من هو حسان اللقيس…وكيف اغتيل؟
صحيفة السفير اللبنانية –
جعفر العطار :
لم يصدّق الرجل الأربعيني أن القائد الراحل في «حزب الله» عماد مغنية جاء لزيارته في منزله بالضاحية. يقول إن مغنية وصل مستقلاً حافلة عمومية، وكان وحده، ثم غادر مستقلاً سيارة تاكسي. ومثله، وفق معلومات «السفير»، كان يتنقل القيادي في الحزب حسان اللقيس، الذي اغتيل منتصف ليل الثلاثاء ــ الأربعاء رمياً بالرصاص المباشر من سلاح مزود بكاتم للصوت أمام منزله في منطقة الحدث.
اغتيال اللقيس بدا صادماً. الرجل، خلافاً لمغنية، لم يكن ذائع الصيت. ومن يعرفه في الحزب، لا يعرف مهماته الأساسية السرّية، بل يعرفون أنه مسؤول عسكري فحسب. القيادي البارز اغتيل في عملية استخدم خلالها، للمرة الأولى في تاريخ استهداف قياديي «حزب الله»، الرصاص المباشر وجهاً لوجه.
يفسّر ضباط أمنيون معنيون طريقة الاغتيال بـ«المجازفة والاحتراف»، موضحين أن «لواء أحرار السنة في بعلبك» الذي تبنّى عبر «تويتر» الاغتيال، هو «مجرّد واجهة وليس له وجود فعلي، ظهر اسمه بعد اشتباكات بعلبك في أيلول الماضي، بين جهة حزبية وأفراد من عائلة الشياح». أما تنظيم «أنصار الأمة الإسلامية» الذي تبنّى العملية أيضاً، فتعمل الأجهزة الأمنية المعنية على التحقق من هويته الفعلية.
وتفيد المعلومات الأولية أن اللقيس كان يهم بالخروج من سيارته في موقف المبنى الداخلي، حين باغته أكثر من شخص وأطلقوا عليه الرصاص (عيار 9 ملم) في رأسه وصدره، ثم غادروا من الموقف إلى بستان صغير ملاصق للموقف ومتصل بـ«بوليفار كميل شمعون»، سيراً على الأقدام وفق الطريقة ذاتها التي أتوا بها.
لكن مصدراً أمنياً قال لـ«السفير» إن شخصين أطلقا النار «وذلك وفق التقدير الأولي للأدلة الجنائية استناداً إلى مظاريف الرصاص، علماً أن النتيجة النهائية تظهر اليوم. أما عدد الأشخاص الذين وجدوا في مسرح الجريمة، فهو أمر قيد التحقيق»، موضحاً أن «الجهة المنفذة تعرف المنطقة ومواعيد وصول اللقيس ومغادرته جيداً، وثمة شخص كان يرصده حين وصلت السيارة إلى الموقف».
وتشير معلومات «السفير» إلى أن المنزل الذي اغتيل أمامه اللقيس، المجرّد من أي نقطة حراسة بهدف التمويه، سكنه الرجل قبل نحو ثلاث سنوات، وهي مدة طويلة لـ«رجل أمني يجب أن يغير منزله كل 6 أشهر»، وفق ضابط أمني رسمي. ويقول عارفوه إن أيام مكوثه في بيروت لم تكن تتجاوز الأربعة ايام، بينما يمضي ثلاثة أيام في منزل القرية ببعلبك.
ولم يكن سراً لدى القادة الأمنيين في الحزب، أن اللقيس هدف أساسي لـ«الموساد» الإسرائيلي بعد اغتيال مغنية في العام 2008. مع ذلك، لم يوافق الرجل على تخصيص مواكب حماية له، مفضلاً اعتماد أسلوبه الخاص بالتمويه والتنقل. واعتاد أن يتنقل وحده سواء في بيروت أو في بعلبك، من دون سائق أو أي مرافقة أمنية، وفي بعض الأحيان كان يستقل سيارات الأجرة العمومية، مثل مغنية.
يقول رجل أمني كان على علاقة وطيدة باللقيس، إن الأخير درس «هندسة الكومبيوتر» في «الجامعة الأميركية» ببيروت، وكانت تربطه صداقة وثيقة بالأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في مطلع الثمانينيات، حين كان «السيد» مسؤولاً حزبياً في بعلبك.
وُلد اللقيس، وفق عارفيه، في عائلة ثرية. واكب صعود المقاومة، وانتقل من «حركة أمل» إلى «حزب الله» ما إن تم تشكيل الحزب، وأكمل تعليمه الجامعي في الوقت ذاته. «إنه كاتم أسرار المقاومة» يقول أحد أصدقائه، مردفاً: «منذ 31 عاماً ونحن أصدقاء. لكن أحداً لن يصدّق أنني لم أعرف، يوماً، ما هي مسؤوليته في الحزب، سوى أن الجميع يعرّفون بينهم بأنه كاتم أسرار المقاومة».
يكشف أحد أصدقائه لـ«السفير» عن معلومة وردت إلى الاستخبارات الإسرائيلية في أحد أيام حرب تموز 2006، مفادها أن اللقيس موجود في مبنى بمنطقة الشياح، ثم سرعان ما قُصف المبنى ودُمّر بعد مغادرة المستهدف، بينما استشهد ابنه علي الرضا (18 عاماً) حينها. وخلال الحرب ذاتها، تم استهداف سيارته في منطقة غاليري سمعان بصاروخ، لكن اللقيس نجا من محاولة الاغتيال.
بعد انتهاء حرب تموز بنحو ستة أشهر، وفق عارفي اللقيس، وبينما الرجل لم يكن قد استوعب ألم استشهاد ابنه بعد، أصيب بنكسة ثانية: توفّيت ابنته آية عن عمر يناهز 15 عاماً. اليوم، ترك اللقيس خلفه 5 أبناء من زوجتين، بينهم فتى واحد. وكان في أيامه الأخيرة مسروراً بأحفاده الثلاثة، محاولاً تخصيص أوقات فراغه لهم.
في بعلبك حيث وُلد اللقيس وترعرع، لم يكن أحد يعرف أن الرجل «قيادي مهم» في «حزب الله». يؤكد أحد أصدقائه أن «الجيران كانوا يعرفون أنه في الحزب، لكن أحداً لم يكن يظن أنه مسؤول أمني بارز». وكان اللقيس هو من يتكفل إيصال أولاده إلى المدرسة في بيروت، واشتهر بين جيرانه في بعلبك بتواضعه وكرمه، وسعيه إلى مساعدة الفقراء.