكون لدى مصرف لبنان موجودات أخرى كان قد أخفاها عن اللبنانيين من أجل الاستمرار بسياسة الانهيار والهيركات الممنهجة. كل هذه الاسئلة تضعنا أمام نتيجة واحدة وهي أن مصرف لبنان والمصارف يخفون الحقائق عن عمد من أجل تنفيذ أجندات خاصة بهم تتعلق بسلب حقوق المودعين.
خلاصة وتحليل
الواضح أن تدخل مصرف لبنان الأخير جاء نتيجة أهداف تتعلق بموضوع اقرار الموازنة وتمريرها بشكل سلس من أجل محاكاة صندوق النقد الدولي مما يعني أن شيئًا لم يتغير في السياسات المعتمدة وانما لعبة الدولار اليوم تصب في خانة تحقيق مصالح المركزي ومن خلفه من مصارف وقوى سياسية على حساب المواطنين والمودعين وأن كل ما يحصل اليوم هو فقط لكسب الوقت من أجل جولات جديدة يكون فيها المودع والمواطن داخل كف الكماشة المتمثلة بحزب المصارف الذي يخدم فقط مصلحتها على حساب عموم اللبنانيين.