من سوريا إلى روسيا: وقاحة تكرير السيناريو الممجوج
موقع العهد الإخباري-
عبير بسّام:
انتشر في الخامس من آذار/ مارس مقطع فيديو لمجموعة من “الثوار” الأوكرانيين وهم يصلبون جنديًا روسيًا حيًا وهو مكمم ويئن من الألم. دقت المسامير في يديه، ثم ثبت على الصليب ورفع في الهواء. مشهد مرعب، يتساءل أمامه المرء هل الفاعلون من البشر؟ وحوش تشبه في تركيبتها الإجرامية “الثوار” الذين رأيناهم على طول وعرض “الربيع العبري” وخاصة في سوريا وليبيا، حيث نشط أكلة القلوب والأكباد في الفيديوهات وحرق الناس وهم أحياء، ورجم النساء والرجال بالحجارة. واليوم، أذهلنا هؤلاء بمشاهد الصلب الفظيعة.
السيناريو المستخدم في سوريا يستخدمه الإعلام والساسة الغربيون اليوم في الحرب على روسيا. التشابه يدفعنا للقول وبكل وضوح “أعيد وأكرر”. ابتدأت التحركات التي سميت بـ”الثورة” في سوريا، ولم تتجاوز أعداد المشاركين فيها بضع مئات قليلة، لكن اعتبرها الغرب جماهير الثورة. وكان المطلوب تصوير الرئيس السوري، كما كل معارض للسياسات الغربية، على أنه ديكتاتور وفاشي ويمنع الإعلام من نقل الصورة الحقيقية. ثورات كاميرات الهواتف المحمولة استخدمت في الربيع العربي، والربيع الأوكراني، والربيع الكزاخستاني. نمط من الثورات هدفه الأول تقسيم الدول التي قامت فيها، وخلق عالم جديد وتوزيع القوى بما يضمن هيمنة القوة الأحادية وحلفائها.
هل نتذكر أسباب الشرارة الأولى “للفورات” في درعا؟ قصص ركبها الإعلام الغربي والعربي الأعمى والعميل ورددها كما الببغاوات. قصة اقتلاع أظافر طلاب مدرسة ابتدائية، وقصة حمزة الذي عذبه الأمن وتناقل الإعلام صور جثته المنفوخة. في الأولى قال لي – في حينها – أحد المحامين المقيمين في المدينة: “إذا أردت سنذهب لأعرفك على هؤلاء الأولاد، واذا وجدت أن أحدًا منهم قد قلعت أظافره كما يدعي الإعلام الغربي والعربي – العبري، فسأنحني لهم وأعتذر منهم”.
وأما حمزة، وبحسب جارة “معارضة”، فهو أيضًا كان في السادسة عشرة، وليس في التاسعة من العمر، أصيب برصاصة أطلقت من داخل المظاهرات، لأن المتظاهرين كانوا قد زودوا بالسلاح، وقد كتبنا عن تزويد مشاغبي درعا بالسلاح، ومنذ اليوم الأول، عبر غرفة الموك في الأردن. نبشت جثة حمزة المتوفى المنتفخة بعد أيام من دفنه، لتعرض على أنها جثة طفل تعرض للتعذيب. قصتان مثبتتان بالشواهد. وأما في دمشق فقد أمسكت شرطة بلدية دمشق في سوق في حي باب مصلى القديم، والذي يمتد باتجاه سوق الحريقة الذي يقع خلف سوق الحميدية، (أي أنه يصل الطريق بين ثلاثة أسواق شعبية متصلة مكتظة بالمتسوقين والمارين على حد سواء)، بشاب يصور بهاتفه الخلوي أرجل المارة وهو يتحدث عن أعداد المتظاهرين الكبيرة في محاولات للإيحاء بأن هناك مظاهرات في أحياء دمشق القديمة. الأمر نفسه حدث في الساحة الحمراء في موسكو.
