من “كيميائي الغوطة”… إلى إسقاط السو 24: الناتو… يكمن لنفسه مجدداً!
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
بعد مضي 5 أيام على حادثة إسقاط القاذفة الروسية السو 24، على مقربة من الحدود التركية ـ السورية في ريف اللاذقية الشمالي من قبل ال ف 16 التركية، تأرجحت التحليلات حول الأهداف والأبعاد، التي حذت بتركيا لتقوم بهذه المجازفة الخطيرة في هذا التوقيت بالذات من عمر الحرب على سوريا… فمن رادٍّ لهذه الفعلة إلى الداخل التركي الصرف، غاسلاً يد أمريكا والأطلسي منها، مستنداْ باستنتاجاته تلك، إلى المواقف الأطلسية التي تلت تلك الحادثة، والتي نادت بضرورة احتواء القضية، والعمل سريعاً على معالجة وحصر آثارها بين الدولتين، بحدودها الدنيا.. إلى آخرين، ردوا تلك الحادثة إلى كمين أطلسي، يتخطى تركيا، وحجّتهم في ذلك بأن هذا الأخير قد سارع ـ ومنذ الساعات الأولى ـ إلى تبني الرواية التركية حول “الأسباب الوجيهة” التي ساقتها تركيا لفعلتها تلك.
وجهة النظر الثانية هذه ـ والتي كنت قد تبنيتها في حينه ـ وذلك تعليقاً على تلك الحادثة، دفعتني لإحصاء حوالي الثمانية من الأسباب والدوافع، والتي جعلتني أصبغ هذا الكمين، بصبغةً أطلسية صرفة، وليست تركية بحتة على وجه الإطلاق…
١- تسريع العمليات الروسية في سوريا وقضم جغرافيا أوسع لمصلحة الدولة السورية قبل الاتفاق على تصنيف الجماعات الإرهابية..
٢- كلام الرئيس بوتين من طهران حول الاستراتيجية الإقتصادية الروسية بعيدة المدى في العمل على الخلاص من نير التبعية والحاجة الإقتصادية لدول الأطلسي…
٣- إعلان بوتين عن نيته خلق بيئة آمنة في المنطقة لإنعاش الإقتصاد والاستثمار العالمي.. خصوصاً في مناطق مد أنابيب الغاز (الأنبار وحمص).
٤- كلام بوتين بشكل غير مباشر حول العمل لإسقاط سلاح النفط من يد الخصوم وذلك بتوجيه الاسواق نحو الغاز كطاقة بديلة.
٥- كلام بوتين حول النية في ضرورة اعتماد العملات الوطنية بدلا ًمن الدولار كأساس في التعاملات..
٦- دفع روسيا للرد بشكل متهور على العمل العدائي التركي، وذلك سيدفع تركيا إلى قطع العديد من العلاقات الاقتصادية مع روسيا، وبشكل فوري مما يخنق الاقتصاد الروسي أكثر فأكثر في هذه المرحلة قبل وصول خطط بوتين الاستقلالية والتأثيرية إلى مبتغاها في المدى المنطور (كمين إعاقي)
٧- وضع روسيا وحلف الناتو وجهاً لوجه في إمكانية حدوث صدام عسكري بينهما، وعرقلة التقارب الغربي – الروسي في مواجهة الإرهاب، وتحديداً بين روسيا وفرنسا…
٨- عرقلة انطلاق تحرير ريف اللاذقية ومن ثم سهل الغاب وريف حماة وذلك لإبقاء الساحل والقواعد الروسية في مرمى تهديد الإرهاب، سواء المعتدل المرشح لاحقاً أو الإرهابي الحالي في تلك المنطقة.
إذاً تراوحت الدوافع لهذا الكمين الأطلسي بين فئاتٍ ثلاث: ميدانية، إقتصادية وسياسية، بين الثالوث التركي الأوروبي والأمريكي، وذلك في عملية تكاملٍ للأدوار، بهدف دفع القيصر إلى اتخاذ خطوات ردٍ متسرّعة، تجعله يقع في الكمين الذي أعد له، مما سيصيب في تداعياته الميدانية والإقتصادية والسياسية، ليس فقط روسيا وسوريا فقط، إنما النظام العالمي الجديد برمته، والذي حيكت خيوطه، ووضعت اللمسات شبه النهائية عليه في اليوم الذي سبق حادثة السوخو ، وذلك تمثل في القرارات والتوصيات التي صدرت عن منتدى الدول المصدرة للغاز، ومفاعيل لقاء الساعتين (الإستثنائي على حد وصف مستشار السيد خامنئي د ولايتي) بين القيصر والمرشد في طهران….
