من عصابات نيس الفرنسية إلى «أمير» كتيبة إسلامية
في ذاك الصباح، استقل عمر الديابي سيارته وتوجه نحو حريتان شمال حلب، وهي مقر ثوار إسلاميين في سورية. أمسك هذا الفرنسي – السنغالي، وهو «أمير» الجهاديين الفرنسيين في سورية، مقودَ السيارة بيد، وباليد الثانية حمل هاتفه الموصول بـ «فايسبوك» وزفَّ إلى «نوفيل أوبسرفاتور» «خبراً سعيداً»: «ليلى ابنة الخامسة عشرة من أفينيون بفرنسا والتي تسللت إلى سورية في كانون الثاني المنصرم، بخير». «كان أبوا ليلى جن جنونهما حين غادرت ابنتهما في السر إلى سورية ليتصل بهما بعدها رجل عربي اللسان يرافقه فرنسي شرح لهما أن المتصل يطلب يد ابنتهما للزواج»، يقول غي غينون، محامي أسرتها. ورفض الوالد زواجها، وادعى أمام القضاء الفرنسي على خاطفي ابنته. وليلى اليوم بخير، ومَن حرص على سلامتها هو «الأمير»، الفرنسي – السنغالي الذي عارض زواجها «لأنها يافعة ويخاف عليها مثل ابنته».
وطوال 3 أسابيع، تواصلت «لونوفيل أوبسرفاتور» مع قائد الكتيبة الإسلامية هذه في سورية على «فايسبوك»، وسعت إلى التحقق من «أخباره» بواسطة مقارنتها بحوادث ورصد التقاطعات بينها.
وروى الديابي كيفية تجنيد كتيبته نحو 80 جهادياً فرنسياً للقتال في سورية. ولا شك في أن السجن ينتظر هؤلاء فور عودتهم إلى فرنسا. «في كل الأحوال، لن أعود قبل أن تضع الحرب أوزارها، وهي لن تنتهي إلا حين يبعث النبي في دمشق»، يقول عمر الديابي.
وسيرة الديابي مضحكة مبكية، فهو كان زعيم عصابة في فرنسا، مولود في داكار ووصل إلى فرنسا قبل 38 عاماً برفقة والديه. كان نزيل سجون منطقة «كوت دازور» منذ كان في ربيعه العشرين. وفي 1995، حكم عليه بالسجن 5 أعوام جزاء دهسه رجل بواسطة سيارته وقتله، وأثبتت التحقيقات أن الدهس كان عملية قتل في سياق تصفية حسابات بين عصابات متنافسة. وفي 2002 و 2003 عاد إلى السجن إثر سرقته مجوهرات في موناكو، ولكن إثر إطلاق سراحه بدا أنه سلك طريق التطرف الإسلامي. وبين عمليتي سرقة، درج الديابي على إلقاء خطب في نيس. وفي 2005، بدأ يسجل أفلاماً تسجيلية إسلامية لنشر دعواه واستمالة شباب أخفق في مساره التعليمي ولا يستسيغ قراءة نصوص دينية.
«أثره كبير في أوساط الشباب، وهالة شعبيته أقرب إلى سطوة أخ أكبر في الضواحي الفرنسية منها إلى دالة عالم دين مسلم. وهو لا يجيد العربية»، يقول مسؤول استخباراتي فرنسي في قسم مكافحة الإرهاب. وبدأت الاستخبارات ترصده إثر القبض عليه بتهمة السرقة والإشراف على عصابات سرقة منظمة لقِطَع سيارات، واكتشاف أنه كان يخطط للذهاب إلى تونس ومنها إلى أفغانستان للالتحاق بصفوف طالبان.
ونظم عمر الديابي اجتماعاً «جهادياً» في فرنسا حضره أكثر من 30 شخصاً، بينهم ثلاثة يتحدرون من ضواحي باريس اعتُقلوا في المطار وهم يغادرون إلى تركيا بقصد الذهاب إلى سورية. وحين اعتقال الثلاثي المتطرف، كان الديابي خرج من السجن قبل أيام، وعلى رغم أن حريته كانت مقيدة بسوار إلكتروني يرصد تحركاته في ربيع 2012، شن حملة جهادية إلكترونية. يومها، كانت فرنسا تحت صدمة هجمات محمد مراح في تولوز، ولذا بدأت الحكومة الفرنسية حملة واسعة من أجل كشف شبكات الإسلاميين الفرنسيين والقبض عليهم، وأبرز المطلوبين كانوا من جماعة «فرسان العزة» المتطرفة، وجمدت السلطات أصول الديابي جزاء علاقاته بهذه الجماعة.
كان أزعر عصابات في السابق وصار «أمير» جهاديين في سورية، وكان وراء مشروع «19 أش أش»، وهو فيلم وثائقي يرمي إلى إماطة اللثام عن تاريخ «الإنسانية الحق»: اضطهاد الغرب للإسلام، وهو عرض بصري يدوم ساعة ترافقه أناشيد دينية. وانتشر الشريط في أوساط الجهاديين في 2013، وذاع صيت مهارات الديابي في الإخراج وكأنه سبيلبرغ الإسلام المتطرف الفرنسي. وشعر «الأمير» الفرنسي – السنغالي أن الخناق يضيق عليه في فرنسا، وأنه يواجه خطر الترحيل، فغادر نيس إلى دكار، ومنها سلك طريق الجهاد، فوصل إلى موريتانيا ثم إلى تونس، وتوجه وعشرات الإسلاميين إلى تركيا ومنها إلى حلب، حيث تهيمن «جبهة النصرة» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروفة بـ «داعش». كان المقاتلون الفرنسيون في حيرة من أمرهم، فهم يلتحقون تارةً بصفوف «النصرة» وتارة أخرى بـ «داعش»، وتتغير بوصلتهم على وقع تغير خطب رجال الدين. وحسم الديابي حيرته وانضم إلى «القاعدة».
واليوم، يقول إن «اعضاء داعش هم شباب جاهل لم يتابع تعليماً دينياً يعتد به، وهم زعار سابقون يظهر وجههم الفعلي حين يحملون السلاح فينساقون وراء البلطجة والانحراف».
أوليفييه توسكيه – صحافي، عن «لونوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية، 20 03 2014، إعداد منال نحاس – صحيفة الحياة اللندنية