فمع بدء الإنزالات الروسية في عدد من المدن الأوكرانية، تجمع عدد من المواطنين الروس، لا يتجاوز عددهم العشرات للاحتجاج. كان العرض على الـ CNN للمظاهرات التي قيل إن الشرطة الروسية قمعتها، والتي ادعت انطلاق المظاهرات في الساحة الحمراء ضد الحرب على أوكرانيا، وإن الإعتراضات تجتاح الساحة الحمراء ضد الغزو الروسي لأوكرانيا. والساحة الحمراء في موسكو لا يمكن أن تخلو من المارين. من أدار الإعلام العالمي ضد دمشق هو نفسه من يدير الإعلام ضد موسكو، فهل يعرف أحد أين تقع غرفة الموك التي تدير الإعلام والجماعات المسلحة ضد روسيا اليوم؟
بالطبع، يجب أن تكون في مكان قريب، يستقبل المهاجرين، أو من الممكن أن تقع في تركيا، حيث تقع غرفة الموك 2، التي أدارت منها المخابرات الأميركية والبريطانية الفرنسية والتركية و… الحرب على سوريا. هناك بالتأكد مركز للعمليات تديره ماكينة إعلامية ضخمة ضد روسيا والجيش الروسي والرئيس بوتين بالذات؛ وهي الماكينات نفسها، التي عملت ضد سوريا وقيادتها وجيشها. وهي الماكينات التي أطلقت مدافع الهاون من بين بيوت المدنيين، لتدفع بالجيش الروسي أو السوري للرد على مصادر النيران التي تطالها. وهي الغرفة التي تدار فيها اليوم عملية تجميع الإرهابيين من سوريا لتهريبها باشراف تركيا إلى أوكرانيا، اذ يعود ليتكشف في كل مرة الدور التركي في زعزعة الأمن والنظام في المنطقة من روسيا إلى سوريا.
غرفة، أطلقت “داعش” و”النصرة” ومررتها عبر كازاخستان إلى سوريا، تعيد اليوم تجميعها في سوريا ومن دول آسيا الوسطى لتعيد تركيا شحنها إلى أوكرانيا لتقاتل في وجه الجيش الروسي. تماماً كما أعلنت الإرهابيين ثوارًا في وجه الجيش السوري. ولكننا لن نشهد وجود إرهابيين جندوا في السعودية وعدد من دول الخليج وتونس وليبيا للقتال في أوكرانيا، ببساطة لأنهم سمر وذوو شعر أسود وهم لا يتماهون مع السحنة الأوكرانية من مقاتلي آزوف العنصريين والذين يعتزون بوجه النازية الجديدة في أوروبا، ولا يشبهون المقاتلين المرتزقة الذين دربتهم “اسرائيل”، وقاتلوا ضمن القوات الخاصة في ألويتها. مرتزقة جسدوا طلائع المجرمين الذين قتلوا الأطفال والعزل في غزة وفي كل شبر من فلسطين. واليوم يعود هؤلاء لقتال الجيش الروسي في أوكرانيا، وللتنكيل وقتل كل مواطن في اوكرانيا من أصول روسية أو يتبع كنيسة موسكو الأرثوذكسية.
إن الحرب على روسيا تتبع النمط الخطير، الذي اتبع في سوريا، اذ اعتبر الإرهابيون في سوريا أنفسهم في قتال مع “النصيريين الكفار”، وقاموا بالتنكيل بجميع الناس ولم يستثنوا أحداً. فالخطف والتنكيل طال كل من وقف إلى جانب الدولة ومن جميع الطوائف، وخطفت البنات والنساء وتم الإتجار بهن كسبايا.
وهكذا هم إرهابيو أوكرانيا الذين يقفون إلى جانب الغرب، فهم قتلوا أكثر من 12 ألف شخص في الدونباس ممن هم من أصول روسية وينتمون إلى كنيسة موسكو الأرثوذكسية، وضمن هذه العقلية المريضة تم نشر فيديو صَلْبِ الجندي الروسي. إنها عملية تطهير ديني ولغوي وعقائدي بشعة، فالشعبان من نفس العرق وكلاهما يعتنق المسيحية الأرثوذكسية بالعموم. إنه إرهاب من أجل زرع الرعب والتفرقة.
مرتزقة، يقاتلون باسم الوطنية والدين مقابل المال، تعيد مجموعات الارتزاق توزيع نفسها في أوكرانيا لقتال الجيش الروسي، لدعم كيان يتهاوى، بعدما اتضح أن من يقوم بأعمال الشغب وإطلاق النار هم مجموعات عنصرية منظمة. وقد أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الولايات المتحدة فاسيلي نيبينزيا عن إعداد الكتائب القومية في أوكرانيا لاستفزازات باستخدام المدنيين كدروع بشرية.
ابتدأ الغرب قبل انطلاق العمليات الروسية على أوكرانيا بالتهديد والوعيد، ومحاولة بث الرعب من استخدام روسيا لقوتها النووية ضد أوروبا والعالم، ولكن الروس كشفوا عن قدرة صواريخ التوما هوك على حمل رؤوس نووية يمكنها أن تصل العاصمة موسكو خلال أربع دقائق، والأعظم ما كشفته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية يوم الثلاثاء، ماريا زاخاروفا، عن تصنيع أسلحة بيولوجية بالقرب من الحدود الروسية في أوكرانيا، مصانع يملكها كل من الأميركيين والفرنسيين. أي إن الأسلحة الجرثومية والكيميائية توجد لدى الأوروبيين والأميركيين وحلفائهم.
