من الذي يدعم التطرف والمتطرفين؟
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
في ندوة عقدتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في نيويورك عشية الافتتاح الرسمي للجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة اليوم، حثت سفيرة الدبلوماسية الأميركية العالم على الوقوف في وجه “المتطرفين” ودعم “مسيرة الديمقراطية” في العالم العربي، معتبرة أن “وحدة المجموعة الدولية أساسية لأن متطرفين في كل أنحاء العالم يسعون إلى تقسيمنا. يجب أن نوحد صفوفنا لمقاومة هذه القوى ودعم عمليات الانتقال الديمقراطي الجارية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط”. هذه الدعوة تذكرنا بالدعوة ذاتها التي أطلقتها الإدارة الأميركية السابقة بقيادة الرئيس جورج بوش “الصغير” والتي لا يزال العالم عامة ومنطقتنا خاصة يحصد آثارها المدمرة إلى الآن، الأمر الذي يطرح عدة استفهامات حول من صنع هؤلاء المتطرفين؟ ومن وراء السياسات التي دعت هؤلاء يتكاثرون؟ وهل الوقوف في وجوههم على الطريقة الأميركية؟ وهل الانتقال الديمقراطي في الوطن العربي يتم عبر الطريقة الأميركية ذاتها في العراق وأفغانستان؟
وفي الوقت الذي تدعو فيه هيلاري كلينتون العالم من إحدى جهات نيويورك إلى الوحدة لتحييد المتطرفين ومواجهتهم ودعم الديمقراطية، كان هناك على الجهة الأخرى الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا يدق نواقيس التحذير من قاعة مجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة من أن الحرب في سوريا تتفاقم وتلوح فيها أزمة غذائية حادة، ليدق الناقوس دقة كبرى أمام الدول الـ15 الأعضاء في المجلس بأن التقديرات الرسمية السورية لعدد المسلحين الأجانب الذين يؤججون العنف ويرفعون وتيرة القتل بجانب المعارضة السورية المسلحة تشير لخمسة آلاف مسلح. والسؤال الذي يجب أن يتبادر إلى أذهان أعضاء مجلس الأمن، وكذلك وزيرة الخارجية الأميركية الداعية إلى مواجهة المتطرفين: من وراء تجنيد هؤلاء الخمسة آلاف؟ ومن الذي جندهم ومولهم وسلحهم وحرضهم على العنف والقتل وضرب استقرار سوريا وتهجير شعبها؟ أليس هؤلاء في المنظور والمقياس الأميركي متطرفين؟ أم أن المتطرف حين يقتل عربيًّا ليس بمتطرف وحين يقتل غربيًّا هو متطرف؟ ثم ألا يعد مجرمو الحرب والقتلة الإسرائيليون وقطعان المستوطنين الذين يمارسون جرائمهم ويعيثون في الأرض الفلسطينية فسادًا “متطرفين” يجب أن يتوحد العالم لمواجهتهم؟
وإذا كانت الوزيرة الأميركية هيلاري كلينتون صادقة في دعوتها، فإن على بلادها أن تعطي دلائل صادقة وحقيقية على الأرض بمنع دعم وتسليح المجموعات المسلحة في سوريا، وأن تتخلى عن دعم الإرهاب الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، لا سيما وأن المحك الحقيقي لمصداقية هذه الدعوة تبدأ بإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتحقيق السلام بحل الدولتين وفق رؤية الرئيس باراك أوباما، وخصوصًا نحن على أعتاب أدوار أميركية لمساندة التملص الإسرائيلي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالنسبة للموضوع السوري فإن المعارضة السورية بالداخل دعت في ختام مؤتمرها لإنقاذ سوريا كلًّا من الحكومة السورية والمعارضة السورية المسلحة إلى وقف العنف، فهذه الدعوة لمعارضة الداخل تلتقي مع دعوة هيلاري كلينتون، ما يضع امتحانًا آخر لمصداقية ما دعت إليه الوزيرة الأميركية، فليس هناك أحد يرفض الوقوف في وجه التطرف والعنف والقتل والمتطرفين والقتلة والإرهابيين، ولا أحد يكره الانتقال الديمقراطي، لكن بالوسائل السلمية وليست العنيفة على طريقة “الكاوبوي”، فإذا كانت قوات حفظ النظام السورية لها قيادة تأتمر بأوامرها، فإن المجاميع المسلحة في سوريا هي عبارة عن عصابات منفلتة ليس لها قيادة، وبالتالي من الصعب التحكم فيها والسيطرة عليها، ولذلك لا مجال الآن لمواجهتها وفق الدعوة “الهيلارية” إلا بتعاون المعارضة مع الحكومة السورية، والبدء بالحل السياسي للأزمة، وإلا في ظل انفلاتها لن يكون هناك حل، ولن تكون وحدة لمواجهة “التطرف” و”المتطرفين”.