منطقة الصراع القادمة بين أمريكا والصين: المحيط الهندي
موقع العهد الإخباري-
عبير بسام:
يعتبر الصراع على المحيط الهندي بين الولايات المتحدة الأميركية والصين حديث العهد، اذ كانت الولايات المتحدة حتى فترة قريبة تعتبر أن أمن المحيط الهندي هو جزء لا يتجزأ من أمن المحيط الهادئ حيث تمتلك الولايات المتحدة قواعد ضخمة. لكن التغييرات التي تشهدها المنطقة لصالح تمدد النفوذ الصيني في المحيط الهندي بدأ يشغل بال المهتمين بقضايا النفوذ الأميركي والصراع الكبير بين الدولتين العظميين. وفيما ترى الصين في أمن المحيط الهندي أمنًا اقتصاديًا يهتم بخطوط التجارة الممتدة حتى الخليج العربي والبحر الأحمر، ترى فيه الولايات المتحدة حالة أمنية وتفوقًا عسكريًا يثير قلقها.
تستغل الولايات المتحدة وجود نوع من التحالف والتنسيق مع دولة الهند من خلال تحالف الرباعية، الكواد، والذي يضم كلًا من الهند واستراليا واليابان والولايات المتحدة للحديث عن القلق الذي تبديه الهند من توسع النفوذ الصيني في المحيط الهندي، مع العلم أنه بغض النظر عن الخلاف العميق بين الدولتين، الصين والهند، حول النفوذ في هضبة التيبت، إلا أن الأمر يخضع إلى حالة من التفاهم الساكن منذ زمن طويل. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم لا يوجد أية مواجهات بين البلدين. ولكن على المقلب الآخر فإن الولايات المتحدة تمتلك قاعدة هامة في أرخبيل تشاغوس.
يقع الأرخبيل على بعد 1000 كيلومتر من جنوب المالديف، في جزيرة دييغو غارسيا. حتى اليوم، الأرخبيل يقع تحت السيطرة البريطانية، وقامت المملكة بتأجير الجزيرة، التي قام الأميركيون بتهجير وترحيل أهاليها قسرياً من أجل بناء قاعدة جوية عسكرية ما بين الأعوام 1967- 1973، ولم يسمح لهم بالعودة حتى اليوم. وبحسب “بي بي سي” فقد تحدثت تقارير عن عمل كل من وكالة الأمن القومي ووكالة الإستخبارات المركزية الأميركية ووكالة الفضاء الأميركية وقوة الفضاء التي شكلها دونالد ترامب في العام 2019 على الجزيرة، كما تستخدم الجزيرة النائية من أجل استجواب أشخاص يشتبه في أنهم “إرهابيون” وفق التصنيف الأميركي. وبعد انتهاء عقد الإيجار في 2016، تم تمديده مع بريطانيا حتى 2036. ولكن المشكلة مع الجزيرة، وبحسب الأنباء، أن مساحتها تصغر يوماً بعد يوم بسبب غرقها البطيء في الماء.
حول القوة العسكرية الصينية في المحيط الهندي، كتب كل من بليك هيرزنجر وبين ليفكوفيتز مقالاً نشر على موقع مؤسسة واشنطن للدراسات في بداية هذا العام، وهما ضابطان باحثان في معهد أمريكان انتربرايز، حول نشر الجيش الصيني لمعداته في المحيط الهندي، فتبين أن الصين تملك ثلاث غواصات تجوب المحيط الهندي والهادئ فقط، ومع ذلك فهي تعد مصدر قلق للأميركي. وقد بدأ اطلاق المهمات العسكرية البحرية الصينية في البحار البعيدة منذ عهد الرئيس الصيني “هو جينتاو” في العام 2008، وتوسعت مع الرئيس شي جين بينغ. ويبدو أن الصين ومنذ العام 2017 بدأت ببناء قاعدة عسكرية في الإمارات لحماية خطوط التجارة، مع العلم أن الصين تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي هدفها حماية المهمة العسكرية الصينية ضد القراصنة، والتي تقوم بدورها بحماية السفن التجارية التي تقطع “مضيق ملكا” الذي يصل المحيط الهندي، لجهة بحر الصين الجنوبي تحديداً، بمضيقي باب المندب وصولاً إلى البحر الأحمر ومضيق هرمز إلى الخليج العربي.
أهمية المحيط الهندي بالنسبة للصين، تأتي من كونه أهم الطرق التجارية باتجاه طريق تجارة النفط في الخليج العربي والبحر الأحمر والهامة بالنسبة للصين، والتي تزداد أهميتها كلما ارتفع مستوى التقدم العلمي الصيني فتزداد بذلك الحاجة إلى الطاقة. وأما بالنسبة للولايات المتحدة فإن الهوس الجديد بالمحيط الهندي بشكل منفرد خارج رزمة المحيط الهادئ هو من أجل تفعيل سيطرة الولايات المتحدة على هذا المحيط المائي الحيوي وعزل الهند عن الصين. وعند الحديث عن المنطقة الهندية الآسيوية، فإننا نتحدث عن منطقة يقطنها حوالي 50% من سكان العالم، وتقع فيها اثنان من أهم ثلاثة اقتصادات في العالم وهما الصين والهند. اذ لا تستطيع أميركا أن ترى هاتين القوتين الاقتصاديتين والبشريتين متحدتين أو على الأقل في حال انسجام كامل، فكلاهما يشهد صعوداً تقنياً وعلمياً هامين، وكلاهما قوة نووية ولا يمكن أن تسمح أمريكا بأن يشكلا قطباً لا تستطيع الوقوف في وجهه.
