من فولجوجراد إلى بيروت
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
يعرف الغرب (اوروبا واميركا) كما الشرق (الروس)، ان منطقة الشرق الأوسط “لا يمكننا اصلاحها ولا نستطيع تركها” كما يقول مستشار وزارة الخارجة الاميركية ديفيد آرون. هي الحيرة التي تتسمك بها تلك الأطراف جميعا، فتتعايش مع اخطارها، وتتصارع مع افكارها المختلفة، تتقدم حيث لا تريد، وتبقى مكانها حيث تبغي التقدم . مفارقات معاشة بكل تلاويها تلك، ولهذا صار التعايش معها معجزة، ربما بات التفاهم معها يظل هو المطلوب، وتظل تلك الدول على اتصال وثيق بها .
رغم ما حصل عليه الغرب بشقيه الاميركي والاوروبي من مشاكل توجع الرأس سببها منطقة الشرق الاوسط، فإن الروس يتقلدون اليوم، وربما دائما، اشكاليات العلاقة مع دوله المعروفة. فبعد ان استبيحت فولجوجراد الذي جاءت صدى لتفجيرات في بيروت مرورا بالعراق وسوريا، كان لا بد للرئيس الروسي بوتين من ان يعزز موقفه الدائم من ان حرب سوريا تهدد روسيا، لا بد قد تنسف الأرض من تحت قدميه، وقد يتوه في لعبة التنقل التفجيري بين مدن تلك المنطقة ومدنه الكبرى، مثل فولجوجراد التي كانت تدعى سابقا ستالينجراد وتم اعادتها إلى اسمها الأول ، وهي التي وقف عند اعتابها الجيش النازي بعد ان دمرها تماما .. وفي هذه المدينة نصب تذكاري يعتبر الأطول في العالم وهو امرأة شاهرة سيفا يبلغ طوله أكثر من مائة متر فيما السيف لوحده 12 مترا .
ربما لم يتفاجأ بوتين بما وقع في مدينة تداعب نهر الفولجا لانها سميت باسمه .. وقبل التفجيرين الانتحاريين، كانت الدراسات والمعلومات تؤكد بما قد يحدث في احدى المدن الروسية، وهو استاذ كبير في علم الاستخبارات، قيصري التفكير شيوعي الهوى، عقله البارد لا ينام، وحين يسخن يقفز الرجل إلى مرحلة شخصية من اجل التناسي كأن يداعب فهدا او يمارس رياضة التزلج . ومع ذلك لا ينسى هذا الرئيس ان المتفجرات تنتظره في كل لحظة، ولطالما كانت في دمشق فهي على اعتاب مدنه، ولهذا يصعب عليه أن ينسى أو يتناسى أن الخطر كامن هناك ، وان ارتداداته عنيفة يطول قطرها ما هو اوسع من فولجوجراد.
لعنة التفجير التي طاولت بئر العبد في بيروت وقبلها لم تحير بوتين، كان يضع الخارطة امامه فإذا بخطها يصل إليه، ولأن لهيبها مصدره واحد هو الممول الثابت الذي لم يتغير منذ ان فجر الحرب في وجه الاتحاد السوفياتي، فإن المسألة تحتاج لوجهة نظر، بمعنى ان تتم معالجة الرأس وليس الاذناب، مصارحة الدافع وليس من يتحرك باسمه، والمسألة هنا لا تحتاج لمقاومة، الخبرة البوتينية تؤكد بناء على ما سمع وقرأ، ان اهداف التفجير تحدد دفعة واحدة وعندما يأتي أوانها تنفذ.
يفضل الروس اذن التمسك بالشرق الأوسط ليس حبا به، بل لأنهم لا يستطيعون تركه طالما انهم لا يمكنه اصلاحه . فيبقى المهم بالتالي التعامل مع ارتداداته في كل لحظة، فشريعة التكفيريين ليست عربية، هويتها ذاك المزيج الذي يعمل بظنون ان الجنة فتحت ابوابها له فلماذا يغلقها وهي هدفه النهائي في الممات لأنه مفطور على حب الموت ومخلوق ضد الحياة.