مواجهة الإرهاب… عقدة التتالي والتزامن في الاتفاق النووي
صحيفة البناء اللبنانية ـ
حسن شقير
في رسالته إلى الشعب الإيراني بمناسبة عيد النوروز لهذه السنة الإيرانية الجديدة، عبّر الرئيس الأميركي عن أمله في استغلال الشعب الإيراني لهذه الفرصة التاريخية في إنجاز الاتفاق النووي الجاري التفاوض حوله… لم يتأخر الردّ الإيراني، وعلى لسان مرشد الثورة الإيرانية، معلقاً على تلك الرسالة»… رفع العقوبات ينبغي أن يكون جزءاً من الاتفاق، وليس نتيجةً له…»
هاتان الرسالتان، تختصران العقدة الجوهرية في طريق إنجاز الاتفاق – وذلك بعدما أصبحت القضايا التقنية شبه منتهية – متمحورةً بكون توقيعه متلازماً ومتوازياً مع رفع العقوبات، أو أنّ هذه الأخيرة، ستكون لاحقةً ونتيجةً له…
السؤال: ما الضير في أن ترضى إيران بالعرض الأميركي؟ وما هو المانع الذي يجعلها متمسكةً بالتزامن، ورافضةً للتتالي؟
قد يناقش البعض، بأنّ على إيران – إنْ كانت صادقة في سلمية برنامجها النووي – الموافقة على عرض التتالي الأميركي، وذلك لأنه سيؤكد أنها – بمجرّد توقيعها عليه – دولةً ذات مصداقية وشفافية على المقلبين الداخلي والخارجي، وأنّ ذلك سيعرّي كلّ أولئك الذين كانوا يشككون بسلمية برنامجها… مما سيجعل من الرأي العام الداخلي والخارجي، مؤيداْ وداعماً بقوة للنظام الإيراني وطروحاته السابقة واللاحقة، في ما خصّ النووي، وحتى غير النووي… مما سيجعل من منظومة العقوبات تنتهي – ولو بعد حين – وخصوصاً مع توالي عمليات التفتيش المتلاحقة، والتي ستعطي حينها، شهادة مضافة لتلك التي حصّلتها إيران أثناء فترة الاتفاق الأولي… وبالتالي فإنّ هذا المنطق، يفرض على إيران السير قدماً باتفاقية التتالي، وعدم التسمّر عند مطلب التزامن مع بقاء الرفض الأميركي له، مما سيجعل من العقوبات مستمرّة ومتصاعدة، وخصوصاً أنه ساعتئذٍ ستكون النتيجة على إيران، وفي تلك الحالتين متشابهة، مع فارق فقدان الحوافز التي ذكرناها سابقاً… وهذا كله على فرض عدم تطوّر الأمور إلى ما هو أبعد من تشديد العقوبات عليها.
قد يظنّ البعض – وللوهلة الأولى – أنّ هذا المنطق يبدو سليماً، لا بل أنّ عدم السير الإيراني به، سيكون تضييعاً إيرانياً لفرصةٍ عظيمة قد لا تتكرّر ثانية في المدى المنظور، وخصوصاً أنّ أميركا – بكونغرسها الحالي، ورئيسها المقبل ربما – ستكون أكثر يمينية ونزوعاً نحو المحافظة في المرحلة المقبلة.