بالطبع بدأ التعامل مع المحيط الهندي على أنه يمثل منطقة استقرار أمني بالنسبة للغرب بعد انطلاق مبادرة نطاق وطريق الصينية، والتي شكلت قلقاً كبيراً بالنسبة لأمريكا وأوروبا على حد سواء. اذ يعمل كل من الفرنسيين والبريطانيين اليوم على إيجاد نوع من التنسيق بينهما من أجل ديمومة العمل واستمرار مخر عباب المحيط الهندي عبر دوريات مشتركة ومساندة أساطيلهما المنتشرة مع بعضهما بعضاً. هذا مع العلم أنه تاريخياً، كانت الدول الأوروبية في حالة تنافس دائم من أجل بسط السيطرة على المحيط الهندي، وحماية خطوط تجارة الحرير والبارود من الصين إلى اوروبا لصالح كل منها منفردةً. ولكن اليوم مع نهوض الصين بات الوضع مختلفاً وتحالف الرباعية الذي شهدناه خلال السنين الأخيرة، والخلاف بين الولايات المتحدة وفرنسا لصالح استراليا، يمكننا أن نفهمه من خلال الرغبة التي تبديها الولايات المتحدة في محاولة السيطرة على المحيط الهندي وذلك لصالح حصار الصين ليس اقتصادياً فقط ولكن أمني أيضاً.
في هذا الإطار شهدنا خلال الفترة الماضية، ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين التوجه نحو بناء التحالفات الأميركية مع ما يعرف بالدول الجزرية. والدولة الجزرية هي عبارة عن تحالف أو تجمع مجموعة من الجزر القريبة من بعضها البعض والتي تقع ضمن نطاق مائي إقليمي لتصبح دولة واحدة. وقد ساعدت الولايات المتحدة عددًا من هذه الدول على الدخول كعضو في الأمم المتحدة، والتي تستفيد أمريكا من أصواتها الداعمة لها، مثل بروناي وسنغافورة وتايوان، بالطبع، وغيرها. وهذا ما جعل الصين تتجه لبناء علاقة اقتصادية هامة مع جزر سليمان وأن تتوسع في علاقاتها مع الدول الجزرية. فأهم ما في بروناي على سبيل المثال وليس الحصر، أنها تقع على بحر الصين الجنوبي، والذي ينفتح على المحيط الهندي، وتعتبر سنغافورة أهم دولة تشرف على مضيق ملكا، وتايوان معقل أميركي على بحر الصين أي أن تايوان في حالة احتلال. والأهم من هذا وذاك أن المحيط الهندي هو ممر لعبور ثلث الشحنات التجارية العالمية ويعتقد أنه يحتوي على احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي.
قد يعتقد البعض أن المنطقة تم اهمالها لفترة طويلة مقارنة بالمناطق الأخرى، ولكن وجود القاعدة العسكرية الأميركية في جزر المالديف البريطانية يقول غير ذلك. وما أعاد في حقيقة الأمر الالتفات الى المنطقة بطريقة عنفية، هي المبادرة التي ابتدأت مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام 2014. فبعد التجربة الهامة التي قامت بها الصين في مقاطعة ووهان وبدء الانفتاح على العالم وارتفاع مستوى الدخل الفردي في شرق الصين، ضمن عملية انفتاح منظمة، قررت الحكومة الصينية إعادة التجربة من أجل إنماء المناطق الغربية ورفع المستوى الاقتصادي فيها عبر فتح خطوط تجارة في غرب الصين. وهذه الخطوط هي التي تصل الصين من الغرب إلى روسيا وأوروبا والبحر المتوسط بالتأكيد. والتجربة الناجحة في رفع المستوى الاقتصادي لدول العالم التي تقع على خط مبادرة نطاق وطريق هي التي دفعت بإفريقيا تحديداً للتعاون مع الصين بعد تجربة الاستغلال الماضية مع العالم الغربي.
لقد بدا أن هناك فرصًا أخرى في العالم كي تخرج الدول من أتون التخلف والفقر وأن تبدأ بالاستفادة من مواردها الطبيعية التي كانت لأكثر من قرن تقع تحت السيطرة الأوروبية والأميركية. وبدلاً من رفع المستوى الاقتصادي والثقافي فيها، كانت المحاولات الكبيرة للقضاء على ثقافتها، إمعاناً في تخلفها، واستغلال مواردها لمصلحة الغرب، ورمي بعض الفتات عبر المساعدات لأصحاب الأرض. وهذا ما أفقد السيطرة الأميركية والأوروبية على إفريقيا، وفي هذا كلام هام يتسبب بجنون أمريكا وأوروبا مجتمعتين. إن الإستدارة التي قامت بها الصين من الشرق باتجاه الغرب، ومن المحيط الهادئ باتجاه المحيط الهندي خلخلت الموازين. ولكن يبقى أن هناك حاجة كبيرة من أجل الحفاظ على امن المنطقة لصالح أمن التجارة العالمية. وهذا هو السائد حتى اليوم!