لقد أعتقد الناتو ـ ووفقاً لدراسته لسيكولوجية الرئيس بوتين ـ بأن القيصر لن يحتمل ذاك الندب الذي أصابه مباشرة، وللمرة الثانية، في فترة ليست ببعيدة عن إسقاط داعش للطائرة الروسية في سيناء… واعتقد ثالوث الناتو أن بوتين سيرد سريعاً هذه الصفعة العسكرية، بصفعةٍ مماثلة، لا بل أقوى منها على الأرض التركية، مما سيجعل من حلف الناتو، يتداعى سريعاً لنجدة إحدى دوله، وذلك في المجالات الثلاث أعلاها (العسكرية والسياسية والإقتصادية) ، فلعل الأول يكون بإعادة نشر الباتريوت على الحدود التركية، والثاني قد يتمثل بقطع الطريق على خريطة طريق روسيا في فيينا، بمراحلها الثلاث، والتملّص من تعهدات فيينا… أما المجال الثالث، فهو الإقتصادي ـ وهو الأهم على ما اعتقد ـ والذي سيكون عبر الطلب من تركيا بالعمل تدريجياً على فض الإتفاقات والعقود الإقتصادية والتجارية مع روسيا، وأهمها في مجالي الغاز والإستثمارات في مشاريع الطاقة الروسية في تركيا، مما سيُثقل كاهل روسيا أكثر فأكثر، وذلك في توقيت لم تصل فيه روسيا، والمنظومات الحليفة معها في العالم، إلى مرحلة التكامل والتحرر من نير التبعية للغرب، إضافة إلى أن روسيا تخوض حرباً مكلفة وشرسة ضد الإرهاب في المنطقة.
ما لم ينتبه إليه ذاك الثالوث، بأن “القيصر المتمرّد” كان قبل يومٍ واحد من تلك الحادثة عند “حائك السجاد”، صاحب الباع الطويل في الصبر الإستراتيجي الحقيقي… هذا فضلا ًعن مسألة ٍ مهمة جداً، والتي اعتقد أن الكمين الجديد للأطلسي، ربما يكون قد سها عنها، والتي تتمثل في إيقاع القيصر نفسه لذاك الثالوث في كمين سابق، كانوا قد أعدوه له في شهر أغسطس من العام ٢٠١٣، والذي عُرف حينها بـ “كيميائي الغوطة”.
للتذكير فقط، فإن “كيميائي الغوطة”، والذي كاد أن يطلق حرباً أطلسية على سوريا، والتي أحبطها ـ على ما اعتقدته حينها ـ نسجُ ثالوث (القيصر ـ المرشد ـ السيد) ، استراتيجية ، سبقت ذاك الهجوم الوشيك، والتي تمثلت بحصر جغرافيا الرد الصاروخي المتجمّع لهذا الثالوث الأخير على ذاك العدوان المحتمل، من خلال الجغرافيا السورية حصراً، دون باقي الساحات، مما أفقد الثالوث الأول الحجة في استهداف ساحات إيران ولبنان، والتي كان يعتقد أولئك بأن هاتين الساحتين ستنتصر من جغرافياتها ابتداءً للساحة السورية، والتي كانت ستخلق الكثير من المشاكل فيهما، وتحديداً في الساحة اللبنانية، وذلك جرّاء انطلاق أبواق ٍ داخلية تلعب على أكثر من وترٍ حساس للمقاومة في الداخل اللبناني..
هذا التكتيك العسكري فرض على ذاك الثالوث الرضوخ لطبخة القيصر، فيما عُرِف لاحقاً بإتفاق الكيميائي الشهير، والذي حفظ فيه القيصر ماء وجه الناتو، لنزع فتيل الحرب يومها..
تلك الإستراتيجية العسكرية التي أعدها الثالوث الثاني، مضافة إلى الطرح بنزع السلاح الكيميائي، والذي تحول لاحقاً إلى اتفاق… جعل من الثالوث الأول يقع في الكمين الأول، وخصوصاً بأن التهديد بالحرب يومها، كان بهدف فرملة الإندفاعة العسكرية للجيش السوري في معركة الغوطتين الشرقية والغربية، والتي وصفتها في حينه بأنها “القُصير الجديدة”، والتي علا صراخ الثالوث الأول خوفاْ من تداعياتها الإستراتيجية علي أهداف دوله في سوريا ـ فيما لو اكتمل النصر فيها يومها ـ وذلك كما جرى مع سابقتها، القصير ـ حمص..
لقد فصّلت في حينه (وذلك في مقالة نُشرت بتاريخ 04-09-2013 ، والتي عنونتها: فتش عن القصير.. الرسالة وصلت) بأن المطلوب يومها لم يكن حرباً، ولا من يحزنون، إنما فرملة الإندفاعة السورية في الغوطتين… لأن النظام العالمي الجديد لم يتم اقتسام مناطق النفوذ بين أقطابه الأساسيين، حتى تاريخه…
خلاصة القول: إذا كان كمين الأطلسي الكيميائي في الغوطة في العام ٢٠١٣ ، قد نجا منه الثالوث الثاني، بنصف انتصار، وذلك بإيقاع ثالوث الناتو في منتصف حفرته … فإن كمين السو 24 في ريف اللاذقية الشمالي، جعل من من هذا الثالوث الأخير، يهوي بنفسه في أسفل حفرته… لأن كل ما أملّه من كمينه المتجدد، فاقت خسائره بنتائجه المتدحرجة، أضعافاً مضاعفة على أمريكا (في السياسة)، وعلى أوروبا (في الإقتصاد)، وعلى تركيا (في الميدان)…
هذا، وهذا فقط ـ باعتقادي ـ هو الذي يُفسّر تلك التناقضات المضحكة ـ المبكية، لكيفية تعاطي تركيا في تبرير كمين السوخوي، والذي يتقلّب بين الفينة والأخرى..