من «رامات دافيد» مع أطيب التمنيات: إلى أين يأخذنا بيار الضاهر؟
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
بيار أبي صعب:
بيار الضاهر لم يعد يعرف ما يريد. لا نكتب هذا الكلام من باب النقد حتّى، بل في معرض البحث عن أسباب تخفيفيّة لرئيس مجلس ادارة lbci، بعد الخطأ الوطني والأخلاقي والسياسي والمهني (وحتّى التسويقي) الفظيع الذي ارتكبته محطّته ليلة الأربعاء في نشرة أخبارها المسائيّة. كان فريق lbci ذلك المساء، بقيادة آمال شحادة، في ضيافة… قاعدة لسلاح الجوّ الاسرائيلي.
كلا، ليست مزحة، ولا شائعة، ولا دساً رخيصاً، كما كنّا نتمنّى، بل «سبق صحافي» من الصنف الممتاز. وخطوة جديدة، مقلقة وفاجرة، في المشهد الاعلامي اللبناني، لخلق حالة تطبيعيّة سافرة مع العدوّ، وتحويل محطّات لبنانيّة لها حيثيّتها ومكانها وجمهورها، إلى علبة بريد رخيصة أو بوق ـــ لكي لا نقول مطيّة سهلة ـــ للبروباغاندا الاسرائيليّة في عقر دارنا، ولسياسة التهديد والترهيب والحرب النفسيّة على الشعب اللبناني ومقاومته.
المشهد يصعب أن يتخيّله عقل أو يقبله منطق. هكذا وبكل بساطة تُختصر المسافة بين كسروان وشمالي فلسطين المحتلّة، بين أدما و«قاعدة رامات دافيد» لسلاح الجو الاسرائيلي؟ وتدخل كاميرات lbci إلى قاعدة عسكريّة اسرائيليّة كأنّها تدخل إلى مدينة الملاهي، وتنقل تصريحات وتهديدات قادة عسكريين لدى العدو كأنّها تقوم بمهمّة روتينيّة. كاميرات تصوّر بإعجاب شديد، ومن دون أن يرفّ لها جفن، الطائرات التي أفرغت حمولات حقدها وبربريّتها على لبنان في تمّوز ٢٠٠٦، وأفرغتها قبل ذلك، وتفرغها كل يوم على غزّة وسواها من الأراضي العربيّة. تصوّر الكاوبوي الصهيوني يترجّل من الـ «أف 16» قبل أن يقترب من الكاميرا ويبلغنا رسالة التهديد والوعيد. هكذا تعطي شاشة lbci حق الكلام لقائد قاعدة جويّة اسرائيليّة ليحذّرنا ويرعبنا. وبعد القاتل اللطيف المعتمر خوذة Terminator، يتواصل الدرس مع العبقري أفيخاي أدرعي المكلّف نقل «خطاب الاعتدال والسلام»، وبلغة الضاد، إلى الاعلام العربي، فيكشف لنا بدهائه المعهود مخططات «حزب الله»، مستخلصاً: «اسرائيل لا يمكن أن تقبل ذلك». طيب عال، إسرائيل معذورة، بس الشيخ بيارو كيف يسعه أن يقبل ذلك؟ وآمال شحادة، ماذا عن آمال شحادة؟ هل «تؤدي مهمّتها فقط»، كما ادعى عملاء النازية في معرض دفاعهم خلال محاكمة نورمبرغ؟ تستمع إلى صياغة الفويس أوفر، ونبرة صوت آمال شحادة ـــ التي كسبها بيار الضاهر من صفقة «الحياة»/ lbc ــــ فيخيّل إليك أنّك تسمع محطّة اسرائيليّة. مسكين مجدي الحلبي «مراسل» Mtv، فهو يبدو نعجة مسالمة مقارنةً بها. كل ذلك يجري على المحطّة الملوّنة التي راهنّا على خروجها إلى الخطاب الوطني الرحب، تاركةً لمحطّات أخرى بذلتها الدامية القديمة.
ماذا يريد بيار الضاهر لمحطّته؟ خلناه مشغولاً بمنافسة «الجديد»، فإذا به يقلّد Mtv. خلناه مهتماً بنفح روح اجتماعيّة مطلبيّة في جسد محطته، وتلوينها بهويّة عربيّة، وفتحها على جمهور متعدد الآفاق خارج الغيتو الانعزالي… فإذا به يحنّ إلى زمن كان أرييل شارون يتناول طعام الغداء في الأشرفيّة Au Vieux Quartier كأنّه في إحدى مزارع الأفوكادو التي يملكها في فلسطين المحتلّة. هل سيطالعنا اليوم سيّد أدما بملابس الهيبيز وقد تدلّت من رقبته قلادة peace & love على طريقة زياد دويري، الذي عاد من تل أبيب ليقول «أنا فنّان لا دخل لي بالسياسة»؟ هل سيفاجئنا بمزحة من نوع: «مهمّة الاعلام تتجاوز الحدود والخنادق»؟ لا يمكن التعامل بخفّة مع تقرير آمال شحادة الاسرائيلي على lbci. فهو خرق سافر للقانون اللبناني، بل تعامل موصوف مع العدو، وعلى الضاهر أن يتحمّل مسؤوليّاته ويواجه الرأي العام. ننتظر منه أن يطلّ في نشرة أخبار الثامنة ليعتذر شخصيّاً ـــ وجَلّ من لا يخطئ ـــ عن هذا التسرّع الذي ينمّ في أفضل الحالات عن قلّة نضج، وقلّة مسؤوليّة. وأن يتعهّد عدم تكرار هذا الخطأ، وعدم استلهام تقاريره في فلسطين المحتلّة مستقبلاً، من توجيهات «جيش الدفاع الاسرائيلي» كما يسمّيه عرّاب آمال شحادة أفيخاي أدرعي. تلك حرب مصيريّة ومعركة وجود لا تسمح بالخفّة أو بالشطارة، ولا تحتمل أي تساهل.