من مآسي غزة.. الحياة بيد السجان
موقع زمان التركي:
حصار خانق حول الحياة في غزة إلى سجن كبير تنعدم فيه كل مقومات الحياة البسيطة التي يحتاجها المواطن.
أما عن القطاع الصحي فحدث ولا حرج، فقد استنزفته الحروب وقلة إدخال الأدوية عبر المعابر فأصبح المرضى ضحايا لهذا الحصار المتواصل منذ سنين وكانت فئة الأطفال ذوي الأمراض المزمنة الأكثر تضررا جراء انعدام المراكز التي تهتم برعايتهم وتكفل سبل علاجهم تقنياً وبشرياً.
مستشفى عبد العزيز الرنتيسي هو المركز الوحيد المتخصص برعاية الأطفال الذين يعانون أمراضا مزمنة، تصل إليه كل الحالات المرضية المستعصية والمزمنة مثل امراض قلب الأطفال وأمراض الأورام والدم والأعصاب والكلى وغسيلها، لكن طاقته البشرية والتقنية لا تمكنه من استيعاب الأعداد الكبيرة على مستوى القطاع من الأطفال المرضى.
يقول الطبيب محمد المدلل، الذي يعمل في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي: “نقص الامكانيات والمعدات والأدوية يجعلنا نضطر لتحويل المرضى إلى أراضي 48 لأخذ قرص علاج واحد فقط لا يسمح بدخوله إلى قطاع غزة”.
الطفل زين الدين شريف سمور هو أحد ضحايا مشاكل القطاع الصحي التي أحدثها الحصار، لكن لقصته أبعادا أخرى ترتبط بالوعي الوطني وثقافة التضحية بأعز ما يملك الانسان لأجل وطنه، ذلك الطفل الذي يعاني من مرض مزمن لا يمكن علاجه في قطاع غزة اضطر الأطباء لتحويله إلى إسرائيل لتلقي العلاج وإجراء عدة عمليات قد تساعده في العيش كإنسان شبه طبيعي.
كيف بدأت الحكاية ؟
تقول والدته: ” كان طفلا طبيعيا لا يعاني أي مشاكل إلا أنه بعد 35 يوما أصيب بوعكة صحية بسيطة، باعتقاد الأهل، نقلوه على أثرها للمستشفى وبعد الفحوصات الأولية صرف له علاج للرشح، عادوا إلى بيتهم وكلهم أمل بأن يتعافى الطفل سريعا إلا أن شبح المرض الذي يطارد زين الدين كان أسرع فما أن عادوا حتى بدأت أعراض جانبية سيئة تظهر على جسد الطفل الصغير بدءا بعدم الرضاعة والخلل في التنفس وانتهاء بإفراغ كل ما في معدته الصغيرة.
مشهد لم يرق للأهل بل خلق لديهم هواجس القلق والخوف على صغيرهم ما دفعهم للعودة في اليوم التالي إلى المستشفى لمتابعة حالة الطفل التي تتدهور سريعا فالفحوصات الأولية لم تثبت للأطباء ظهور حالة مرضية خطيرة لدى الطفل فتم عمل أشعة له أظهرت للطبيبة المعالجة تضخما في القلب جعلها تحول ملف الطفل إلى الطبيب المختص بأمراض القلب لتشخيص الحالة بدقة، وهنا كانت الصدمة للأهل فبعد تشخيص الحالة بشكل كامل أثبتت الفحوصات للطبيب المختص بأن الطفل يعاني من تشوه خلقي معقد في القلب ففطر الخبر قلب الأم و العائلة بأكملها على فلذة كبدهم حيث أكد الطبيب أن حالته تحتاج إلى 3 عمليات معقدة حتى يصبح طفلا شبه طبيعي.