وما يزيد الطين بلة، هو ما كشفه المتحدث باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف، من أن القوميين في أوكرانيا يستعدون لتنفيذ ما أسماه “استفزازات” بمواد سامة لاتهام روسيا باستخدام أسلحة كيميائية، حيث نقل هؤلاء في اليوم ذاته 80 طناً من الأمونيوم إلى قرية زولوتشيف شمال غرب خاركوف. وكشف المغادرون من القرية أن القوميين كانوا يعلمونهم كيفية التصرف في حال وقوع هجوم بالأسلحة الكيماوية. يبدو أن أفلام الخوذات البيضاء، التي اتخذ منها ترامب ذريعة لبدء عدوان ثلاثي أميركي- فرنسي- بريطاني على سوريا في حزيران/ يوليو العام 2018، بحجة استخدام القصف الكيماوي على المدنيين في خان شيخون، سيعاد استخدامها في زولوتشيف من أجل الدفع نحو هجوم عسكري على روسيا. ولكن من سيقود الهجوم؟ الأميركيون أم الأوروبيون!؟ أم هي ذريعة للدفع نحو حرب أهلية في أوكرانيا تقع روسيا فريسة في مستنقعها؟ هل يعيد التاريخ نفسه في سوريا وروسيا؟ وهل ستمتد الحرب لمدة أطول مع ظهور المزيد من المخططات الشريرة، والتي تهدف لمحاصرة روسيا وفرض عقوبات أكبر عليها؟ أم أن المطلوب أن تمتد الحرب الأهلية عبر العمليات الإرهابية على يد المرتزقة والإرهابيين لتتوسع مساحة الإرهاب على أراضي روسيا الاتحادية تماماً كما حدث في سوريا؟
أهم القضايا الإنسانية والمؤسفة والتي تنتجها الحروب الحديثة، هي قضية اللاجئين. فالقصف الانتقامي والعشوائي يطال في معظم الأوقات الأحياء السكنية، أو ينطلق من داخل البيوت كما فعل “ثوار” سوريا و”مقاومو” أوكرانيا. تسميات في الحالتين أطلقت عبر التصريحات السياسية الغربية، واعتمدها الإعلام الغربي و”العبري” ونشرها. وهذا النوع من الحروب المشتركة ما بين الجيش النظامي ومحاربي العصابات ينتج أسوأ ما يمكن أن تنتجه الحروب. وعبر التاريخ البشري الحديث تستغل قضية اللاجئين من قبل الغرب من أجل الضغط على الحكومات لتقويضها او إسقاطها، كما في حالتي قضيتي لاجئي سوريا وأوكرنيا، بل هي أساساً اخترعت في البلدين حتى قبل إطلاق رصاصة واحدة.
من سوريا الى روسيا: وقاحة تكرير السيناريو الممجوج
يستغل الغرب قضية اللاجئين لتحقيق مصالحه الشنيعة: “فإسرائيل” تريد جذب اليهود الأوكران إلى فلسطين لتوطينهم. وأما الغرب فيرى فيهم مصلحة لإجبار الرئيس فلاديمير بوتين على التراجع عن تحقيق أهداف روسيا في إحقاق الأمن القومي لبلاده. تماماً كما استغل اللاجئون السوريون من أجل تشويه صورة القيادة السورية ومحاولة الضغط على الرئيس بشار الأسد من أجل التراجع عن مواقفه في دعم المقاومات العربية في العراق ولبنان وفلسطين، والتطبيع مع العدو الصهيوني. والمضحك أنه في الحالتين وقع عبء اللاجئين على أوروبا بالذات ولم تتحمل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا واستراليا، إلا عبء النخب التي اختارت استقدامها إلى بلادها!
ولكن هناك فرق كبير وواضح بين سوريا وروسيا، فلدى روسيا قوة نووية كبيرة ولديها ترسانة هائلة في حين أن سوريا دولة صغيرة بحجمها وليس بفعلها. فمساحة روسيا أكبر من مساحة سوريا بـ 92.6 مرة. وإذا كانت سوريا قد استطاعت الصمود فتستطيع أن تتحمل روسيا باقتصادها وبما اتخذته من إجراءات وترتيبات هامة توابع الحرب التي فرضت عليها. ولا ننسى أن الحرب البشعة فرضت على روسيا من أجل حماية أمنها وأمن مواطنيها، ولكن روسيا هي من وضع آلية المعركة وخطط لها وحدد أهدافها وبالتالي سقفها الزمني، وهذا ما تمتاز به المعركة الروسية.