هذا كله يدفعنا إلى التعمّق أكثر، حول الإصرار الإيراني لإنجاز الاتفاق المتلازم مع رفع العقوبات، وذلك إذا استثنينا التشكيك الإيراني بما قد تكتبه فرق التفتيش اللاحقة من تقارير، لغير صالح إيران، أو ربما توجّس هذه الأخيرة، من أنّ التطوّرات والأحداث الكبرى، والمتوقع حدوثها في العالم، قد يجعل من مسألة رفع العقوبات في حينه، ضرباً من الخيال… مع الإشارة إلى أنّ هذين العاملين، ليسا مستبعدين أبداً من الحسابات الإيرانية…
إذاً، والحال كذلك، فما هي هواجس إيران الفعلية؟ وما الذي تخشاه حقاً من الاتفاق المتتالي؟
يقع اختلاف النظرة الإيرانية ـ الأميركية في كيفية محاربة الإرهاب في المنطقة في صلب الخلاف حول التزامن والتتالي، ولعلّ نموذج تكريت مؤخراً، كشف ما كنا نعتقد به منذ البداية، حول مدى هوّة الخلاف ما بين النظرتين الأميركية والإيرانية لكيفية التعامل مع الإرهاب المنتشر في المنطقة، فلقد اعتقدنا منذئذ، بأنّ هذا الأخير قد أصبح الرافعة الأساسية والبديلة لذاك التعثر الذي أصاب الاستراتيجية الأوبامية الأولى أيار 2010 في تحقيق مصالح أميركا الكبرى في صيانة صورتها الأحادية في العالم، مع تحقيق الأمن للكيان الصهيوني، وبأقلّ كلفة أميركية مباشرة عليها وعليه، وعلى حدّ سواء… وبناءً عليه، وبعد أن وجدت أميركا ضالتها في تعويم تعثرها، من خلال تقاطع مصالحها ومصالح الإرهاب المستشري في المنطقة – وبغضّ نظرٍ وتسهيل أحياناً من قبلها – بحيث أنها جعلت من هذا الأخير، رافعةً في سبيل بث الشباب في إمبراطوريتها المترهّلة، وذلك على حساب إيران وروسيا والصين ومحور الممانعة معهم.
انطلاقاً من هذا التضادّ المستجدّ ما بين أميركا وإيران، في كيفية التعامل مع الإرهاب، والذي أشرنا سابقاً إلى أنّ هذه الأخيرة فضّلت استراتيجية الانغماس المدروس في مواجهته، وذلك مقابل التحالف الذي شكلته أميركا في مؤتمر جدة الشهير…
السؤال: كيف يرتبط هذا التضادّ الإيراني – الأميركي في كيفية مواجهة الإرهاب مع رفض إيران للاتفاق المتتالي في التوقيع ورفع العقوبات؟
ببساطة، يستحكم ذلك في تداعيات تسريع مواجهة الإرهاب، أو تبطيئه على إيران تحديداً…
ففي حين أنّ دوزنة الحرب الأميركية على الإرهاب في المنطقة، ستجعل من هذا الأخير سرطاناً متمدّداً ومتجذراً وضارباً أكثر فأكثر في أعماق الأرض التي تعتبر اليوم مكاناً لصراع نفوذ إيراني – أميركي، من العراق، فسورية، فلبنان، وحتى اليمن، وإلى كلّ البلدان التي تشهد اليوم عمليات استيلاد قيصرية للإرهاب فيها… الأمر الذي ستكون من تداعياته، استمرار النزف الاقتصادي والأمني وكذا السياسي الإيراني في جميع هذه البلدان، وذلك في صراع مرير، تكلفته، تكاد تساوي صفراً على أميركا ومعها الكيان الصهيوني، وكذا على الدول الأوروبية، وذلك على كافة الأصعدة، كون البنوك العربية، المالية والبشرية، حاضرةً فيها مهما طال أمدها، وبالتالي فإنّ أميركا وتحالفها – ووفقاً لهذه المعادلة – هم رابحون، وذلك بعكس إيران وشعبها، ومن خلفهما محور الممانعة، والدول الداعمة… وخاصة أنّ استراتيجية التسريع التي تقوم بها إيران، ليست مضمونة الاكتمال بالمدى الزمني الذي تبتغيه… فغضّ الطرف الأميركي عن غزو الدواعش للعراق في حزيران الماضي، لا يزال ماثلاً أمامها.
خلاصة القول، يعتبر التتالي في الاتفاق النووي في ظلّ اختلاف الرؤية الاستراتيجية بين أميركا وإيران في كيفية، وزمن الخلاص من الإرهاب، لهو العائق الأبرز في الرضى الإيراني بذلك، فلو أنّ تلك النظرة كانت موحدة بينهما في الاتفاق على آليات تسريع محاربة الإرهاب في المنطقة، وبضماناتٍ حقيقية، فلربما عندها سيصبح الاتفاق النووي المتتالي، لا يختلف في نتائجه عن نظيره المتزامن، وبالتالي سيجعله ضماناً إيرانياً، كي لا يكون هذا الاتفاق المنشود، مسموماً أو مشؤوماً على حدّ سواء.
باحث وكاتب سياسي