من “جيرلان” ليون إلى “الثمامة” الدوحة. ذكرى مباراة ..
صحيفة الوفاق الإيرانية-
عباس خامة يار:
الیوم الثلاثاء 29 نوفمبر/ تشرين الثاني سنذهب بحدث رياضي كبير وتاريخي، مباراة إيران وأمريكا! يذكرني هذا الحدث بالمباراة بين هذين البلدين في مونديال (21 يونيو/ حزيران) 1998 على ملعب جيرلان في ليون بفرنسا.
تلك المباراة التي أطلق عليها اسم “أم كل المباريات” و “اللعبة الأكثر سياسية في تاريخ المونديال”، وانتهت بالفوز 2-1 لصالح إيران وكان أول فوز لهذا الفريق في تاريخ المونديال.
قصة ذاكرتي هي أنه خلال سنوات مهمتي الثقافية في قطر (1997_2003)، جرى العديد من الأحداث الثقافية العظيمة والتاريخية في مختلف المجالات ، أحدها كان دعوة واستضافة “سيد محمد حسين طباطبائي”، الطفل القاريء الايراني والحافظ للقرآن، والآخر كان مباراة كرة القدم تلك، واللذان تزامنا بالصدفة.
وكان الحدث الاول من الأحداث الفريدة التي جرت في مجال العلاقات الدينية والتفاعل مع دول الخليج الفارسي. كان محمد حسين طفلًا يبلغ من العمر ست سنوات في ذلك الوقت، أي 18 محرم 1419. وترافق مجيئه مع مشاكل كثيرة. وبسبب صغر سنه، كان على والديه مرافقته. وفرض والده شروطاً صعبة لتواجده و مشاركته، وهو بالطبع على حق. أخيرًا، قُبلت كل الشروط بعد مفاوضات مكثفة.
وبترتيبات، تمت دعوته رسميا من قبل النادي الرياضي القطري الشهير “العربي”، الذي كان أكبر نادي رياضي في قطر، وكان له أيضًا قسم ثقافي مهم ملحق به.
في بداية الامر جرى سرد عن شخصية ومكانة وسن ومقدرة محمد حسين الفنية لأعضاء جمعية شباب الدوحة، الذين لم يصدقوا بوجود مثل هذه الظاهرة ، لكن في نهاية الامر ونظراً لثقتهم بي، وافقوا على مقترحي ووجهت الدعوة وجاء محمد حسين الى قطر ليبقى فيها اسبوعاً مثيراً قدراً كبيراً من الضجة.
منذ اللحظة التي دخل فيها إلى لحظة مغادرته، كان الخبر الأول للقطريين. خصصت له عناوين الصحف حتى قبل وصوله إلى الدوحة: “فخر إيران الكبير يكاد يكون في الدوحة قريباً (الشرق)”، “حفل استقبال الطفل الإيراني المعجزة في مطار الدوحة” (الراية) ؛ “الطفل الإيراني المعجزة وصل الدوحة” (الشرق) ؛ و استمرت هذه الكلمات والعناوين حتى بعد مغادرته الدوحة. وكانت هناك حشود من المستقبلين له في مطار قطر. وتعطل نظام المرور بأكمله في المدينة. حتى المسؤولين القطريين كانوا يناقشون خطط وبرامج فعالياته.
بالطبع، كان الجانب الرياضي لهذا الحدث أكثر سخونة بسبب موقع و مكانة المؤسسة المستضيفة.
في أحد برامجه التي أقيمت في الصالة الرياضية بالنادي العربي، بالإضافة إلى المنصات، تم أيضًا ترتيب الكراسي على أرضية الصالة التي غصت بالجماهير، وتم تنظيم البرنامج ليوم للسيدات ويوم للرجال. منذ إنشائها، لم يشهد المكان مثل هذا الحشد من قبل!
السيد العنزي، الكابتن الشهير لمنتخب قطر الوطني لكرة القدم، مثلما كان (علي دايي) كابتن منتخب بلدنا، في تلك السنوات، جاء أيضًا إلى الفندق الذي كان يقيم فيه هذا الطفل وقدم له درع نادي الريان والقميص رقم 9 للمنتخب القطري الوطني علاوة على هدية خاصة. وبعد هذا اللقاء كان أول خبر رياضي في الصحف بعنوان “المعجزة و العنزي” و “العنزي ذهب لمقابلة الدكتور محمد حسين (الطفل المعجزة) في الفندق الذي كان يقيم فيه”.
لكن هذه لم تكن القصة الكاملة!
النقطة المهمة في هذا الحدث أنه قبل المباراة بين إيران وأمريكا بوقت طويل، كان هناك حماس واسع لهذه اللعبة بين الإيرانيين الذين يعيشون في قطر والقطريين أنفسهم وعرب المنطقة.