أجريت له العملية الأولى في المستشفيات الإسرائيلية بعد قرار تحويله إلى هناك وهنا بدأ الأمل يتسلل إلى قلوب الأهل فاستبشروا خيرا بتحسن حالته بعد هذه العملية وعادوا للقطاع حتى يحين موعد العملية التالية، وما أن حان موعدها حتى جهزوا أنفسهم للانطلاق في رحلة العلاج الثانية إلى المستشفيات التي ظن الأهل بأن الجميع يتعامل فيها من منطلق إنساني بحت لكن الأسوأ هو ما لم يتبادر لأذهانهم من نوايا مبيتة فما الذي كان ينتظرهم؟
إسرائيل وقطاعها الصحي الذي يظهر بصورة تعامله الانسانية البحتة في هذه المواقف كان على عكس ذلك مع زين الدين، فالمعاملة داخل أروقة المستشفى كانت سيئة جدا، ووصلت إلى حد الإهمال المتعمد الذي قد يودي بحياة الطفل فوالدة زين الدين تقول: “المعاملة كانت سيئة للغاية ولم يكن هناك أي احترام للحالة أواهتمام بإعطائه الأدوية اللازمة حتى قبل إجراء العملية تركوه ليتعب ويمرض وبدأت الحركات التي يسعون من خلالها لجعل جسد الطفل لا يقدر على تحمل العملية بالإضافة إلى منعه من الطعام والشراب لمدة 12 ساعة ليخبرونا لاحقا بعدم وجود عملية”.
إلغاء العملية لم يكن بدافع طبي أو بسبب عجز تقني أو بشري لكن الهدف لم يكن هو الطفل بشخصه إنما كان اللعب بحياة زين الدين وسيلة للعب بأعصاب الوالدة التي تتحرق شوقا لرؤية طفلها معافى وليستكمل مسلسل لعبة الأعصاب أعيدت الأم وطفلها إلى قطاع غزة دون إجراء العملية ووعدوها بالتواصل معها لتتمكن من العودة إلى إسرائيل لاستكمال مراحل علاج طفلها وهنا ظهرت الأنياب وبرزت المخالب.
فبعد أسبوعين من العودة للقطاع يأتيها صوت حنون من حلا التي عرفت نفسها بأنها إحدى العاملات على معبر ايرز الذي يربط قطاع غزة بأراضي 48 تلك السيدة التي تعرفت بكل لطف على والدة زين وتعرفت على الحالة المرضية بدقة علما بأنها تعرف مسبقا ظروف الحالة فما أن تيقنت بأنه لا مفر لوالدة زين من علاج ابنها إلا في مستشفيات إسرائيل، حتى كشفت حلا عن وجهها الآخر لتعرض على والدة زين ما لم تكن تتوقعه بأن تكون متعاونة مع قوات الاحتلال الاسرائيلي من خلال تزويدها ببعض المعلومات من القطاع تلك الكلمة التي تظهر ببساطتها كتعاون أخوي تعرف في القاموس الفلسطيني بأنها خيانة عظمى وعمالة لا يغتفر ذنبها.
أصبحت الأم أصبحت في حال يرثى لها فما بين شفاء طفلها وعودته للحياة الطبيعية في حال الموافقة على طلب حلا أو الرفض وتدهور الحالة الصحية للطفل خيانة للوطن لكن هل تثبت والدة زين في وجه هذا الموقف العاصف؟
تقول والدة زين في ردها على حلا: “لا أريد التعاون لكن العلاج مدفوع الأجر وهذا من أبسط حقوقي لاستكمال علاج طفلي” لكن من يستخدم أسلوبا إنسانيا رخيصا لاسقاط المدنيين الأبرياء في وجل العمالة لن يعي حقوقا ولن يعي أيا من مفاهيم الانسانية ويبقى لسان حال والدة زين أن في القلب وطن أسمى من الأرواح والأنفس نذود بكل ما نملك من الغالي والنفيس والأرواح حفاظا عليه وعلى أمنه فكيف لنا أن نسقط في شباك من يقتل الشعب الفلسطيني بلا رحمة ؟!