من زمن “الباب العالي” إلى زمن باب السفارة
موقع قناة المنار-
أمين أبوراشد:
التمايز في البيئة الإجتماعية اللبنانية، أن هناك مناطق تأنس لوجود الزعيم أو إبن البيت السياسي، لأن شريحة من هذا الشعب، توارثت أباً عن جدّ الولاء لهذا البيت أو ذاك، وبالتالي، لا نعجب أن يتضمَّن الخطاب الإنتخابي لبعض “المرشَّحين العائليين”، تأكيدات على بقاء بيوتهم مفتوحة للناس، سواء وصلوا الى النيابة أم لا، ويعلو التصفيق من الحاضرين والدعاء بطول العمر، سيما وأن النائب بنظر البعض هو رجل خدمات، بدءاً من التزفيت وصولاً الى التوظيف وما بينهما من تعقيب معاملات.
لا يُلام مَن يفتقد خدمات الدولة ويرى الدولة في شخص النائب / الزعيم، لكن اللوم على النائب الذي يفتقر لقدرات التشريع أن يُشرِّع باب الدار لمنطق “حُكم الفرد”، والأزمة ليست فقط في بيروقراطية الدولة التي تُنكِّد على مواطنيها رفاهية العيش الكريم، وتدفعهم للجوء الى الزعيم، بل الأزمة الأكبر هي في عدم وجود وعي جماعي لعيش الحياة الحزبية في السياسة، التي هي أساس ديموقراطيات العالم، بصرف النظر عن هذا الحزب أو ذاك وحجمه الشعبي ضمن المنظومة الحزبية على مستوى الوطن.
ونلمس في الترشيحات والخطابات لإنتخابات العام 2022، عودة الى منطق الشخصنة العائلية على حساب مسيرة العمل الوطني، أكثر مما لمسنا في إنتخابات العام 2018، وتحديداً في المناطق التي انكفأت فيها العائلات بعد العام 2005 لصالح الأحزاب، والسبب ليس بالضرورة نتيجة خيبة الأحزاب في تحقيق الحدّ الأدنى من مطالب الناس، بقدر ما أن بعض هذه الأحزاب تُمارس الحياة السياسية عبر الحسابات الضيقة، والنكايات التنافسية، وبسبب عدم قدرتها على الإندماج الوطني مع الآخرين، نتيجة ارتباطات خارجية وصلت الى حدود الإرتهان الى أي “بابٍ عالٍ” إسمه سفارة.
“الباب العالي”، هو مصيبتنا السياسية منذ زمن العثمانيين، وهو معبر الإذلال للبقاء على قيد الحياة، وإذا كانت عتبة بيت الزعيم موروثة من زمن وراثة ألقاب “البيك” و”الشيخ” و”الأفندي”، فإن الأجيال الجديدة في لبنان لا تُدرك أن دور حَمَلة هذه الألقاب أثناء الإحتلال العثماني كان حصراً تحصيل الضرائب من الشعب اللبناني لصالح خزينة الوالي بهدف كسب رضا “الباب العالي”.
لا نكتفي بافتقاد دور الدولة في رعاية أبنائها، بل نفتقد الروح الوطنية الجامعة للبنانيين ضمن الإنتظام الحزبي، لكن الخطاب الإنتخابي لبعض الأحزاب الهزيلة على المستوى الجماهيري لا يُبشِّر بالخير، وهي أحزاب غير جديرة بأية شراكة وطنية، وغير قادرة على الإرتقاء بالحياة السياسية والإنتقال بالوطن والشعب من ذهنية التبعية الى الثقافة الوطنية الجامعة، ما دامت هذه الأحزاب أدوات تقسيمية مزروعة كما الألغام ولا تعلو فوق قيادتها سوى راية “الباب العالي” …