تم خلق جو غير مسبوق حول هذا الحدث الرياضي. أصبحت هذه اللعبة إلى حد ما شرفًا لإيران وأمريكا، وكانت جماهير الجمهورية الإسلامية من كل التوجهات السياسية والدينية والعرقية قلقة للغاية بشأن نتيجة المباراة والخسارة المحتملة للمنتخب الإيراني. تمنوا فوز منتخب بلادنا، فالأمر بالنسبة لهم لم يكن مجرد قضية رياضية، لأن فوز المنتخب الإيراني أو خسارته في الأساس لم يكن ليؤثر على أوضاع منتخب قطر والفرق العربية الأخرى، لكنهم رأوا المشكلة في سياق المواجهة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية. في الواقع، كانت هذه الحمى والقلق متجذرين في كراهية الجميع لأمريكا. كانت الأجواء ثقيلة ومليئة بالتحريض لدرجة أنه في المؤتمر الصحفي الأول لسيد محمد حسين طبطبائي، الذي تزامن حضوره مع مباراة إيران وأمريكا، طلب منه الصحفيون التكهن بنتيجة المباراة.
محمد حسين، الذي كانت أجوبته قرآنية دائمًا، وبتلاوة آيات من كلام الله فقط، كانت إجابته الفورية آية “غُلبت الروم” !!
أصبحت هذه الإجابة عنوان معظم الصحف القطرية في اليوم التالي. وأهالي تلك المنطقة، بالنظر إلى تعرّفهم على محمد حسين، كانت هذه الإجابة مطمئنة جدًا لهم.
تم إغلاق المدينة في يوم المباراة، وانخفضت حركة مرور السيارات في الشوارع بشكل كبير، وكان هدوء المدينة بسبب مباراة كرة القدم مرئيًا وملحوظًا. خلال المباراة، الدكتور حمد الكواري، الذي كان شخصية ثقافية مؤثرة في قطر وكان وزير الثقافة في هذا البلد لسنوات عديدة وهو الآن وزير مستشار ورئيس المكتبة الوطنية في هذا البلد، وكانت تربطنا مع بعض صداقة جيدة، اتصل بي على الهاتف. نتيجة المباراة حتى تلك اللحظة كانت التعادل بهدف لكل من الفريقين ! وقال مضطرباً وقلقاً للغاية: “دكتور عباس! نتيجة هذه اللعبة ليست مهمة. ماذا نفعل إذا كانت هذه اللعبة تتعارض مع قول (الطفل المعجزة)”؟
وتابع الكواري بقلق:
عباس قل لي ماذا أفعل؟ كان قلقًا جدًا من فشل تنبؤات محمد حسين والآثار السلبية لهذا الفشل المحتمل. حرت في الجواب وقلت: “لا! إن شاء الله نحصل على النتيجة المرجوة!! أنت ادعو”. وقال أيضًا إنه يجب علينا جميعًا أن نصلي وندعو. أنهينا المباراة في أجواء متوترة بسبب المواجهة الجدية بين إيران وأمريكا و على خلفية توقع محمد حسين، وخرجت إيران الفائزة بنتيجة 2-1. وهذا الانتصار وتحقق تكهّن سيد محمد حسين، جعل “الطفل المعجزة” أكثر “معجزة”.
جابر الحرمي، الصحفي بجريدة الوطن القطرية، تناول هذا الموضوع في مقال بعنوان “غُلبت الروم” .عندما سُئل عن توقعاته بنتيجة المباراة الإيرانية الأمريكية، أجاب على الفور. : “غُلبت الروم” وحين سُئل من هي الروم؟ أجاب: أمريكا .. فمتى ستُهزم الروم هذه في النهاية؟ وتنكسر شوكتها ؟ وتزول سلطتها؟
ويواصل الحرمي:”عدد الصحيفة ليوم أمس وصف المباراة بانتصار (المستضعفين) على (الشيطان الاكبر)، ما يدل على العداء العلني وكراهية الشعوب العربية والاسلامية للشيطان الاكبر، أي أمريكا”
وفي نفس الاجتماع، وردا على سؤال حول احتلال أمريكا للعراق، وصف علم الهدى أمريكا بأنها الشيطان الأكبر، كما دعا الفلسطينيين لمواصلة طريق الانتفاضة. ونقلت الصحف في عناوين مختلفة هذه التصريحات عنه.
على أي حال، أخلّ انتصار إيران بأوضاع المدينة، وتدفق الإيرانيون المقيمون في قطر إلى الشوارع وبدأوا كرنفالات و احتفالات سعيدة بالابواق والأعلام الإيرانية. كما كان القطريون سعداء في الشارع بهذا الكرنفال، وانضم شبابهم إلى الإيرانيين وكانت هناك سعادة و فرحة مزدوجة في المدينة.
ونأمل أن تتكرر هذه الحركة الرنانة والحماسية للغاية، وكذلك في الفضاء الافتراضي، غدًا بالجهود الكبيرة التي يبذلها لاعبونا في “الثمامة” بالدوحة وبتشجيع وصلوات و دعاء أبناء وطننا، لتبقى هذه النتيجة الباهرة مسجّلة إلى الأبد في تاريخ بلدنا.